شيراك يوجه من الرباط رسالة إلى ليبيا بسبب التلكؤ في حسم تعويضات عائلات ضحايا «يوتا»

TT

وجه الرئيس الفرنسي جاك شيراك رسالة شديدة اللهجة الى السلطات الليبية بخصوص تلكؤ طرابلس الغرب في الوصول الى اتفاق نهائي حول التعويضات الاضافية المترتبة على ليبيا لعائلات ضحايا طائرة «يوتا» الفرنسية التي انفجرت عام 1989 فوق صحراء النيجر، موقعة 170 ضحية من ست عشرة جنسية وغالبيتهم من الفرنسيين.

وقال شيراك ظهر امس، خلال مؤتمر صحافي عقده في الرباط، بمناسبة انتهاء زيارة الدولة التي قام بها الى المغرب ان امتناع ليبيا عن الايفاء بالتزاماتها «لا يمكن، بطبيعة الحال، الا ان تكون له نتائج على العلاقات الثنائية» بينها وبين فرنسا.

وامتنع شيراك عن الافصاح عما يقصده بـ«النتائج»، رغم سؤاله مجدداً عنها. واكتفى الرئيس الفرنسي بالقول: «اننا نراقب الوضع وسوف نستخلص النتائج المترتبة على ذلك، من غير عدوانية ومن غير ضعف».

وكان الجانب الفرنسي قد اعلن في مؤتمر صحافي عقد في مقر وزارة الخارجية، يوم الخميس 11 سبتمبر (ايلول) الماضي ان الطرفين الليبي (ممثلاً بمؤسسة القذافي للاعمال الخيرية التي يرأسها نجل الزعيم الليبي سيف الاسلام) والفرنسي (ممثلاً بتجمع عائلات ضحايا «يوتا» وجمعية الدفاع عن ضحايا الارهاب التي ترأسها المحامية فرنسواز رودتسكي) قد توصلا الى اتفاق «مبدئي» حول التعويضات ولكن من غير الوصول الى ارقام محددة.

وبموجب الاتفاق المبدئي، كان يتعين على الطرفين الوصول الى اتفاق نهائي خلال مهلة شهر واحد انتهت منتصف الليلة الماضية.

وتعود آخر جولة مفاوضات بين الطرفين الى التاسع عشر من سبتمبر الماضي. ومنذ ذلك التاريخ، انقطعت المفاوضات المباشرة واكتفى الطرفان بتبادل الرسائل الهاتفية وبالبريد الالكتروني، وفق ما اكده غيوم دونوا دو سان مارك، رئيس تجمع عائلات الضحايا لـ«الشرق الأوسط» التي اتصلت هاتفيا به امس من الرباط.

وبما ان شيراك كان يتحدث ظهر امس وان المهلة تنتهي منتصف الليل، فقد احتاط لذلك بقوله انه «لا يريد ان يستبق الامور».

وقال شيراك: «ما هو مؤكد، هو انه كانت لنا مع السلطات الليبية مناقشات انتهت الى التزام اكده لي العقيد القذافي خلال اتصالين هاتفيين اجريتهما معه».

واضاف شيراك في ما يشبه رسالة تحذير واضحة: «لا اريد ان اتصور ان هذه الالتزامات لن يتم الوفاء بها، اذ ليس هذا (أي عدم الوفاء بالالتزامات المقطوعة) من طبيعة العلاقات التي نقيمها بشكل عام مع الدول الاجنبية وبشكل خاص مع ليبيا».

وكانت فرنسا هددت الشهر الماضي باستخدام حق النقض لاجهاض مشروع القرار البريطاني (الاميركي) في مجلس الامن، الهادف الى رفع العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، منذ عام 1992، بسبب دورها المفترض في تفجير طائرة «بان آم» الاميركية، فوق بلدة لوكربي، في اسكوتلندا.

ولجأت فرنسا الى التهديد بالفيتو لمساعدة عائلات ضحايا «يوتا» للحصول على تعويضات اضافية، علماً بأن الدولة الليبية كانت قد دفعت عام 1999 مبلغ 34 مليون دولار لها. غير ان الاتفاق الثلاثي الليبي ـ البريطاني ـ الاميركي الذي التزمت طرابلس بموجبه بدفع 2.7 مليار دولار لضحايا لوكربي اغاظ فرنسا التي نددت بما اعتبرته «معاملة غير عادلة وفرت 10 ملايين دولار لكل عائلة من عائلات ضحايا طائرة لوكربي، مقابل مبلغ يتراوح ما بين 3 آلاف و30 الف دولار لعائلات ضحايا «يوتا».

وكانت فرنسا طلبت وساطة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ورئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري لدى العقيد القذافي ومنهم من يقول وساطة وزير الدفاع السوري العماد مصطفى طلاس كذلك.

وتجد فرنسا نفسها اليوم في وضع دقيق. ذلك ان ورقة الضغط الرئيسية التي كانت بحوزتها، أي استخدام الفيتو لمنع رفع العقوبات عن ليبيا، قد فقدتها.

ولا يمكن تصور نقل المسألة الى مجلس الامن، بأي حال، وبالتالي فان «النتائج» التي توحي بها السلطات الفرنسية تبدو محدودة وضعيفة. واذا عمدت باريس الى اتخاذ تدابير اقتصادية عقابية، فان الشركات والمؤسسات الفرنسية تكون هي الاولى التي ستتضرر منها.

وحتى امس، كان الخلاف الاساسي بين الجانبين الليبي والفرنسي يدور حول قيمة التعويضات. فقد قبلت ليبيا دفع مليون دولار اضافي لكل عائلة.

غير ان تجمع عائلات الضحايا وخصوصا جمعية الدفاع عن ضحايا الارهاب لم يقبلا هذا العرض، وكانا يصران على الحصول على 2.5 مليون دولار لكل عائلة.

ومن عناصر الاتفاق كذلك اسقاط الجانب الفرنسي وكل المعنيين بحادث «يوتا» اية ملاحقة قضائية بحق ليبيا امام كل انواع المحاكم وخصوصاً محكمة العدل الاوروبية.

اما المسألة الاخرى العالقة، فتتناول المواطنين الليبيين الستة، الذين اصدرت بحقهم محكمة فرنسية، غيابياً، احكاماً بالسجن وبينهم عبد الله السنوسي، قريب العقيد القذافي.

وقال غيوم دو سان مارك لـ«الشرق الأوسط» ان عائلات الضحايا «تعول على دعم الحكومة الفرنسية» من اجل حمل ليبيا على تنفيذ التزاماتها، ووعد بالقيام بتحركات احتجاجية في فرنسا وخارجها من اجل الضغط على السلطات الليبية، بما فيها ذلك المظاهرات والعرائض والتدخلات.

وطالب دوسان مارك حكومات الدول التي ينتمي اليها ضحايا طائرة «يوتا» بالتضامن مع عائلات الضحايا، مشيراً بالدرجة الاولى الى الولايات المتحدة.

وعزا دوسان مارك تلكؤ ليبيا الى «الخلافات» القائمة داخلها بين تيارين: الاول يريد تسوية المشكلة مع فرنسا ودفع تعويضات اضافية قريبة مما تطلبه عائلات الضحايا. والتيار الآخر يرى ان ليبيا اغلقت ملف «يوتا» منذ اربع سنوات عندما نفذت امر محكمة فرنسية بدفع 37 مليون دولار لعائلات الضحايا.