مسؤول لبناني يقرأ كلام الأسد عن الاستحقاق الرئاسي «استبعاداً» لخيار التمديد وفتحاً للسباق بين المرشحين

TT

تنوعت التفاسير والقراءات اللبنانية للمواقف التي اطلقها الرئيس السوري الدكتور بشار الاسد في حديثه حول موضوع الاستحقاق الرئاسي اللبناني والتي جاءت مع دخول لبنان السنة الاخيرة من ولاية الرئيس اميل لحود التي تنتهي خريف السنة .2004 وشكلت مواقف الاسد هذه ما يشبه الصدمة للواقع اللبناني الغارق منذ بضعة اشهر في تجاذب سياسي حاد حول الاستحقاق الرئاسي، وهذا ما دفع جميع المهتمين بهذا الاستحقاق الى اجراء قراءة اولى وثانية وثالثة ورابعة... وربما اكثر من ذلك لهذه المواقف محاولين استشفاف معالم الخيار السوري في هذا المجال، خصوصاً ان دمشق تعتبر دائماً احد اكبر ـ وربما اكبر ـ الناخبين، في انتخابات الرئاسة اللبنانية.

الاسد قال في حديثه الى الزميلة «الحياة» عندما سئل عما اذا كان اللبنانيون سيرون رئيساً جديداً ماهية المواصفات التي تتمنى سورية توافرها فيه، «التوافق اللبناني على الرئيس اهم نقطة. اعتقد بأنه لا يمكن ان يكون هناك توافق من دون توافر الصفات الاخرى المطلوبة: الوطنية والايمان بالعلاقة العربية. اعتقد ان هذه المواضيع اصبحت محسومة لبنانياً. لم تعد مثار خلاف كما كانت ايام الحرب اللبنانية. ان هذه هي المواصفات التي نتمناها نحن ويتمناها اللبنانيون». وعندما قيل للرئيس الاسد ان هذه المواصفات يمكن ان لا تجلب رئيساً جديداً، رد قائلاً: «اعتقد ان هناك الكثيرين في لبنان لديهم مثل هذه المواصفات، لكن الاهم هو من يوافق عليه الشعب اللبناني اكثر».

هذه المواقف لاقت تفاسير متنوعة لدى الاوساط اللبنانية الرسمية وغير الرسمية، والمعنية منها وغير المعنية بالاستحقاق الرئاسي.

ومن هذه التفاسير ان ما قاله الرئيس السوري فتح الباب امام كل الخيارات لانجاز الاستحقاق الرئاسي. ولم يغلّب اي خيار على آخر، من التمديد او التجديد الى انتخاب رئيس جديد، لان دمشق ما حددت سابقاً ولن تحدد اليوم موقفاً مسبقاً من الاستحقاقات التي تواجهها ومنها استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية. ففي السابق لم تسمح لاحد بان يستدرجها الى تحديد موقف في زمان ومكان لا يناسبانها، وانما فعلت ذلك في الزمان والمكان اللذين يناسبانها.

على ان قطباً سياسياً بارزاً فسّر لـ«الشرق الأوسط» كلام الاسد بأنه لم يجب بشكل واضح عن سؤال اذا كان هناك تمديد لولاية الرئيس لحود ام لا. واضاف ان القيادة السورية ليست في وارد تحديد موقف نهائي وقاطع منذ الآن في موضوع انتخابات الرئاسة اللبنانية، سواء لجهة خيار تمديد ولاية لحود او لجهة خيار انتخاب رئيس جديد. ولذلك جاء كلام الرئيس السوري بالصيغة التي صدر فيها طبيعياً وينسجم مع اسلوب دمشق الدائم في التعاطي مع استحقاقات من هذا النوع.

الا ان مسؤولاً لبنانياً اعطى لكلام الاسد تفسيراً آخر، اذ وجد في تحديده لمواصفات الرئيس اللبناني العتيد وضرورة التوافق اللبناني عليه، ما يشير الى «استبعاد» خيار التمديد لمصلحة خيار انتخاب رئيس جديد.

وقال هذا المسؤول لـ«الشرق الأوسط» ان الرئيس بشار الاسد يتعاطى مع الاستحقاق الرئاسي في لبنان بالطريقة نفسها التي تعاطى بها والده الرئيس الراحل حافظ الاسد. وهو وضع التوافق اللبناني على شخص الرئيس العتيد عنصراً اساسياً لانجاز الاستحقاق الرئاسي وعدم فرض اي رئيس على اللبنانيين. ولذلك فما قاله الرئيس السوري ينم عن ان سورية لن تفرض على اللبنانيين رئيساً لا تؤيده الاكثرية اللبنانية.

ويعود هذا المسؤول بالذاكرة الى ما حصل لدى تمديد ولاية الرئيس السابق الياس الهراوي، إذ قال ان هذا التمديد ايده آنذاك رئيس الحكومة رفيق الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وهما كانا في السلطة التنفيذية، والعميد ريمون اده (الذي كان يقيم في باريس وقد توفي قبل سنوات)، في حين عارضه رئيس مجلس النواب نبيه بري والوزير سليمان فرنجية وآخرون. وعندها ايدت دمشق خيار التمديد اقتناعاً منها انه الخيار الانسب لكون الذين سيتعاطون مباشرة مع الرئيس الممدد له وابرزهم الحريري وجنبلاط بما يمثلان من ثقل سياسي وشعبي كبير هم في السلطة التنفيذية التي يشارك فيها من موقعه كرئيس للبلاد ويرأس جلسات مجلس الوزراء عندما يشاء وان كان لا يحق له دستورياً التصويت.

وعاد المسؤول اللبناني بالذاكرة ايضاً الى تجربة انتخاب الرئيس اميل لحود خريف العام 1998 خلفاً للرئيس الهراوي الذي لم يتمكن من تمديد ولايته لمرة ثانية لعدم توافر التوافق اللبناني على ذلك، فقال ان لحود انتخب بشبه اجماع، اذ عارضه النائب وليد جنبلاط فقط، بينما ايده الجميع من الهراوي الى برّي والحريري وفرنجية والبطريركية المارونية ووزير الخارجية الحالي جان عبيد الذي ابلغ الى دمشق يومها انه سيرشح نفسه للرئاسة اذا كانت لا تؤيد ترشيح لحود، كذلك ايدته غالبية الاحزاب والقوى السياسية والشعبية. شبه الاجماع اللبناني هذا على لحود اخذته سورية في الاعتبار عندما حددت خيارها في شأن الاستحقاق الرئاسي اللبناني آنذاك.

ولفت المسؤول نفسه الى ان الوضع اليوم مختلف تماماً ولا يمكن دمشق ان تتجاهله، فرئيس الجمهورية «على خلاف» مع الرئيسين بري والحريري، ومع الوزير فرنجية ومعظم الاطراف والقوى السياسية، الامر الذي يشير الى عدم وجود توافق على تمديد ولايته. وقد جاء الموقف الذي عبر عنه البطريرك الماروني نصر الله صفير في باريس حيث عارض علناً تعديل الدستور لتمديد ولاية الرئيس، كذلك الموقف الذي عبر عنه الرئيس السابق للحكومة سليم الحص بدعوته لحود رفض القبول بتمديد ولايته، ليزيدا في اضعاف خيار التمديد.

ويؤكد هذا المسؤول ان البطريرك صفير «لا يؤيد خيار التمديد»، اذ انه يعتبر ان دمشق، اذا حاولت فرض خيار التمديد في ظل انعدام توافق اللبنانيين عليه، فان ذلك «سيكون تمديداً للأزمة القائمة مما سيضر بمصلحة البلاد والعباد».

وينقل هذا المسؤول عن البطريرك الماروني انه حريص على بقاء صفة «الرئيس السابق» في لبنان عبر الحفاظ على مبدأ تداول رئاسة الجمهورية داخل الطائفة المارونية التي اسند اليها هذا الموقع الرئيسي في هرم السلطة اللبنانية عرفاً، وذلك في اطار تقاسم المواقع الرئاسية بين الطوائف اللبنانية الكبرى في هذا الهرم، حيث تتولى الطائفة الاسلامية الشيعية رئاسة مجلس النواب والطائفة الاسلامية السنية رئاسة مجلس الوزراء.

وحسب هذا المسؤول فان سبب معارضة صفير وغيره من القيادات المارونية والمسيحية للتمديد، قد يكون مرده الخوف من ان مكوث الرئيس، اي رئيس، في الرئاسة اكثر من ولايته المحددة دستورياً قد يؤدي الى الاضرار بمصلحة الطائفة المارونية خصوصاً والمسيحيين عموماً في الحفاظ على هذا الموقع المتقدم في السلطة. لذلك يعتقد المسؤول اللبناني ان ما اعلنه الرئيس الاسد كان بمثابة اطلاق لعملية السباق بين المرشحين الرئاسيين. وهذا ما سيظهر على الساحة قريباً.