مهاتير محمد: أنا أصولي لكنني أعارض الأحزاب الإسلامية التي تستخدم الدين لأغراضها الخاصة

رئيس الوزراء الماليزي قال إن بلاده أعدت برامج للتقارب مع إسرائيل إلا أنها متوقفة بسبب اعتداءات حكومة شارون

TT

من المقرر ان يتقاعد رئيس الوزراء الماليزي الدكتور مهاتير محمد، هذا الشهر، بعد 22 سنة قضاها في السلطة جعلته من أقدم رؤساء الوزراء في منطقة جنوب شرق آسيا. وقد أشرف مهاتير على تحويل ماليزيا الى واحدة من اغنى دول آسيا، ذات قطاع قوي في مجال الالكترونيات والمباني العالية. وهو ينتقد ما يصفه بالحروب التي لا تنتهي في اوروبا ومستعمراتها السابقة. وقال ان رد الفعل على الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11 سبتمبر (ايلول) 2001 كان بداية للعودة الى الوسائل القديمة لمهاجمة الدول الاسلامية حتى اذا لم تكن مذنبة.

وفي لقاء اجرته معه هيئة الاذاعة البريطانية (بي. بي. سي)، سيبث اليوم، رد على وصف البعض بـ«نموذج ماليزيا» بالقول، انه لم يتعمد ان تصبح ماليزيا نموذجا للاسلام المتسامح، و«كل ما فعلناه هو ما نعتقد انه صحيح طبقا لمبادئ الدين الاسلامي. الآخرون هم الذين يدلون بمثل هذه التعليقات ولسنا نحن. إننا نفعل ما نعتقد انه مناسب لديننا».

ورد بالايجاب على سؤال بأن الخطاب العام يقع تحت سيطرة قيادات اسلامية تريد استخدام العنف كوسيلة لتحقيق اغراضها. وأضاف: «نحن في هذا الموقف طوال الخمسين سنة الاخيرة، في فلسطين مثلاً، ولم نحقق أي شيء. لقد صعدنا الهجمات ضد المسلمين ولا نرى أي انتصارات في ذلك، وهذا ما يجعلنا نشعر بأنه ليس الطريق الصحيح. لابد من وجود وسائل اخرى».

واكد مهاتير وجود صراع للحضارات «لأن الكثير من الناس (في الغرب) يشعرون بان المسلمين ارهابيون، وواضح ان هناك عداء تجاه المسلمين، لكننا في حاجة الى شرح ماهية الاسلام»، إذ «الكثير من الناس يعتقدون ان تعاليم الاسلام تجعلهم شخصيات صدامية»، متناسين أن «ديننا يحثنا على العيش في سلام مع بعضنا البعض ومع الآخرين». واضاف ان «الافتقار الى فهم تعاليم الاسلام هو الذي ادى الى الموقف الحالي، وعدم الفهم ليس فقط بين غير المسلمين ولكن بين المسلمين الذين يتعرضون لتفسيرات مختلفة للاسلام»، و«بسبب تلك التعاليم، التي اعتقد انها غير صحيحة، صار المسلم يبدو صداميا وغير قادر على التعاون مع الآخرين».

وفي تعليقه على رفض الكثير من الدول الاسلامية لوجهة النظر الغربية التي تعتبر الاسلام كياناً واحداً، أشار مهاتير الى انقسام المسلمين وإلى وجود صدامات بينهم، مؤكداً ان «غير المسلمين يعتقدون ان المسلمين كيان واحد وان نظرتهم للمسلمين موحدة سواء كان المسلم سنيا أو شيعيا، ويعتقدون ان أي مسلم غير قادر على التفكير المنطقي». واوضح انه يعرف الكثير من المسيحيين الذين ساعدوا المسلمين ولكن ذلك لا يعكس التوجه العام.

وبالنسبة للقادة الاوروبيين الذين يدعون الى حوار مع العالم الاسلامي قال الدكتور مهاتير، ان ذلك لا يعكس التوجه العام ايضا، إذ «النظرة العامة (السائدة في الغرب) تعتبر المسلم ارهابياً يجب مواجهته».

وقال انه أصولي من المنطلق الصحيح للعبارة، باعتباره متبعاً للتعاليم الاساسية للاسلام. وراى ان «تلك التعاليم جيدة للغاية لأنها تدافع عن السلام وعن الصداقة والاخوة والتسامح مع الآخرين، ولكن الناس ظلوا طوال 1400 سنة يفسرون ويعيدون تفسير الدين لارضاء أغراضهم»، و«اذا كانوا يحاربون شخصا ما، فانهم يدافعون عن الحرب وليس السلام، وإذا شعروا انهم بحاجة الى الحصول على تأييد الناس عبر الكراهية فهم يدعون الى الكراهية. هذه ليست اساسيات اسلامية كما انها ليست أساسيات مسيحية». وقال ان «لدينا نفس الظاهرة في ماليزيا وواجهناها عبر شرح الاسس الحقيقية للاسلام. وبصفة خاصة يقبل الماليزيون وجهات نظرنا، وبالطبع لا بد من وجود اقلية تميل الى التطرف وتحب كراهية الآخرين».

وعند سؤاله عن اتهام «الحزب الاسلامي الماليزي» له بأنه لا يلتزم بتعاليم الاسلام، قال، ان هذا الحزب «ليس إسلاميا، وانما هو حزب سياسي يستخدم الاسلام وليس حتى الاسلام الحقيقي».

وردا على سؤال حول احتمال ان تكون بعض التوجهات الاسلامية لحكومته قد شجعت انصار تطبيق القواعد الاسلامية المتشددة في بعض الاحزاب الاسلامية الاخرى، قال ان توجهاتهم المتشددة بدأت قبل فترة طويلة من حديث حكومته حول التمسك بالمبادئ الرئيسية للاسلام. وأضاف: «ان هؤلاء استخدموا الاسلام لأغراض سياسية مستغلين جهل الناس ومرتدين ملابسهم المميزة، وهم يعملون في القرى على الدعوة الى الكراهية زاعمين انهم يدعون الى الاسلام». واستطرد قائلا: ان ما يدعو له هؤلاء ليس اسلاما، لذا من الواجب على الجهات المسؤولة ان توضح للناس التعاليم الحقيقية للاسلام.

وقال رئيس الوزراء الماليزي انه يتحدث حول ما يعتقد انه الحقيقة مؤكدا ان الازمة المالية التي حدثت في السابق، تسبب فيها رجل اعمال يهودي يدعى جورج سوروس. وأضاف قائلا انه لا يوجه اللوم لكل اليهود، مؤكدا ان لديه الكثير من الاصدقاء اليهود.

وفي سياق الاسئلة التي طرحت عليه، قال اسرائيلي من سكان القدس ان تعليقات مهاتير حول اليهود لا تساعد على حدوث أي تقارب وتفاهم، وقال انه فقد أي امل نتيجة هذه التعليقات في حدوث أي نوع من التقارب وحتى في السفر لماليزيا كي يظهر للناس هناك انه بشر مثلهم. وقال مهاتير ردا على هذا التعليق، ان بلاده اجرت الترتيبات اللازمة لزيارة اطفال اسرائيليين للقاء اطفال ماليزيا. وأضاف قائلا: ان من شأن مثل هذه البرامج ان تساعد في فهم الماليزيين للاسرائيليين والعكس ايضا. لكنه اشار الى ان بلاده لن تستطيع الاستمرار في استكمال بقية الاجراءات المتعلقة بهذه الترتيبات عقب الهجمات التي ظلت تشنها حكومة ارييل شارون. وأضاف مهاتير انه سمح خلال فترة الحديث عن السلام لفريق كريكت اسرائيلي بزيارة ماليزيا، كما اشار الى انه وجهت الدعوة لاسرائيلي منفتح بالحضور والحديث الى الماليزيين.

وحول سؤال بشان ضعف جانب الجاذبية الشخصية لديه عند المشاركة في الاحاديث التلفزيونية، رد مهاتير قائلا انه لا يأبه كثيرا بما اذا كانت لديه جاذبية شخصية تشد الماليزيين، مضيفاً انه سيترك الحكومة على اية حال. وأضاف في الرد على هذه النقطة ان كل همه هو ان يفوز حزبه، وأن حزبه اذا فاز فإن مسألة الشعبية لا تعني له شيئا.

اما حول ما يقال عن ان القادة المسلمين التزموا الصمت ازاء جرائم صدام حسين وتأييد بعضهم له، قال مهاتير، ان صدام حسين ارتكب جرائم ولكن هناك آخرين ارتكبوا جرائم يعرفها العالم أجمع، «ففي افريقيا، قتل حوالي 5 ملايين شخص، أي اكثر ممن قتلوا في العراق، إلا ان شيئا لم يحدث لأنه ليس هناك نفط». ويعتقد مهاتير ان ثمة اجندة مختلفة تماما في هذا الشأن، مؤكداً ان «صدام دكتاتور ولكن اذا اتخذ اجراء لا بد ان يشمل كل الانظمة الدكتاتورية».

ويرى مهاتير ان الاميركيين يتعرضون الى نيران العراقيين الرافضين للاحتلال، إذ «ليس هناك ترحيب في الوقت الراهن بالاميركيين كمحررين للعراق». كما يرى ان مشهد القوات الاميركية بعد الحرب العالمية الثانية عندما وصلت باريس واستقبلت بالترحيب والقبل في العاصمة الفرنسية، لا علاقة له بما يحدث اليوم في العراق.

وازاء وجهات النظر هذه، يعتقد مهاتير انه من الصعب ان تكون الدول ناقدة لنفسها طالما ظلت تتعرض لهجوم من الغرب. وأضاف ساخرا ان البعض انتقد ماليزيا وقال انها «تخضع لحكم دكتاتور اسمه مهاتير محمد». وأضاف مازحا انه لا بد ان ينتخب لكي يصبح دكتاتورا لكنه اصبح اليوم، حسب تعليقه، «دكتاتورا متنحيا». ويعتقد مهاتير، ان الصورة المشوهة للعالم هي التي تتسبب في مثل هذه المشاكل، فهذه الصورة، كما قال، لا تفرق بينه وبين صدام حسين.

وسئل مهاتير حول ما اذا كان قرار سجن نائبه السابق انور ابراهيم أدى الى زيادة الدعم والمساندة للمعارضة كما حدث في انتخابات عام 1999، فقال انه لم يتخذ اجراء ضد انور ابراهيم سوى انه أصبح شخصا غير مرغوب فيه، وما حدث بخلاف ذلك كان تبعا للقانون. وأضاف: ان قانون البلاد لا يسمح بأن يطلب الشخص من ضابط شرطة تهديد الناس لأن ذلك يعتبر استغلالا للسلطة، وهذا ما حوكم انور ابراهيم بسببه. واضاف مهاتير في اشارة الى مزاعم ضد انور ابراهيم «ان ممارسة الشذود الجنسي مع الآخرين يعتبر فعلا ضد القوانين السارية في البلاد، وقال انه بعد محاكمة استمرت تسعة أشهر شارك فيها أفضل المحامين للدفاع عن أنور ابراهيم، وجدت المحكمة أنور ابراهيم مذنبا وأصدر القاضي حكمه في 380 صفحة، وحكم عليه وفقا للقانون. ويؤكد مهاتير انه لم يضع أنور ابراهيم في السجن بدون محاكمة وإنما القوانين السارية في البلاد هي التي اقتضت الحكم عليه بالسجن لأنه كان مذنبا.