بن علوي: مجلس الحكم في العراق بداية لتطور سياسي في البلد

وزير الدولة العماني للشؤون الخارجية حذر في حديث لـ«الشرق الأوسط» من التدخل العربي في العراق بقنوات غير صحيحة

TT

أعرب يوسف بن علوي وزير الدولة العماني للشؤون الخارجية عن اعتقاده بأن مجلس الحكم في العراق بداية لتطور سياسي في البلد. وشدد بن علوي في حوار مع «الشرق الأوسط» جرى في نيويورك على أهمية وضرورة دعم مجلس الحكم، وأوضح قائلا «لا يسرنا أن نرى العراق يقع في فراغ سياسي ونعتقد أن مجلس الحكم هو بداية التطور».

وأعرب وزير الخارجية العماني عن أمله في أن ينتهي مجلس الحكم إلى تأسيس نظام سياسي يجمع عليه العراقيون ليكون ديمقراطياً ومتعدد الطيف السياسي. وأكد يوسف بن علوي على وجود مبادرة عربية تجاه الوضع في العراق، وقال «إن الدول العربية قد بادرت إلى التعامل مع مجلس الحكم».

وفي الوقت ذاته حذر من التدخل في شؤون العراق، وقال «ليس من مصلحة العراق في الظروف الحالية أن تفرض الدول العربية نفسها أو تتدخل في شؤونه من خلال قنوات غير صحيحة». وكشف الوزير العماني بأن الجامعة العربية قد بحثت مع وفد مجلس الحكم العراقي الجدول الزمني الذي من شأنه أن ينتهي بقيام حكومة عراقية وإلى خروج قوات التحالف من العراق. وأكد أيضا على أن الموقف الأوروبي ليس متقدما على الموقف العربي في مسألة التعامل مع العراق. وأفاد بن علوي قائلا «إن هناك توافقاً دولياً على ضرورة استعادة السيادة وإنهاء الاحتلال». وربط تحقيق هذين الهدفين بجدول زمني تقرره القوى السياسية في العراق دون تدخل من أي جهة خارجية. وشدد بن علوي على القول بأن وجود قوات أجنبية في بلد لا يعني بالضرورة أنه فقد سيادته، وضرب مثلا بوجود أكثر من 40 ألف جندي أميركي في كوريا الجنوبية دون أن تفقد سيادتها. وطالب وزير الخارجية العماني الدول العربية، خصوصاً دول الجوار بالتعامل مع العراق بنوع من الحساسية من بينها عدم إرسال قوات، وبين قائلا «اعتقد أن الأمم المتحدة بإمكانها أن تنسق ما يمكن من الجهود لما يحتاجه العراق من قوات لحفظ الأمن دون الحاجة إلى تعقيدها بوجود قوات عربية». وفي ما يلي نص الحوار:

* لماذا تبدو سلطنة عمان أكثر تحمساً لمجلس الحكم في العراق؟

ـ نحن متحمسون للعراق لانه بالنسبة لنا من الناحية السياسية هو مجلس الحكم وكذلك قوات الاحتلال الأميركية والبريطانية وهذا الواقع السياسي الآن. وتحمسنا له ينطلق من عدة أسباب أولا لأنه بلد عربي وشقيق وتربطنا به علاقات تاريخية وعربية ومن الممكن أن اصفها بالعرقية والقبلية وأن العرب في عمان معظمهم من قبائل الأزد وأن العرب في العراق خاصة في المناطق الوسطى والجنوبية أصولهم على الأغلب من الأزد أيضا. ونحن نشعر بالمقابل أن العراقيين متحمسون لعمان. وثانيا لا يسرنا أن نرى العراق يقع في فراغ سياسي ونعتقد أن مجلس الحكم هو بداية لتطور. ونأمل أن ينتهي في النهاية إلى تأسيس نظام حكم كما أجمع عليه العراقيون ليكون ديمقراطيا ومتعدد الطيف السياسي وينبثق من حكومة عراقية وطنية وذات تطلعات وسياسات تخدم الشعب وتخدم الأمة العربية.

* ما يسجله المراقب السياسي هو انعدام وجود أي مبادرة عربية للتعامل مع الوضع العراقي الجديد، هل بلور مجلس التعاون الخليجي أي مبادرة أو استراتيجية للتعامل مع هذا الوضع؟

ـ عندما بادرت دول مجلس التعاون إلى قبول مجلس الحكم لعدة أسباب منها الحفاظ على وحدة العراق، وكذلك من أجل المحافظة على العراق كبلد عربي ينتمي إلى الأسرة العربية. ولهذا بادرت الدول العربية إلى التعامل مع العراق من خلال مجلس الحكم والدليل على ذلك قبول مجلس الحكم ليشغل موقع العراق في الجامعة العربية للتأكيد على انتماء العراق للاسرة العربية بالرغم من وجود قوات التحالف. وأعتقد أن الدول الخليجية والدول العربية عموما ستتفاعل مع تطلعات العراق وهو بلد ليس حديث النشأة وله حضارة وتاريخ وهناك ديناميكية لشعب العراق وهو ليس بحاجة إلى وصاية من أحد لا من العرب ولا من الجيران. وبالتأكيد أن دول الخليج والدول المجاورة له ستفعل كل ما بوسعها لتحقيق مصالح العراق عندما يكون هناك أي طلب من الحكومة العراقية سواء الحالية أو مستقبلا. ليس من مصلحة العراق في الظروف الحالية أن تفرض الدول العربية نفسها أو تتدخل في شؤونه من خلال قنوات غير صحيحة.

* هناك موقف متقدم أوروبي إزاء العراق قياسا للموقف العربي فالأوربيون يطالبون بإنهاء الاحتلال بأسرع وقت ونقل السلطة إلى العراقيين، ونحن لا نلمس مثل هذا الموقف لدى العرب؟

ـ بالعكس مما تقول فأحب شيء للنفس بالنسبة لنا أن يسيطر العراقيون على مقاليد الأمور ولكن التمني والرغبة شيء والواقع شيء آخر. عندما قابلت الجامعة العربية ممثلي مجلس الحكم والحكومة الانتقالية وكانت من بين الأشياء التي تم الاتفاق عليها هي أن يقدم مجلس الحكم جدولا زمنيا للتطور السياسي الذي سيقوده والذي سينتهي إلى حالتين وهما قيام حكومة عراقية منتخبة وخروج قوات التحالف. وليس هناك أي تناقض فوضع الجداول الزمنية قد تكون من الناحية النظرية جيدة لأنها تمنح توجها ما، وأن تحويل الواقع العراقي الآن من أجل أن يتطابق مع الجدول الزمني أمر يحتاج إلى شيء من الصبر. وما يستطيع أن يفعله العراقيون خلال الـ24 ساعة قد لا ينسجم مع جدولة هذه المدة. وهناك الآن حوار واسع يجري في العراق والعراقيون على العموم كلهم متفقون على العمل بمختلف الوسائل لتحقيق سيادة وخروج القوات المحتلة.

* هل تشعرون أن الموقف الأوروبي ما زال متقدما إزاء العراق أكثر من الموقف العربي؟

ـ لا أبدا ليس متقدما على الموقف العربي حتى لو قررنا فرضا في العالم العربي أن نعطي فترة عام كجدول زمني لخروج القوات الأجنبية من العراق سيظل هذا الافتراض نظريا وما نعول عليه هو إذا كان في إمكان القوى السياسية في العراق ان تحقق هذا الهدف على أرض الواقع. ونحن نولي الواقع أهمية خاصة ومع ذلك فان هناك نوعاً من الاتفاق الدولي، والعرب جزء من هذا الاتفاق حول ضرورة وجود مخطط يؤدي في النهاية إلى قيام الحكومة العراقية والحياة الدستورية وان تتشكل على أساس انتخاب حر وتحت إشراف الأمم المتحدة، وبعد ذلك لا نرى ضرورة وجود قوات متعددة الجنسية أو وجود قوات تحالف أو وجود اميركي. وأن تحديد الجدول الزمني سواء بفترة 6 أشهر أو3 أو سنة أو أكثر هو أمر مرهون بيد القوى السياسية العراقية.

* اجتمعتم كوزراء خارجية لدول مجلس التعاون مع المسؤولين الأميركيين، فهل لمستم أي تغيير في السياسة الأميركية إزاء العراق؟

ـ بدون شك هناك نوع من التوافق كما قلت، والنقاش الآن يدور منذ احتلال العراق وحتى الآن في الكواليس حول ضرورة أن يستعيد العراقيون سيادتهم.

ويفضي هذا التوافق إلى ضرورة وجود جدول زمني وكما عبر عن ذلك وزير الخارجية الأميركي كولن باول الذي توقع أن يقدموا العراقيون مشروع الدستور خلال 6 أشهر. ونستنتج بأن مسألة الزمن متروكة للعراقيين في أن يحققوا ذلك من خلال التوافق وإذا لم يحقق الهدف خلال تلك الفترة فمن الممكن تمديد الجدول الزمني.

* هل تؤيدون المطالبة في أن تتنازل سلطة الاحتلال المؤقتة عن السلطة السياسية والإدارية في العراق إلى الأمم المتحدة؟

ـ الأهم من وجهة نظري هو أن تقوم الأجهزة التنفيذية العراقية ممثلة بالوزارات ببذل الجهد الأساسي لتسلم السلطة من قوات التحالف شيئا فشيئا على أن تتمكن في السيطرة عليها. وأن أهم شيء في الوقت الراهن هو الجانب الأمني من أجل إيصال السلطة لأنه ذات الصلة بعملية البناء سواء كان من الناحية الإنمائية أو السياسية والاجتماعية. وهذا يتوقف على مدى استقرار الأمن وهذا الأمر في رأيي لا تستطيع الأمم المتحدة أن تحققه وانما تنجزه القوات الموجودة على الأرض وهناك الآن جهود تبذل لبناء قوات امن عراقية مثل الشرطة وقوات الأمن والقوات العسكرية، وهذا يحتاج إلى وقت. وأما دور الأمم المتحدة في رأيي يكمن في مساندة السلطة العراقية سواء في هذه المرحلة أو ما بعد هذه المرحلة من خلال ثوابت وعمل وكالات الأمم المتحدة المتخصصة. ولا اعتقد أن الأمم المتحدة ستتخلى عن ذلك الآن المقصود ليس استبدال قوات الاحتلال بوجود الأمم المتحدة، الهدف هو استبدال قوات الاحتلال بالسلطة الوطنية العراقية التي تمثل الشعب العراقي وبدلا من أن تكون 3 مراحل ينبغي أن تكون مرحلة واحدة لتحقيق هذا الهدف. والمطلوب هو انتقال السلطة إلى العراقيين تدريجيا من قوات التحالف.

* يبدو ان الموقف العربي منقسم كليا إزاء المسألة العراقية هناك من يدعو إلى التسريع بإنهاء الاحتلال وإلى دعم المقاومة ضد قوات التحالف والبعض الآخر له موقف أخر كيف تفسر هذا الانقسام؟

ـ التسريع وعدمه والتأني وغيرها من المفرادات في هذا الأمر تخضع في الحقيقة إلى الواقع العراقي ولا استطيع أن أقول ان المطالبة بالتسريع هو الذي سينقل السلطة. ومن الأشياء التي هي موضوع مداولات عميقة وجدية بين أطراف القوى السياسية في العراق هي كيفية الوصول إلى دعوة ممثلي المؤتمر الدستوري فهناك توجهات واجتهادات مختلفة. وهناك من يقول أن اعضاء المؤتمر الدستوري يجب أن يعينوا بواسطة الانتخاب وهناك من يرى أن الانتخاب في ظل الظروف الأمنية الحالية صعب تحقيقه وهو من يدعو إلى حل وسط إلى شبه الانتخاب. وأن هذا النقاش بين القوى السياسية في العراق لا يمكن أن لا يخضع إلى دعوتي في التسريع بإنهاء الاحتلال أو بدعوة الآخر إلى التأني. وعلى كل حال ان التسريع يعتمد في النهاية على قدرة العراقيين في الاتفاق على منهج يمكنه السيطرة على الأمور وفي انبثاق الحكومة الوطنية العراقية وعليك أن لا تنسى أن العراق قد حكم لأكثر من 32 سنة على حكم الحزب الواحد ونرى العراقيين الان مجمعين على نظام التعددية السياسية، وهذا النظام يحتاج إلى وقت ويحتاج إلى قاعدة قوية وصلبة.

* اجتمعتم وزراء خارجية دول مجلس التعاون مع كولن باول وزير الخارجية الأميركي فماذا طلب منهم؟

ـ لقد شرح لنا وجهة النظر الأميركية حيال عدد من القضايا سواء المتعلقة بالعراق وبالشرق الأوسط. وهذه القضايا بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي ليس فيها الجديد لأن هناك اتصالاً مستمراً مع الولايات المتحدة. ومع ذلك كانت مناسبة لنستمع لهم، ووزارة الخارجية الأميركية حريصة أيضا على الاستماع إلى أي أراء جديدة أو مقترحات تساعد في فهم أوسع للواقع في العراق خصوصا من قبل الدول المجاورة التي يهمها أمنه واستقراره. وفي هذه المناسبة علي أن أوضح أن وجود قوات أجنبية في بلد لا يعني بالضرورة أنه فقد سيادته وهذا الأمر قد أصبح من الحقائق السياسية الآن ونأخذ على سبيل المثال أن كوريا الجنوبية توجد فيها قوات أميركية إلى الآن ويبلغ قوامها أكثر من 40 ألف جندي أميركي. وهذا الوجود قد أفقد سيادتها.

* لكن الوضع يختلف في العراق فهناك حرب ونية مخططة في اسقاط النظام السابق؟

ـ هذا صحيح أن حكومة العراق قد سقطت بعد الاحتلال الأميركي وبالمقابل هناك جهد لبناء حكومة جديدة لا يمكن أن تتشكل بقدرة كن فيكون ومن أجل أن يقنع العراقيون العالم بأن لديهم حكومة صلبة وديمقراطية يحتاج هذا إلى وقت كاف.

* المعلومات التي سربت لنا أن كولن باول طلب من دول الخليج أن تلعب دورا بارزا في مؤتمر مدريد للدول المانحة؟

ـ إن كلمة لعب هي مفردة غير مناسبة وإنما الحياة هي لعب ولهو وقد طلب منا ما نستطيع أن نقوم به، وبالتأكيد نحن لا نتخلى عن هذا الدور. وكما ذكرت لك أن المسألة لا تكمن في أن يجتمع ممثلو الدول ليعملوا إعلانات عن تبرعاتهم في صندوق لا توجد فيه خطط. والدول العربية من الممكن أن تقوم بدور فاعل في هذا المؤتمر من خلال وجود حكومة عراقية قادرة على تنفيذ خطط اعادة بناء البلد.

* هل طلب منكم إرسال قوات إلى العراق؟

ـ نحن لدينا وجهة نظر في مسألة إرسال قوات وأن الجميع قد اتفق قبل اتخاذ هذه الخطوة لا بد من إصدار قرار من مجلس الأمن يحدد بموجبه مهمة هذه القوات وكيفية عملها وهذه المسألة كما تعلم في حيز المشاورات بين الكبار. والأمرالثاني أن العراق حالة تحتاج من العرب حساسية خاصة للتعامل معها وأعتقد أن مجلس الحكم لا يرغب في أن تشارك أي قوات من دول الجوار وهذا ينطبق أيضا على الدول العربية خوفا من أن تنتهي المسألة إلى استقطابات. واعتقد أن الأمم المتحدة بإمكانها أن تنسق ما يكفي من الجهود الدولية لما يحتاجه العراق من قوات لحفظ الأمن دون الحاجة إلى تعقيدها بوجود قوات عربية.

* الا تخشى دول الجوار ودول المنطقة من تدهور الوضع الأمني في العراق؟

ـ لقد حدث فراغ سياسي بعد انهيار الحكومة السابقة في العراق بعد دخول القوات الأميركية والبريطانية إلى العراق ورافق ذلك انهيار السلطة الساسية وسلطة القانون وكان هذا أمر متوقع. وقد ارتكب الأميركيون بعض الأخطاء قد تكون غير مقصودة بسبب تطور الأحداث وبعضها قد تكون مقصودة ناتجة عن عدم معرفة الواقع. ومن المعروف حين تدخل جيوش أجنبية لتسيطر على مجتمع مدني ترتكب أخطاء وقد حصل مع كل الجيوش خلال العشرين سنة الأخيرة سواء دخلت تحت مظلة الأمم المتحدة أو تحت مظلة أخرى. لأن العسكري أو الجندي أول ما يسعى إليه أن يحافظ على حياته. ونأمل أن يتجنب الأميركيون أثناء وجودهم في العراق تكرار نفس الأخطاء وأن يتعاملوا مع العراقيين على اعتبار أن العراقيين أحرص على بلدهم من الأميركيين.

* وما هو تأثير الوضع الجديد في العراق على دول الخليج؟

ـ ليس هناك تأثير مباشر وغير صحيح أن هناك تحفظ على ما يجري في العراق وأن الديمقراطية فيه ستساهم في استقرار المنطقة وليس العكس. ونحن قد سمعنا مثل هذا الكلام مع تجربة اليمن الديمقراطية، ولكن كانت النتيجة قد عززت العلاقات اليمنية مع دول الخليج بشكل أكبر وأعمق عما كانت عليه في السابق في ظل الاستقرار اليمني، واعتقد أن نفس التجربة من الممكن ان تنطبق على العراق.