د. الترابي لـ«الشرق الأوسط»: سأستمر في الدعوة لإطلاق الحريات ولا أبالي لو رُددت إلى الاعتقال مرة أخرى

الأمين العام للمؤتمر الشعبي السوداني قال إن الإفراج عنه يجيء كجزء من بناء الثقة بين الحكومة والحركة الشعبية

TT

أكد الدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي السوداني ان اصراره على المرور بالمركز العام للحزب في حي الرياض بشمال الخرطوم في طريقه الى منزله بحي المنشية في الخرطوم، رسالة واضحة الى معتقليه بأنه سيستمر في مطالبته باطلاق الحريات العامة للسودانيين جميعا، وانه لم يكن ليرضى ان يكون الافراج عنه أول من امس (الاثنين) تم وفقا لشروط وقيود محددة، بل انه اشترط ان يكون بلا قيود او شروط.

وقال الدكتور الترابي في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»: انني ما زلت عند موقفي من قضايا الحرية والعدالة قبل اعتقالي في فبراير (شباط) 2001، فلذلك سأواصل الدعوة الى ان تنفتح الحريات للناس كافة. وأحمد الله كثيرا على خروجي من المعتقل، حيث ذقت طعم الحرية بعد غياب دام اكثر من عامين.

وأضاف الأمين العام للمؤتمر الشعبي: «انني سأضع النظام في اختبار حقيقي في ما يدعو اليه من اطلاق الحريات تمهيدا للسلام، وذلك بمواصلة جهادي في سبيل الحرية والعدالة لأنني اريد الحرية لكل الشعب السوداني، فان احتملوا كل ذلك سيكون هذا بمثابة تركيز لبنية الحرية في السودان وان لم يحتملوا فانني لا أبالي حتى ولو رددت الى الاعتقال مرة اخرى، فان من سنن الله في الكون ان الامور العظام لا تتحقق الا بالابتلاءات. ويعلم الجميع انني ابتليت كثيرا وصبرت طويلا من اجل الفكر والحرية».

اما عن تدفق المهنئين الى منزله منذ الافراج عنه، فقال: «أحمد الله تعالى على كل شيء فقد زارتني جموع من الشعب السوداني على اختلاف مشاربهم السياسية وتباين رؤاهم الفكرية، ولكنهم اجتمعوا على المطالبة بالحرية والدعوة اليها. كما ان هذه المناسبة فتحت لي ابواب الصحافة والاعلام المحلية والاقليمية والعالمية، عربية وانجليزية وفرنسية، حيث اكدت لوسائل الاعلام المختلفة انني اريد الحرية للشعب السوداني كافة، لأنها الخيار الأمثل لبناء سودان ينعم بالسلام والاستقرار والطمأنينة العامة».

وقال ان الافراج عنه جاء نتيجة لضغوط مورست على الحكومة السودانية «من قبل الاخوة الجنوبيين الذين طالبوا الحكومة برفع حالة الطوارئ واطلاق الحريات والافراج عن المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم الترابي. كما اشار الجنوبيون لمفاوضهم في الحكومة الى ضرورة بناء الثقة لأن ضمان العهود والاتفاقات لا يتم الا بالثقة، وانهم يصعب عليهم الحديث عن الثقة وهم يرون ان هذا النظام اعتقل من أتى به الى السلطة»، مؤكدا ان الافراج عنه يجيء كجزء من بناء الثقة بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة العقيد جون قرنق. وكذلك كانت هناك ضغوط من الشعب السوداني الذي يطالب بالحريات وباطلاق سراح المعتقلين السياسيين وضغوط اخرى من دول عربية وغربية.

وأضاف: «اننا بلا شك سندعم مساعي السلام لأن مجموعة المؤتمر الشعبي هي اكثر المجموعات السياسية في السودان تفاوضا مع الحركة الشعبية عندما كنا في السلطة. وكذلك عندما خرجنا من السلطة وقعنا معهم مذكرة تفاهم ايمانا منا بأن قضية الجنوب قضية سياسية لا يمكن معالجتها بالحلول العسكرية، فلذلك سنواصل جهودنا واتصالاتنا مع الحركة في سبيل الوصول الى رؤى مشتركة لاحلال السلام في جنوب السودان. ولقد شكلت قيادة المؤتمر الشعبي قبل الافراج عني وفدا لهذا الخصوص وسيسافر هذا الوفد الى كينيا لأداء مهمته».

وقال عبد الله حسن أحمد نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي السوداني في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «ان وفد المؤتمر الشعبي لمفاوضات السلام في كينيا سيكون من ضمن مهامه اجراء اتصالات مع الخبراء الأميركيين والبريطانيين وغيرهم الذين يشاركون في حضور تلك المفاوضات وذلك من اجل خلق قنوات اتصال مستمرة. كما سنعمل على ايصال افكارنا لهم ورؤيتنا حول القضايا المطروحة».

وأضاف ان سيلا من الوفود حضر الى منزل الدكتور الترابي للتهنئة، ومن بين هذه الوفود وزراء ومسؤولون من الحكومة وحزب المؤتمر الوطني منهم علي محمد عثمان ياسين وزير العدل والنائب العام والدكتور غازي صلاح الدين العتباني مستشار الرئيس السوداني لشؤون السلام والدكتور عبدالحليم المتعافي والي ولاية الخرطوم والمهندس ابراهيم حامد محمود وزير الشؤون الانسانية والشفيع أحمد محمد أمين الشؤون السياسية في المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) وأحمد عبد الرحمن الأمين العام لمجلس الصداقة الشعبية العالمية. ومن حزب الأمة عمر نور الدائم نائب رئيس الحزب والدكتور عبد النبي أحمد الأمين العام للحزب. ومن الاتحاديين سيد أحمد الحسين نائب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي ومن حركة «حق» الحاج وراق ومجموعة ملتقى السلام برئاسة الدكتور عصام الدين صديق.

وقال الدكتور علي الحاج محمد نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي السوداني في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «نأمل ان يكون اطلاق سراح الدكتور الترابي، اطلاقا لسراح كل الحريات الحزبية والنقابية والصحافية والاعلامية. نحن نريد حريات بلا حدود، ولكنها في الوقت نفسه تكون حريات منظمة. وسنسعى في هذا الاطار على ميثاقين: الميثاق الأول ان نجعل من الحريات واقعا ملموسا، وذلك بالممارسة السياسية في دورنا وصحفنا في كل انحاء السودان، وفي اتصالاتنا بالقوى السياسية داخليا وخارجيا. والميثاق الآخر ان نسعى مع كل القوى السياسية الوطنية لرفع حالة الطوارئ والغاء كافة القوانين المقيدة للحريات.

وأضاف الدكتور محمد انه على مستوى القضايا الوطنية، فان قضية السلام كانت وما زالت وستكون ان شاء الله هي القضية المحورية التي نعطيها جزءا كبيرا من الوقت، خاصة ان توقيع مذكرة التفاهم قبل عامين ونصف العام هو الذي أدى الى كل الاجراءات القمعية والتي أخرت وعطلت مسيرة السلام. كما عطلت الاتصالات المباشرة والمتصلة بيننا وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان في الداخل والخارج، مع الاعتبار ان اتصالاتنا بالحركة في الخارج لم تنقطع، ولكنها يجب ان تتكثف الآن حتى نتمكن من احراز السلام كما ينبغي. اما القضايا الوطنية الاخرى كقضية الحريات كلها فهي قضية لا تتجزأ ولا تتقسم، ولذلك لا بد من ممارستها، فالحرية هي الضمان الاساسي للسلام. ولذلك في هذا الاطار ستكون اتصالاتنا بالقوى السياسية لتأكيد هذه المعاني وممارستها، والأكيد ان مصداقية الحكومة ستكون في المختبر الحقيقي فإما ان تترك المجال واسعا للحريات والاتصالات، واما ان تحاول احتكار الحرية وهذه بدون شك ستؤدي الى نتائج سالبة بالنسبة للحكومة وعلى كل فالمقولة التقليدية ان الحرية لا تمنح ولا تعطى ولكنها تنتزع وتمارس فنحن نفعل ذلك الآن.

وأشار الى «ان الافراج عن الدكتور الترابي جاء في شهر أكتوبر (تشرين الأول) فسبحان الله ان الشيخ الترابي نجمه بزغ في أكتوبر عام 1964 عندما قال كلمته الشهيرة «ان قضية الجنوب هي قضية سياسية ولا بد لها من حل سياسي والحلول العسكرية ستعقد المشكلة». سبحان الله اليوم (امس) ذكرى مرور 39 عاما لندوة جامعة الخرطوم الشهيرة التي سبقت ثورة أكتوبر 1964 بأسبوع، هذه ليست صدفة ولكنها قدر من أقدار الله، فعسى ان تكون هنالك عظة وعبرة لنا وللآخرين».

وأوضح الدكتور محمد ان قضية السلام بالنسبة للمؤتمر الشعبي قضية اساسية لا نتعامل معها تعاملا تكتيكيا او وقتيا او انتقاليا، انما هو تعامل دؤوب وسنواصل في هذا الاطار لا مع الحركة الشعبية لتحرير السودان فحسب، بل مع القوى السياسية السودانية كافة. وبالطبع ان العظة والعبرة في حل قضية الجنوب تجعلنا نلتفت الى قضايا المناطق الاخرى من قبل ان تتفاقم. واعتقد ان هذه سانحة طيبة لحل المشاكل كافة حتى لا تتكرر القضية نفسها والمأساة نفسها، فعلينا ان نأخذ العظة والعبرة وان نطرح أطروحات للحلول الشاملة لقضايا السودان وقضايا قسمة السلطة والثروة، فضلا عن قضايا الحريات وهذه كلها ستكون اضافة للسودان وليست بالخصم من أحد.

يذكر انه من المتوقع ان يكون الدكتور الترابي قد خاطب جماهير المؤتمر الشعبي في لقاء جماهيري في الميدان الشرقي بجامعة الخرطوم مساء امس. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مقربة من الدكتور الترابي صباح امس أي قبل هذا اللقاء انه سيجدد فيه طرح خطط المؤتمر الشعبي الداعية لفتح الحريات والشورى، وانه سيكون بمثابة اختبار لتحمل الحكومة لمزاولة الحزب لنشاطه السياسي بعد الافراج عن زعيمه أول من امس.