موقعو «اتفاق سويسرا» يبدأون حملة عالمية لتسويقه

تفاصيل مسلسل أحداث الأيام الأربعة الأخيرة من المفاوضات في فندق موبنفيك الأردني

TT

بدأ موقعو «اتفاق سويسرا» حول قضايا الحل النهائي (القدس واللاجئون والمستوطنات والحدود) من الفلسطينيين والاسرائيليين حملة عالمية منظمة للترويج لاتفاقهم الذي وقع يوم الاحد الماضي بالاحرف الاولى في الاردن، وتسويقه فلسطينيا واسرائيليا وعربيا وعالميا.

ويسعى المفاوضون الذين بدأوا حملتهم في القاهرة حيث التقوا بمستشار الرئيس المصري اسامة الباز ووزير الخارجية احمد ماهر، للحصول على دعم دول العالم لا سيما الولايات المتحدة واوروبا لاعطائه زخما عالميا يجعل منه ورقة ضغط على السلطة الفلسطينية التي رحبت بالمبادرة وباركتها على لسان رئيسها ياسر عرفات، والحكومة الاسرائيلية التي استقبلت اعلان التوقيع على الاتفاق بالاحرف الاولى، بتخوين المفاوضين الاسرائيليين. وحتى رئيس الوزراء العمالي السابق ايهود باراك، شارك في الهجوم على المفاوضين الاسرائيليين ومن بينهم شخصيات عسكرية سابقة امثال عميرام متسناع القائد العسكري للضفة الغربية ورئيس حزب العمل السابق وامنون شاحاك رئيس الاركان الاسبق، وسياسية كيوسي بيلين واكاديمية كعاموس عوز. واعتبر باراك الذي زعم بانه عرض على الفلسطينيين 96% من الضفة الغربية في مفاوضات كامب ديفيد، موقف المفاوضين لا اخلاقي ولا قانوني.

ويخطط القائمون على «اتفاق سويسرا» للتوقيع عليه رسميا في حفل دولي حاشد في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) ليتصادف كما قال الموقع الالكتروني لـ«يديعوت احرونوت» باللغة العربية، مع الذكرى الثامنة لاغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين اثناء القاء كلمة في تظاهرة تأييد لعملية السلام على يد متدين متطرف معاد لاتفاقات اوسلو.

وتتضارب الانباء بشأن المكان الذي سيقام فيه الحفل فبينما قال فلسطينيون انه سيقام في الاردن ذكرت «يديعوت احرونوت» انه سيقام في جنيف بسويسرا التي شهدت انطلاقة المفاوضات قبل حوالي العام واعترفت باحتضانها وتقديم المساعدات اللوجستية لها، بحضور ممثلين عن كل الاطراف التي ساعدت في رعايتها خلال هذه الفترة مثل اليابان.

وسيدعى الى الحفل كما افادت «يديعوت احرونوت» الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون الذي تعتبر خطته للسلام، احدى الركيزتين اللتين اعتمدهما المفاوضون اساسا لهذه المفاوضات. اما الركيزة الثانية فهي وثيقة «ابو مازن ـ بيلين» لعام 1995.

واكدت مصادر فلسطينية لـ «الشرق الاوسط» ان محمود عباس (ابو مازن) رئيس الوزراء السابق سيدعى الى الحفل باعتباره احد مهندسي اوسلو وموقعها في البيت الابيض الاميركي في 13 سبتمبر (ايلول) 1993. ويطمح المفاوضون ان يشارك في الحفل ايضا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير.

وبدأت المفاوضات قبل حوالي العام في سويسرا وتنقلت بين عدة عواصم من بينها طوكيو ولندن الى ان انتهى بها المطاف في فندق موبنفيك على الجانب الاردني من البحر الميت، حيث وضعت على مدى اربعة ايام اللمسات الاخيرة على الاتفاق والتوقيع عليه بالاحرف الاولى يوم الاحد الماضي.

وفي ما يلي تفاصيل مسلسل احداث الايام الاربعة الاخيرة اعتماداً على رؤوس أقلام دونت داخل الغرف المغلقة حسب «يديعوت احرونوت»:

الخميس 9 أكتوبر حوالي الساعة الثامنة مساءً وصل الإسرائيليون إلى الفندق وكان في انتظارهم بعض المفاوضين الفلسطينيين من بينهم ياسر عبد ربه ونبيل قسيس وهشام عبد الرازق وعبد القادر الحسيني نجل الراحل فيصل الحسيني. وتألف الفريق الإسرائيلي من مجموعة كبيرة من العسكريين السابقين والسياسيين والاكاديميين نذكر منهم رئيس حزب العمل السابق عميرام متسناع والدبلوماسي المخضرم ديفيد كيمحي ويوسي بيلين ورئيس الكنيست السابق أفراهام بورغ، وعضو الكنيست حاييم أورون والعميد غيورا واللواء احتياط شلومو برومعنبر والبروفيسور أرييه أرنون، والبروفيسور مناحيم كلاين، والأديب عاموس عوز، ورجل الأعمال آفي شكيد.

وعقد المشاركون اجتماعـا تعارفيا خيّم فيه التفاؤل. وقال عبد ربه وكان الحديث باللغة الانجليزية إن ما نشر عن الاتفاق حظي بتشجيع كبير من الشارع الفلسطيني بينما أعرب الاسرائيليون بداية، عن تخوفهم من أبعاد النشر، لكنهم تشجعوا كثيرا من ردود الفعل الفلسطينية. وانتهت أمسية التعارف قبل منتصف الليل وتفرقت الطواقم إلى الغرف، بينما واصل عبد ربه ومتسناع وبيلين حديثهم الدافئ حتى ساعة متأخرة من الليل.

الجمعة 10 أكتوبر بدأت المحادثات حوالي الساعة التاسعة صباحا في الطابق الأرضي من الفندق الذي خصص للمفاوضات التي جرت بعيدا عن اعين الفضوليين وتوصل الطرفان إلى كثير من التفاهمات قبل عقد اللقاءات، ولم يتبق إلا الشيء القليل، حسب وصف أحد المشاركين. وفي تمام الساعة 12 جرى تقسيم المشاركين إلى طاقمين، تولى الأول الذي ضم متسناع وبونداك وأريئيلي وسميح قراقرة نائب نبيل قسيس وياسر عبد ربه الذي حل محله لاحقا محمد الحوراني وخبير خرائط فلسطيني يدعى بشار جمعة، مسؤولية الخرائط وترسيم الحدود.

والثاني طاقم الصياغة الذي قاده يوسي بيلين وعبد ربه، وشارك فيه حاييم أورون وعاموس عوز. وبدأت الطواقم بالعمل حتى الغداء. وظهرت نقاط خلاف منذ البداية، غير أن الحاضرين شعروا بأنه يمكن التغلب عليها. وارتبطت إحدى نقاط الخلاف المعقدة بالتجمعات السكنية في منطقة القدس، وفي مقدمتها غفعات زئيف وبيت صفافا وجبل أبو غنيم. وطلب الفلسطينيون إخلاء هذه التجمعات سوية مع بقية المستوطنات، الأمر الذي رفضه الإسرائيليون. وتبادلت نحاما رونين، قبيل العشاء، الحديث مع حوراني في الممر وقالت له «لن يوافق الإسرائيليون على التنازل عن غفعات زئيف، وهز حوراني رأسه موافقا».

وفي الساعة السابعة مساء، التقى متسناع وبيلين بقسيس وعبد ربه ولخصوا التقدم الذي حصل حتى تلك اللحظة، واتفقوا على توزيع المشاركين إلى مجموعات صغيرة بعد العشاء. وأصبح متسناع، عمليا، رئيسا لطاقم الخرائط، بينما ترأس يوسي بيلين طاقم الصياغة. وبقي موضوع التجمعات السكنية في منطقة القدس مفتوحا، وقرر الطاقم الإسرائيلي عدم التنازل في هذه المسألة وكان الحسم الإسرائيلي استراتيجيا للحفاظ على غفعات زئيف كجزء من حزام التوطين حول مدينة القدس.

وفي الساعة العاشرة والنصف اجتمع الإسرائيليون والفلسطينيون ثانية لبحث المعضلات المحيطة بمدينة القدس. وقال أحد المشاركين الفلسطينيين إن هذه التجمعات تخنق كل توسع طبيعي لرام الله ولمدينة القدس أيضـًا انها عالقة في الوسط.

وتواصل النقاش حتى الساعة الثانية والنصف فجرا دون التوصل لحل، وارتفعت الاصوات بين المتفاوضين ووصلت حد تبادل الصراخ بين بورغ وعبد ربه الذي طلب تقديم تنازلات أخرى. وقال بورغ «ليس بإمكاني التنازل أكثر مما فعلت لقد ضحيت بالماضي لصالح المستقبل». وعندما سمع أن الفلسطينيين يريدون فتح موضوع حق العودة مجددا قال «لن أقبل اتفاقـًا يتضمن حق العودة».

وتفرقت الطواقم من دون التوصل إلى اتفاق. وقال أحد المشاركين إن الشعور الذي ساد خلال اللقاء هو أن المتحاورين جربوا كل الطرق القديمة.

السبت 11 أكتوبر هرع الدبلوماسي المخضرم، الموظف السابق في وزارة الخارجية، كيمحي، في صباح هذا اليوم الذي ساد فيه شعور صعب، إلى تشجيع المتفاوضين على التقدم. وقال كيمحي للمشاركين «حقق الجانبان تقدما كبيرا، ووصلنا إلى المرحلة النهائية، ما زالت هناك بعض المشاكل يجب التوصل إلى حل بشأنها لقد قدم كل طرف تنازلات معينة، تنازلات مؤلمة وحساسة من منطلق إدراك أهمية التوصل إلى حل إننا نجتاز المائة متر الأخيرة وهي الأكثر صعوبة في كل مفاوضات».

وتنازل الفلسطينيون عن طرح موضوع حق العودة مجددا، لكن رغم شعور الجانب الإسرائيلي بالارتياح إلا أن الأطراف واصلت تمسكها بمواقفها في مجالات أخرى، مثل مصير غفعات زئيف. وعلت الأصوات ثانية ووصف أحد المشاركين الأجواء بأنها غاضبة، وبدأ الحديث عن تفجير محتمل للمحادثات إلا أن السويسريين تدخلوا في ساعات الظهر، بانضمام سفيرهم في إسرائيل وشخصين آخرين واكبا المحادثات منذ سنة، واقترحوا «تليين» الصياغة وفي مرحلة معينة، بدأ السويسريون يتنقلون بين غرفتي المفاوضين. واتت الضغوط اكلها بوصول وزير الخارجية الأردني، مروان المعشر (السفيرالسابق في اسرائيل) في حوالي الساعة 2.30 للفندق، وقال «أنا أومن بمقدرتكم على التوصل إلى اتفاق، إنه اتفاق يهم جميع الدول العربية، وأطلب منكم ألا تتوقفوا الآن». وأجابه بيلين «آمل أن نمتلك الشجاعة المطلوبة للتغلب على الفجوات الموجودة بعد أن قطعنا شوطا طويلاً واتفقنا على الأمور الجوهرية». وأعرب حوراني عن موافقته، قائلا «قد يكون هذا الاتفاق بمثابة نقطة تحول». وغادر المعشر الفندق ليسود الشعور بإنقاذ المحادثات لكن التقدم ما زال صعباً، خاصة في طاقم الخرائط. وفي الساعة الثامنة، تناول المشاركون العشاء، ويدور حديث بين الإسرائيليين حول احتمال عودتهم إلى إسرائيل دون التوصل إلى اتفاق.

بعد العشاء، عقد طاقم الخرائط جلسة مناقشات ماراثونية، بينما جلس الآخرون في دهليز الفندق وتبادلوا أطراف الحديث الروتيني. وبدا حوراني عضو المجلس التشريعي متفائلا وقال «لا تقلقوا، في النهاية سنوقع».

وعند منتصف الليل، بدا أن المفاوضات تقترب من نهايتها، إذا تنازل الفلسطينيون في قضية غفعات زئيف وتنازل الإسرائيليون عن بيت صفافا وجبل أبو غنيم، وبقيت نقاط خلافية أخيرة، غير أن الخوف من لحظة التوقيع دفع الأطراف إلى تأجيل النهاية وأخيرا قدم الجانب الإسرائيلي، خلال الليل، اقتراحا نهائيا حول الخرائط، بينما ذهب الوفد الفلسطيني لإجراء محادثات داخلية، وفي تمام الساعة الثالثة والنصف قبل طلوع الفجر أعلن الفلسطينيون «لا نقبل الاقتراح». وانتهى الاجتماع في الساعة الرابعة والنصف فجرا دون التوصل إلى اتفاق وبشعور صعب.

الأحد 12 أكتوبر اجتمع طاقم الخرائط في التاسعة صباحا لآخر مرة، وسط أجواء من التشاؤم. أحد الحاضرين وصف ذلك بقوله «ساد شعور بأن الأمر لن ينتهي». وأوضح الإسرائيليون للفلسطينيين، في النهاية، أنهم لا يعتزمون المماطلة لمزيد من الوقت وأنهم سيعودون إلى إسرائيل في الظهيرة. ونجح تكتيك الحقائب القديم، وتم، خلال ساعتين، تلخيص جميع النقاط المتبقية. وعكف أريئيل وجمعة على رسم الخرائط النهائية كما اتفق وتم التوصل إلى اتفاق وهدأ كل شيء في آن واحد وظهرت الابتسامات على وجوه الجميع، وتناولوا القهوة، ثم استعدوا لحفل التوقيع في ساعات الظهر وكانت تلك بمثابة لحظة تاريخية، حسب وصف أحد الحضور.

وجلس متسناع وبيلين وعبد ربه وحوراني وقسيس وعبد الرازق ورونين وأورون وبورغ وعاموس عوز حول الطاولة، وطلب جميعهم إلقاء كلمات. وقال حوراني للحاضرين «اليوم يختلف عن أمس. ما حدث حتى اليوم لن يكون شبيها بما سيحدث بعد اليوم».

وقال بورغ «في هذه اللحظة، أشعر بفخر كبير لأنني أعرف يوسي بيلين منذ اليوم، أدين له بمستقبل دولتي وشعبي إني أقدر استعداده للوقوف دائما أمام الذين لا يؤمنون».

وحاول الأديب عاموس عوز، تهدئة الحاضرين وحذر «المعركة ستبدأ عمليا اليوم». وقالت نحاما رونين التي أشاد الجميع بحضورها كممثلة وحيدة عن حزب الليكود «لقد انجز أمر عظيم هنا، ورغم أنني قد أدفع الثمن بمستقبلي السياسي، غير أنني راضية عن نفسي إنني أومن بأن هذا الأمر هو الصحيح. إن مؤيدي الليكود، أيضا، يريدون السلام ويعرفون أنهم سيضطرون لدفع الثمن مقابل هذا السلام.

وقال عبد ربه «هذه لحظة مهمة لنا جميعا».

وقال متسناع «ادعو الجميع إلى النهوض في الصباح وتجنيد ما تحلينا به من شجاعة قادتنا إلى هنا، لاستثمارها في دفع الاتفاق قدما».

وفي الختام التقطت صور تذكارية جماعية للمشاركين وأصبحت اتفاقية سويسرا، أو وثيقة جنيف، حقيقة لكنها لا تزال، حاليا، على الورق فقط ويأمل على الاقل الموقعون الا يكون مصيرها مصير العشرات من الاتفاقات واخرها «خريطة الطريق».