فرنسا تتجه للامتناع عن التصويت على مشروع القرار الأميركي للتعبير عن تحفظها

TT

تبدو باريس اكثر من متحفظة ازاء مشروع القرار الاميركي حول العراق في صياغته الاخيرة. فقد اكدت مصادر فرنسية رسمية واسعة الاطلاع ان المشروع الاميركي وان «اقتبس في بعض فقراته لغة جديدة بالحديث عن الشرعية والسيادة العراقيتين، الا انه في واقع الامر يبقي السلطة في ايدي القوات المحتلة التي تحتفظ بالسيطرة المطلقة على الوضع». واضافت هذه المصادر ان المشروع الجديد «لا يفضي الى اعادة السيادة الى العراقيين انفسهم، في القريب العاجل». وتساءلت هذه المصادر امس: «هل مشروع القرار الجديد مفيد للعراق» لجهة توفير الشروط لاعادة الامن والاستقرار والمباشرة في عملية اعادة بناء العراق؟. واضافت هذه المصادر: «هل القرار الجديد يسمح بتحقيق تقدم حقيقي على طريق معالجة صحيحة للملفات العراقية الشائكة؟». وتوحي المصادر الفرنسية بان المشروع الاميركي «لا يذهب بعيداً» في الاستجابة للشروط والمطالب الفرنسية، مما يعني ان فرنسا التي اعلنت اكثر من مرة وعلى لسان اعلى مسؤوليها انها لن تعارض المشروع الاميركي ولن تلجأ الى استخدام حق النقض (الفيتو) ضده، ستعمد الى الامتناع عن التصويت الا اذا حصلت «مفاجأة» اميركية. لكن الاوساط الفرنسية المطلعة تستبعد هكذا مفاجآت.

وتشدد فرنسا على ضرورة «التشاور» مع شركائها في مجلس الامن وخصوصا روسيا والصين، العضوين الدائمين وكذلك المانيا، من غير ان يعني ذلك ان باريس تسعى لاقامة «جبهة» معادية للمشروع الاميركي، على غرار «جبهة الرفض» التي نجحت في تكوينها لمناهضة توجه واشنطن الى الحرب من غير الحصول على ضوء اخضر من مجلس الامن الدولي. وقالت المصادر الفرنسية، امس، ان السؤال «الجوهري» بالنسبة لباريس هو التالي: «هل القرار الجديد يعيد السيادة الى العراقيين وينص على برنامج زمني واضح ومحدد لهذا الغرض»؟

وتجيب المصادر الفرنسية على ذلك بقولها: «النص الجديد يبقي السلطة والسيادة بيد التحالف ولا يأتي بعنصر اضافي من شأنه افادة العراق واعطاء دفعة كافية من اجل تثبيت الوضع وتوفير الاستقرار». وتذهب المصادر الفرنسية ابعد من ذلك بالاعلان عن مخاوف اكثر خطورة لمستقبل الوضع العراقي.

وتعتبر باريس ان القرار الجديد، وان اقر في مجلس الامن فانه «لن يغير شيئاً في الوضع الميداني» لجهة استمرار العمليات العسكرية ضد قوات التحالف او العمليات التخريبية التي تستهدف البنى التحتية العراقية وخصوصا انابيب النفط العراقي.

وتتخوف المصادر الفرنسية من ان يدفع فشل القوات الاميركية والمتحالفة معها في توفير الامن ووضع حد للهجمات المعادية التي توقع مزيداً من الخسائر في صفوف القوات الاميركية، واشنطن الى سحب قواتها من العراق من غير تنسيق مع الامم المتحدة، واذا تحقق هذا السيناريو فانه يوجد فراغاً كبيراً ويفتح الباب على المجهول ويهدد بزعزعة استقرار المنطقة كلها ويفضي الى حرب اهلية عراقية والى تدخل دول الجوار في الشأن العراقي.

وكانت الخارجية الفرنسية، على لسان الناطق باسمها، قد اعلنت ان فرنسا بصدد دراسة النص الاميركي الجديد لمعرفة ما اذا كان سيخلق الظروف لتحسين الوضع في العراق «ولالتزام دولي قوي» في هذا البلد.

واول من امس، اعلن وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان ان النص الاميركي الجديد «يتضمن تقدما قياساً الى النصين السابقين». وشدد دو فيلبان على ضرورة ان يوفر مشروع القرار الاميركي «اجماعاً دولياً للتعاطي مع الوضع العراقي».

ولا يشير مشروع القرار الاميركي الى تشكيل حكومة عراقية جديدة، سريعاً، وهو مطلب فرنسي رئيسي. كما لا يشير الى نقل مبكر للسيادة او لنقل تدريجي للصلاحيات الموجودة حاليا بيد الحاكم الاميركي بول بريمر.

وتريد فرنسا «دوراً مركزياً» للامم المتحدة في المرحلة الانتقالية بحيث تحل محل قوات التحالف وتلعب الدور الاول في المرحلة الانتقالية، دستورياً وسياسياً. الا ان كل ذلك مغيب من المشروع الاميركي، مما يجعل التصويت الفرنسي لصالحه مستبعداً.