الانتخابات البلدية تسيطر على أحاديث السعوديين.. وآراء المهتمين تعكس حرصا على الاعتماد على الكفاءة والبعد عن المحسوبية

TT

«الانتخاب»، مفردة باتت الشغل الشاغل للسعوديون منذ ان اعلنت الحكومة السعودية، ظهر أول من امس عزمها اجراء الانتخابات البلدية. وبات واضحا اهتمام الكثيرين بمعرفة أبعاد مفهوم توسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات التي تنظم حياتهم. وعلق على ذلك حسين آل زلفة محافظ «بيشة» بقوله ان مجتمع بلاده «لم يكن غريبا عن مفهوم مشاركة المواطنين في صياغة القرارات العامة، خذ عندك تجربة المجالس المحلية للمناطق السعودية كل أعضائها من المواطنين». وقال «أما قاعدة الانتخابات فلدينا ايضا جزء من هذه الصورة يتمثل في انتخابات في بعض المهن، والغرف التجارية، وغيرها من التجارب». ويرى ان قرار مجلس الوزراء السعودي ببدء المشاركة والانتخاب على مستوى المجالس البلدية «مرحب به على كافة الاصعدة. فقط لا ننسى ان القرار هو إحياء لواقع عشناه في السابق عندما كانت هناك انتخابات للمجالس البلدية منذ تأسيس المملكة».

بدوره، اعتبر المهندس سليمان البطحي الخبير في قطاع الشؤون البلدية والقروية ان قرار امس «خطوة في الاتجاه الصحيح على مسيرة الاصلاح». وقال ان «المطلوب الآن ادراك كل المعنيين بهذا القرار ممن يعتقدون في أنفسهم الكفاءة للترشيح لمقعد المجلس البلدي، ان الهدف من هذا الاتجاه التنظيمي هو توسيع نطاق المشاركة الحقيقية لخدمة مصالح المواطنين». ويرى انه نتيجة لذلك «يجب علينا طرد كل المفاهيم والصلات بدائرة المصالح الفردية او غيرها من المصالح الخارجة عن صلب الخدمة العامة للمواطنين». واضاف قائلا «خشيتي ان تطفو على السطح مظاهر المحسوبية واغراء الصوت الانتخابي لهذا المستفيد او ذاك مثلما حدث في انتخابات بلدية او نيابية في دول الجوار». وتحسبا لذلك يطالب البطحي بـ«تفعيل دور الرقابة على تلك الانتخابات». كما يرى البطحي ان «يضاعف عدد أعضاء المجلس البلدي بدلا من 14 عضوا على ان تعين الحكومة ثلث أعضائه، وثلث بالانتخاب والثلث الباقي يتم انتخابه من الثلثين». ويعتقد ان ذلك «سيكفل للمجلس صلابة اكثر لمواجهة احتمالات التشكيك في أحقية وكفاءة الاعضاء». ودلل على هذا الرأي بالقول «لدينا تجربة مجالس الغرف التجارية المنتخبة وما يدور حولها من حديث عريض حول كفاءة بعض الأعضاء، وغيرها من الاتهامات».

وحول ابرز المهام التي ستواجه المجلس البلدي، شدد المهندس سليمان على انه ومن خلال ملاصقته للعمل البلدي لمدة تزيد عن 18 عاما متواصلة فانه يرى «مشكلة أداء البلديات يقع في خانة تحديد الاوليات، فنرى ان اهتمام احدى البلديات منصبا على تنفيذ مشاريع ثانوية مقابل احتياجات بلدية أساسية في أحياء المدينة الأخرى داخل المدينة نفسها».

وقال خبير سعودي في حقوق الانسان والقانون الدستوري ان آلية انتخاب أعضاء المجالس البلدية التي أقرها مجلس الوزراء الحالي تعتبر بعثا لممارسة قديمة في الادارة المحلية خصوصا في المدن الرئيسية في المنطقة الغربية. بل حتى في مدينة الرياض التي تمت فيها انتخابات بلدية لمرة واحدة لكنها تعثرت ولم تعتمد نتائجها في حينه.

ويتابع الخبير الدستوري مقوّما القرار الاخير «هو قرار ايجابي بلا شك وخطوة مهمة الى الامام. ولكن حتى نضمن نجاح هذه الخطوة الأولى يجب توفير ضمانتين. الأولى هي إيجاد تمويل ذاتي مستقل للمجالس البلدية كما يحصل في المجلس البلدي في مدينة نيويورك على سبيل المثال. حيث يفرض أعضاء المجلس هناك ضرائبهم الخاصة. وأما الضمانة الثانية فهي منح الصلاحيات الكافية للتأكد من ان فعالية المجلس البلدي لن يعطلها فيتو ما».

أما الدكتورة هتون الفاسي الكاتبة والمؤرخة السعودية فمع اتفاقها في تثمين هذه الخطوة واعتبارها ايجابية نحو الاصلاح الاداري والسياسي. الا انها اكدت ان ما تم هو عودة لما كان قبل 40 سنة.

وقالت «من المهم أن يغدو المواطن والمواطنة في كل مدينة وقرية أصحاب مشاركة في القرارات التي تتعلق بمدينتهم وقريتهم». ولفتت إلى ضرورة إعداد المواطنين في هذه المرحلة التحضيرية التي ستستغرق سنة كاملة لحين البدء بتنفيذ القرار. في هذه الفترة ـ تقول الفاسي ـ «من الضروري أن نعمل على اعداد المواطنين والمواطنات على ادراك اهمية هذه الخطوة ومعناها واهمية مشاركتهم في هذه الانتخابات ترشيحا وانتخابا».

وترى الدكتورة هتون ان من ضمن مفردات هذا البرنامج الاعدادي افهام المواطن ان البرنامج الانتخابي هو الذي يجب ان يكون أساس تميز المرشحين والمرشحات من قبل الجمهور.

وقالت «افترض حتما ان المشاركة في هذه الخطوة الاصلاحية تشمل النساء والرجال ولن تقتصر على نصف المجتمع فحسب» وتمنت الفاسي أن تكون هذه الخطوة بداية حقيقية لمنح المرأة مساحة ايجابية.

من جهته قال صدقة خاشقجي، رئيس المجلس البلدي لمدة 8 سنوات وعضوية اربعة سنوات اخرى، ان المجلس البلدي الذي كان قائما في الخمسينات والستينات، كان يمثل العصب الرئيسي لادارة الشؤون البلدية، حيث كان يتم اختيار العضو بواسطة الانتخاب من كل حي، وكان أعضاء الحي في المدينة المنورة وعددها نحو ثمانية او تسعة أحياء تساهم بشكل فعال في اختيار الاشخاص المرشحين. واضاف خاشقجي «لم يكن حينها لوحات او اعلانات ترويجية للمرشحين، ما يعني ان الفائز بمنصب العضوية يتم باختيار أهل الحي».

ويضيف صدقة خاشقجي، الذي تقاعد من منصب أمين المدينة المنورة، ان المهام التي كانت تناط بالمجلس البلدي هي «رسم السياسة العامة للحي والمنطقة وايضا تحديد الميزانية، وكان يتم اختيار نائب ومساعد للرئيس»، مشيرا الى المنافسة التي كانت تتم بين الأعضاء لانجاز المهام فيما بينهم. ويشترط في الفائز بالعضوية ان يكون مولودا في نفس الحي وسمعته طيبة بين الناس ومتعلما وغير أمي.