عدنان الباجه جي: شيء آخر يقلقني كثيراً غير الوضع الأمني

عضو مجلس الحكم العراقي: نتمتع بصلاحيات غير قليلة وسلطة التحالف التزمت أكثر من مرة بموقفنا المخالف لها

TT

شيئان يقلقان عضو مجلس الحكم العراقي الدكتور عدنان الباجه جي اكثر من غيرهما حيال بلاده. الاول آني يتعلق بالاوضاع الامنية، خصوصا في العاصمة بغداد، والثاني مستقبلي يتعلق بكبار مسؤولي الدولة الجديدة، فهو يخشى ان يسقط بعضهم في وهدة الفساد المالي والاداري منذ البداية. فالباجه جي يرى ان العراق سيتحول مع بدء عملية اعادة الاعمار الى ورشة عمل واسعة ونشيطة، حيث ستستثمر عشرات المليارات من الدولارات دفعة واحدة في مئات المشاريع الكبيرة وآلاف المشاريع المتوسطة والصغيرة.

ويمكن للباجه جي ان يتسامح مع «نسبة معقولة» من الفساد، باعتبار انه «لا يوجد بلد في العالم لا يوجد فيه فساد مالي واداري»، ولكن ما يقلقه كثيراً ان «يستشري الفساد» فيستنزف عملية اعادة الاعمار التي تمس اليها حاجة العراق حسبما قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه في بيته بالعاصمة البريطانية لندن.

وبخصوص الوضع الامني فان الدكتور الباجه جي يرى ان الاميركيين «حققوا نجاحاً باهراً في الحرب» واطاحة نظام الرئيس السابق صدام حسين لكنهم «حتى الان لم ينجحوا في توفير الامن وقصروا في توفير الخدمات الضرورية». وهو يعتقد ان الاميركيين الذين «وضعوا خطة عسكرية ناجحة» لم يتحسبوا لاوضاع ما بعد سقوط نظام صدام «ولم يستمعوا الينا. قلنا لهم مراراً وتكراراً ـ قبل الحرب ـ ان النظام سيسقط باسرع مما تتصورون وسينشأ فراغ امني وسياسي ولا بد من وضع خطة واضحة لحفظ الامن بعد انهيار النظام. لكننا لم نر غير جنود صغار لا دارية لهم بشؤون الامن، ولا يعرفون غير الحرب، واثاروا الكثير من الناس عليهم بسبب تصرفاتهم».

وتتعاون ثلاث جهات المسؤولية عن انتهاكات الامن والنظام، حسبما يؤكد الدكتور الباجه جي: «عصابات المجرمين الذين اطلق نظام صدام سراحهم قبل الحرب. هؤلاء وجدوا في انهيار الدولة وتردي الوضع الاقتصادي وتوفر السلع بكثرة فرصتهم الذهبية، وهم يقومون باعمالهم الاجرامية ضد العراقيين».

الجهة الثانية «فلول البعث وبعض الاصوليين المتطرفين واغلبهم قادمون من الخارج»، وهؤلاء يوجهون نشاطهم ليس فقط ضد قوات التحالف وانما ضد المؤسسات الاقتصادية والخدمية العامة، كمنشآت النفط والكهرباء والماء ومراكز الشرطة والبعثات الدبلوماسية الاجنبية والمنظمات الدولية والانسانية».

اما الجهة الثالثة «فتتشكل من افراد عراقيين متفرقين يقومون بعمليات ضد قوات التحالف بدافع الانتقام لمقتل اقارب لهم على ايدي هذه القوات».

ويرى الدكتور الباجه ان بالامكان معافاة الوضع الامني في العراق «بالاعتماد على العراقيين اكثر فأكثر في الادارة وحفظ الامن والنظام، وابتعاد قوات التحالف عن المدن، واظهار فهم اكبر لعادات السكان وتقاليدهم، والاهتمام بتحسين الوضع المعاشي وتوفير الخدمات الاساسية». ورداً على سؤال حول المعلومات الاميركية التي تتهم دولاً مجاورة للعراق بالتورط في الهجمات والعمليات التفجيرية يؤكد الدكتور الباجه جي ان التحقيقات مع المعتقلين «اظهرت ان منظمي هذه العمليات يتلقون اموالاً وتسهيلات، واحيانا اسلحة، من اطراف اقليمية».

وينتقد الباجه جي بعض القوى السياسية المشاركة في مجلس الحكم والتي يرى انها «ما تزال تفكر بعقلية المعارضة. لا بد ان ندكر جميعاً اننا الان وصلنا الى حكم بلد مدمر وشعب متعب يحتاجان الى ان يدارا بمسؤولية عالية». ويدافع الدكتور الباجه جي عن الصيغة التي تشكل بها مجلس الحكم مؤكداً انه «لم يكن بالامكان افضل مما كان» بل انه يعتبر ان صيغة المجلس والصلاحيات التي تمتع بها جاءت نتيجة لمثابرة القوى والشخصيات السياسية التي «ارغمت الاميركيين» على العدول عن فكرة «المجلس الاستشاري» التي طرحوها في البداية والقبول بمجلس حكم «لديه صلاحيات غير قليلة بما فيها صلاحيات تشكيل الحكومة والاشراف على اعمالها مباشرة». لكن الدكتور الباجه جي يرى الان حاجة الى توسيع المجلس «بشكل من الاشكال لايجاد نوع من التمثيل فيه للقوى والتيارات التي لم يستوعبها عند تشكيله». واكد انه سيبادر بعد عودته الى بغداد الى طرح مبادرة في هذا الخصوص لم يشأ الحديث عن تفاصيلها ولكنه قال انها «قد تقترح توسيع المجلس الى 100 عضو وتحويله الى ما يشبه مجلساً تأسيسياً مؤقتاً» يجري تعزيزه بـ«اكاديميين وممثلي عشائر وشخصيات اجتماعية».

ورداً على سؤال عن العلاقة بين مجلس الحكم وسلطة التحالف وما اذا كانت قد واجهت هذه العلاقة اية صعوبات حتى الان قال الدكتور الباجه جي «لم نواجه حتى الان اية مشاكل. والواقع اننا لمسنا تجاوباً مع مواقف لنا كانت متعارضة مع ما ارادته هذه السلطة في البداية، فتراجعت والتزمت موقفنا. ومن هذا على سبيل المثال قضية الهاتف النقال، فنزلت عند رغبتنا. وهناك موضوع آخر هو خصخصة الشركات الحكومية. السلطة اقترحت ان تباع هذه الشركات الان لخفض العجز في الميزانية لكن مجلس الحكم رفض ذلك مشدداً على قضايا مهمة من هذا النوع ليست من صلاحياتنا كهيئة انتقالية مؤقتة وانما هي من صلاحيات حكومة منتخبة. وبالفعل تراجعت السلطة عن الموضوع برمته واخذت برأينا».

ويعكس الدكتور الباجه جي انطباعات ايجابية للغاية عن العمل داخل مجلس الحكم بين اطرافه المختلفة، فتجربة المجلس فريدة في نوعها في تاريخ العراق، اذ انه جمع لاول مرة في هيئة حكم واحدة ممثلي مختلف التيارات السياسية والاجتماعية في البلاد والتي لم يسبق لبعضها ان عمل مع البعض الاخر او اجتمع به. ويقول الباجه جي، في هذا الصدد «الجميع يعمل بتعاون وثيق واحترام متبادل.. في بعض الاحيان نختلف في الرأي على واحدة أو اكثر من القضايا المطروحة فيجري بيننا نقاش وتبادل للرأي يعكس درجة عالية من الاحترام المتبادل والرغبة في الخروج بموقف مشترك. واكثر ما اشعر بالرضا منه هو انني لم ألمس حتى الان ان الاختلاف في الرأي أو طرح القضايا كان دافعه طائفياً أو قومياً، فالقضية الوطنية هي المقدمة على سائر القضايا، وهذا يجعلني مطمئناً الى ان التحليلات والتوقعات التي تنطلق خارج العراق عن حرب اهلية، طائفي أو اثنية، في العراق لن تحدث ابداً، فصراع الاراء والافكار واختلاف وجهات النظر بيننا قائم على اساس سياسي وطابعه سياسي، ولهذا سريعاً ما نتوصل الى تفاهم مشترك والى حل يتوافق عليه الجميع أو الاكثرية وتلتزم به الاقلية».

ويعتبر الدكتور الباجه جي ان المجلس حقق نجاحات سريعة على الصعيد الخارجي منذ بداية عمله «واكتسب اعترافاً عربياً ودولياً»، واشار في هذا الصدد الى الجولات التي قامت بها وفود المجلس الى عدد من الدول العربية والاوروبية والى الامم المتحدة، وكشف عن ان الوفد الذي شارك فيه هو وزار خمساً من دول مجلس التعاون الخليجي الست، بالاضافة الى مصر والاردن، تلقى اثناء جولته في دول الخليج دعوتين لزيارة قطر واليمن، واوضح ان عملية تفجير مقر الامم المتحدة في بغداد وعملية اغتيال آية الله محمد باقر الحكيم في النجف حالتا دون تلبية الدعوتين في وقتهما.