مسؤولون أمنيون: تفجير غزة خروج عن قواعد الانتفاضة وطريقته المحكمة تؤكد قدرة منفذيه على تكراره

TT

من السهل في الاراضي الفلسطينية رصد الاميركيين، وهم يقودون سيارات «سابوربان» التي تحمل الرقم «15» وتوضح لوحاتها انها تابعة لهيئة دبلوماسية. ويقول مسؤول اميركي عمل في اسرائيل سابقا «ان الكل يمكن ان يتعرف بسهولة على الاميركيين».

واكد مسؤول فلسطيني ان السلطات الفلسطينية كانت قد نبهت الاميركيين الى ضرورة التحلي بالمزيد من اليقظة والحذر عند التنقل، إلا ان الاجانب الذين يعملون ويعيشون في الاراضي الفلسطينية ينظرون الى انفسهم بصورة عامة كمراقبين او جهات تحكيم وليسوا اهدافا، فيما قلة قليلة فقط هي التي آثرت حماية نفسها.

لم تعد السلامة امرا مؤكدا، بعد ان قتل ثلاثة حراس امن اميركيين يوم الاربعاء الماضي في احد شوارع قطاع غزة اثر تفجير عبوة ناسفة عن طريق التحكم عند بعد في سيارة كانت ضمن قافلة دبلوماسية في هجوم كان الغرض منه فيما يبدو قتل اميركيين. وتحت الضغوط الدولية المكثفة لتعقب منفذي الهجوم داهمت الشرطة الفلسطينية مخيم جباليا للاجئين فجر اول من امس وألقت القبض على عدد من أفراد مجموعة فلسطينية مسلحة، فتح بعض اعضائها نيران اسلحتهم لدى عملية المداهمة قبل اندلاع معركة لم تستمر طويلا. وقالت مصادر في الامن الفلسطيني ان ثمانية من المشتبه فيهم اعتقلوا.

وشككت بعض المصادر الامنية الفلسطينية والاسرائيلية في ان يكون هؤلاء الناشطون هم الذين دبروا العملية المحكمة التخطيط والتي استخدمت فيها عبوة ناسفة هائلة. ويتبع المعتقلون لـ«لجان المقاومة الشعبية»، وهي منظمة مسلحة نشأت خلال سنوات الانتفاضة الثلاث السابقة واجتذبت الفلسطينيين الذين باتوا يشعرون بالاحباط وخيبة الامل ازاء فصائل مثل حركة «فتح».

وعلق مصدر امني فلسطيني رفيع قائلا ان السؤال يكمن فيما اذا كانت مثل هذه التنظيمات التي قامت لظروف طارئة قادرة على تنفيذ مثل هذا الهجوم الذي خطط له بعناية فيما يبدو. وأضاف المصدر ان إعداد مثل العبوة الناسفة القوية التي استخدمت في الهجوم يتطلب شخصين او اكثر.

ويعتبر الهجوم الاخير بمثابة تخل عن قواعد الالتحام والقتال غير المكتوبة والتي ظلت متبعة في الانتفاضة الفلسطينية. فهذه اول مرة يقتل فيها فلسطينيون ممثلين عن الحكومة الاميركية في هجوم مدبر يستهدفهم.

المسؤولون الفلسطينيون واصلوا ادانتهم للهجوم ووصفوه بأنه حدث غير معهود و«أضراره على الشعب الفلسطيني اكثر منها على اصدقائنا الاميركيين»، على حد تعليق عرفات أمام الصحافيين اول من امس. وفي نفس الوقت آثر الكثير من المواطنين الاميركيين في قطاع غزة تجاهل دعوات واشنطن للخروج تجنبا لأي هجمات محتملة. وعلق صائب عريقات، عضو الحكومة الفلسطينية، قائلا ان «الفلسطينيين لم يحدث ان تسببوا في اذى دبلوماسيين او اجانب»، مؤكدا ان هذه هي المرة الاولى التي يقع فيها مثل هذا الحدث. وطبقا لنتائج استطلاع للرأي اعلن عنها هذا الاسبوع المركز الفلسطيني للسياسات والبحوث ان الاحداث السلبية التي وقعت خلال الاسابيع الاخيرة مثل الضعف والتفكك الذي اعترى عملية السلام وانهيار الحكومة الفلسطينية الوليدة والعنف المتواصل في العراق، جعلت نظرة الفلسطينيين للولايات المتحدة اكثر سلبية.

كما اظهرت نتيجة الاستطلاع ان الرأي العام الفلسطيني يكاد يكون مجمعا على عدم الثقة في الولايات المتحدة وكره السياسة الاميركية. وقال خليل الشقاقي، مدير المركز، ان النظرة السلبية الى الولايات المتحدة في اوساط الرأي العام الفلسطيني ظلت موجودة في السابق لكنها هذه المرة اكثر سلبية على نحو غير مسبوق. وأضاف الشقاقي ان «ثمة مناخا معاديا للولايات المتحدة، وان السلطة الفلسطينية اذا لم تتخذ خطوة تجاه هذا الشأن، فانه يحتمل وقوع مزيد من مثل هذه الهجمات». وتشير نتائج الاستطلاع الى ان 96 في المائة من الفلسطينيين يعتقدون ان الولايات المتحدة غير صادقة في جهودها لإقامة دولة فلسطينية، فيما تعتقد نسبة 97 في المائة ان الولايات المتحدة منحازة الى اسرائيل ومؤيدة لها. ويرى مراقبون ان المناخ الراهن يختلف تماما عن الاجواء التي كانت سائدة قبل بضعة اشهر عندما عقد رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون ونظيره الفلسطيني السابق محمود عباس (ابو مازن) محادثات سلام حتى وقت متأخر من الليل. ففي ذلك الوقت كان 50 في المائة من الفلسطينيين يرون ان الولايات المتحدة صادقة وملتزمة بـ«خريطة الطريق» التي تدعو الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة مع توفير الامن لاسرائيل، طبقا لما قاله الشقاقي. وظل الكثير من الفلسطينيين على قناعة لسنوات طويلة بأن الولايات المتحدة منحازة الى اسرائيل، كما شعر الكثير منهم بالإحباط وخيبة الامل ازاء فشل واشنطن في وقف تشييد المستوطنات او وضع نهاية لاحتلال القوات الاسرائيلية للضفة الغربية. من ناحية اخرى، فإن الفلسطينيين يرون بصورة عامة ان الولايات المتحدة هي الضامن الحقيقي والوحيد لإقامة دولتهم والدولة الوحيدة التي تملك نفوذا كافيا للتوسط في التوصل الى اتفاق سلام بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي. يضاف الى ذلك ان الرئيسين الاميركيين السابقين جيمي كارتر وبيل كلينتون ظلا بمثابة رمزين للصداقة الاميركية، فيما ظلت فكرة مهاجمة الاميركيين غير واردة في ذهن القيادة الفلسطينية، بل أقرب الى التخلي عن آخر وأفضل امل. وتشير الدراسة التي اجراها المعهد الفلسطيني للبحوث والسياسات الى ان سمعة الولايات المتحدة في مجال حماية حقوق الانسان والديمقراطية تعرضت لضربة كبيرة في الآونة الاخيرة. فخلال الفترة بين 1995 و2000 ظلت الولايات المتحدة تحرز نسبة تأييد تتراوح بين 60 و70 في المائة في هذا الجانب، إلا ان نسبة الفلسطينيين المؤيدين لموقف الولايات المتحدة فيما يتعلق بحماية حقوق الانسان والديمقراطية طبقا لنتائج الاستطلاع الاخير، لم تتعد 44 في المائة فقط. ويفسر الشقاقي ذلك بأن الفلسطينيين الآن لا يصدقون ما تقوله الولايات المتحدة. فمنذ انطلاق الانتفاضة الفلسطينية وازياد العنف صدرت تعليمات للأميركيين بالتزام المزيد من الحيطة والحذر. ومن جانبهم نفى مسؤولون فلسطينيون ما اوردته وسائل الإعلام الاسرائيلية من ان التحذيرات الفلسطينية للمسؤولين الاميركيين هي اكثر جدية.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»