الأمير تركي الفيصل: 600 مشتبه فيه بالإرهاب اعتقلوا وتجديد المناهج بدأ قبل 11 سبتمبر

مؤتمر في لندن عن التجربة السعودية في مواجهة الإرهاب يحذر فيه متحدثون من محور بن لادن ـ هنتنغتون

TT

كشف الأمير تركي الفيصل، سفير السعودية في لندن، عن ان قرابة 600 شخص اعتقلوا بشبهة الارهاب في المملكة اطلق منهم 190 شخصاً فيما لا تزال التحقيقات مستمرة مع ما يتراوح بين 250 و300 معتقل. وشدد على ان بلاده كانت منذ زمن طويل ضحية للارهاب وفي طليعة مكافحيه. وأشار الى ان المملكة عمدت الى اجراءات صارمة منذ وقت طويل بهدف القضاء على الارهاب، فأدخلت تعديلات على المناهج كما نظمت عمل الجمعيات الخيرية بحيث وضعت حداً نهائياً لجمع الاموال النقدية التي قد تجد طريقها الى منظمات مشبوهة. جاء ذلك في مؤتمر «مواجهة الارهاب: تجربة المملكة السعودية» الذي نظمته سفارة المملكة بلندن بالتعاون مع «المعهد الملكي للخدمات (الدفاعية) المتحدة» (روسي) المرموق الذي استضاف جلسات المؤتمر بمقره في العاصمة البريطانية.

وسلط مشاركون الضوء على كون الارهاب ظاهرة عالية لا تقتصر على السعودية أو الولايات المتحدة، أبرز ضحاياه والمستهدفين به حالياً. واكدوا على ضرورة استمرار التعاون بين واشنطن والرياض للتصدي لهذا الخطر، موضحين ان الاستجابة الى الاصوات الاميركية المطالبة بتفكيك هذه «الشراكة»، من شأنها ان تصب في خانة الاعداء وتعزز الارهاب. وكادوا يجمعون على ان العراق هو الميدان الامثل حاليا لـشبكة «القاعدة»، معتبرين ان الارهاب لن ينتهي لانه عبارة عن فكرة قادرة على تجديد نفسها باستمرار. ودعوا الى معالجة الدوافع الكامنة وراء الارهاب، لا سيما القضية الفلسطينية التي تساهم في اذكاء الميول للتطرف والعنف.

وكان الامير تركي الفيصل افتتح المؤتمر بتلاوة رسالة وجهها الامير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السعودي، للمؤتمر جاء فيها ان المملكة كانت «في مقدمة الدول التي استهدفها الارهاب» مما دفعها لتصدر «الدول التي حاربت الارهاب». ولفت الامير نايف في رسالته الى ان هذا الموقف السعودي نابع من «عقيدتنا الاسلامية وايماننا الراسخ الذي يحارب كل ما يلحق بالانسان ضررا او يعرض حياته للخطر». واوضح ان المملكة لعبت دوراً بارزاً على صعيد حشد الجهود العربية للتصدي للارهاب. وقال «بادرت المملكة ومنذ زمن بعيد الى الدعوة الى قيام استراتيجية عربية لمكافحة الارهاب تبناها مجلس وزراء داخلية العرب وبمباركة مجلسي العدل والاعلام العربيين»، كما عملت بهدف «وضع خطة اعلامية نموذجية شاملة، لتوعية المواطن العربي» وحمايته من «الارهاب» والفكر المنحرف. واذ انتقد الاتهامات المفرضة التي تزعم ان «الارهاب صناعة اسلامية»، فقد دعا الى مزيد من «العمل المشترك والتعاون المثمر» لقطع دابر الارهاب.

ولفت الامير تركي الفيصل الى ان بلاده كانت هدفاً لهجوم ارهابي شنته «القاعدة» عام 1995، اي قبل ضربات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) بكثير.

وفي اطار عرضه الوجيز لسجل الهجمات الارهابية ضد السعودية وكيفية تصدي المملكة لهذه الظاهرة، اشار الى ان بلاده كانت ضحية لهجوم قامت به منظمة «ايلول الاسود» عام 1972. وتحدث عن الجهود التي بذلها شخصياً، حين كان مديراً للاستخبارات السعودية وكلف بالتوجه الى افغانستان لحث الملا عمر، زعيم حركة طالبان السابق، على تسليم اسامة بن لادن للمملكة. واوضح ان لجنة خاصة سعودية ـ اميركية مشتركة لمكافحة الارهاب أنشئت عام 1997 وهي تجتمع بصورة دورية حتى الآن.

وفي رد على سؤال، سلط الامير تركي الضوء على الجهود السعودية العملية لاستئصال شأفة الارهاب. وقال ان المعلومات المتوفرة له تدل على ان «عدد المعتقلين (بشبهة الارهاب) اقترب اخيراً من 600 شخص». واضاف «لقد اطلق 190 شخصاً من هؤلاء ويتراوح عدد من سيقدمون للمحاكمة بين 70 و90 شخصاً، فيما لا يزال من 250 الى 300 معتقل قيد الاستجواب».

واوضح الامير تركي الفيصل ان هذه الاعتقالات لم تؤد الى توتر في المملكة بسبب الطريقة الهادئة والمتقنة التي نفذت بها. واشار الى ان السعودية لم تتبع «نموذج الاعتقالات الجماعية العشوائية» كأن يلقي رجال الشرطة القبض على اي عابر في شارع ما، بل تحركت الاجهزة المختصة «بصورة محددة وموجهة» لتتبع المشبوهين وحدهم. وذكر ان هذا الاسلوب الموفق «دفع محمد الفقعسي احد المطلوبين مثلاً الى تسليم نفسه من تلقاء ذاته، كما ان البعض اعتقلوا نتيجة لتشجيع عائلاتهم وتعاونها مع قوات الامن على اعتقالهم». واوضح ان المشبوهين «عموماً شباب تتراوح اعمارهم بين 15 و25 عاماً» لافتاً الى ان المتورطين السعوديين بالارهاب «ليسوا فقراء»، بل هم اشخاص اندفعوا في هذا الاتجاه متأثرين «بتفسير للدين الاسلامي مناقض لجوهره الحقيقي». وقال ان ابداء المجتمع اهتماماً اشد بهؤلاء ونوعيتهم سيلعب دوراً اساسياً في منعهم من الانزلاق في التيار الارهابي، شأنهم شأن الشباب في مختلف انحاء العالم تسعى دولهم لتوعيتهم بهدف حمايتهم من الغرق في عالم الجريمة.

واكد السفير السعودي ان المملكة اتخذت اجراءات صارمة بفرض توعية شبابها ودرء خطر الانزلاق في الارهاب عنهم. ولفت الى ان تجديد المناهج الدراسية في السعودية بدأ قبل ضربات الحادي عشر من سبتمبر 2001. وأشار الى ان قضية هذه المناهج تستغل من قبل البعض بصورة خاطئة، موضحاً ان التعديلات شملت المناهج الدينية والعلمية والادبية.

وزاد «ان مادة حقوق الانسان اضيفت الى المناهج وسيصار الى تدريسها». وذكر ان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز تصدر القيادة السعودية لجهة التشديد المستمر على ان بلاده حريصة على اتباع نهج الوسط انسجاماً مع ما جاء في الحديث النبوي الشريف «نحن أمة وسط». وقال ان عدداً من الائمة قد ارسلوا في الاشهر الستة الاخيرة الى «برامج تعليم واعادة تأهيل» هدفت بصورة رئيسية الى ايضاح اهمية التزام الطريق الوسط والتشديد على الاعتدال. وأشار الى «التقدم الكبير» الذي تم احرازه بشأن «قضية عمل المرأة».

وقال الأمير تركي الفيصل لـ«الشرق الأوسط» ان المؤتمر هدف الى «اعلام الناس خاصة في اوروبا والولايات المتحدة بالدور الذي تقوم به المملكة لمكافحة الارهاب». واوضح ان السعودية كانت مستهدفة منذ وقت طويل بالارهاب، الامر الذي دفعها الى بذل الجهود الحثيثة بالتعاون مع الاخرين للتصدي للارهاب ودحره. اما اندرو غرين، وهو سفير سابق بريطاني لدى السعودية وسورية فقد رأس جلسة الافتتاح، وقال لـ«الشرق الأوسط» انه وجد المؤتمر مناسبة مفيدة اضافت معلومات جديدة لما كان يعرفه مسبقاً عن المملكة. واضاف «لقد دهشت لمستوى الاعتقالات (للمشبوهين بالارهاب) في السعودية، وسرني الاستماع الى البيانات الصريحة (من قبل الامير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية والامير تركي الفيصل، خصوصاً) لبعض المشاركين في هذه المكافحة». ورحب بـ«الموقف الاكثر صرامة في السعودية ودول عربية اخرى حالياً من الارهاب وسبل مكافحته»، واضاف «يجب ان يعرف البريطانيون خصوصاً ان الهدف الرئيسي للارهاب هو السعودية نفسها» معتبراً ان المؤتمر كان منبراً مناسباً لايصال هذه الرسالة. ومن جانبه، اكد السير آلان مونرو، السفير البريطاني السابق لدى السعودية، على اهمية فرصة الحوار والفهم الافضل للموقف السعودي التي اتاحها المؤتمر.

وفي رد على سؤال حول التعاون بين الرياض ولندن في مجال مكافحة الارهاب، اعرب مونرو لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقاده ان «التعاون قد بلغ اشده حاليا في اعقاب اطلاق السجناء البريطانيين (من سجون سعودية) لان هذه القضية عرقلت الى درجة ما هذا التعاون».

يشار الى ان طلال احمد الخريجي، وهو من ضحايا الهجوم الارهابي على مجمع الحمراء بالرياض في 12 مايو (آيار) الماضي، قد القى مداخلة عن تجربته «المؤلمة» تلك. وقال الخريجي، 33 عاماً، ان المجمع كان «رمزاً للتسامح» عاش فيه سعوديون وأجانب، مسلمون وغير مسلمين، في وئام ومحبة سعى الارهابيون الى تقويضهما، مدعين انهم فعلوا ذلك باسم الاسلام. ورأى ان الارهاب ليس مشكلة سعودية، معتبراً ان القاء نظرة على ما يطلقه «معلقون يمينيون اميركيون يجعل المرء يدرك ان عدم التسامح داء عالمي». وحذر الباحث الاميركي انتوني كوردسمان، وهو يعمل في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية، من خطورة ما سماه «محور بن لادن ـ صامويل هنتنغتون» لان صراع الحضارات الذي يسعى البعض الى اذكائه سيعزز بأس الارهاب ويجعله اشد قدرة على الايذاء والدمار. وقالت الدبلوماسية البريطانية البارزة سابقا، بولين نيفل ـ جونز، وقد ترأست في الماضي «اللجنة المشتركة للاستخبارات البريطانية، «اذا سمحنا لانفسنا بان نصبح مختلفين مقسمين فإننا سنخسر»، مشددة على ضرورة «البقاء موحدين في وجه الارهاب». بيد انها لفتت الى ان الاتفاق يتضاءل وتبرز وجوه الخلاف. ولدى الحديث عن الدوافع الكامنة وراء الارهاب (كقضية فلسطين وكيفية حلها) قالت «يجب ان نواصل الحوار».

وفي وقت لاحق، عقد الأمير تركي الفيصل مقارنة بين التوجه الجديد في كل من السعودية والولايات المتحدة، معتبرا ان الاخيرة تنحو حاليا صوب مزيد من التشدد خلافا للمملكة. وقال امس في جلسة الختام بمؤتمر مواجهة الارهاب «في السعودية نتجه حالياً الى تفسير اكثر ليبرالية للعلاقة بين الحكومة والاعلام والمجتمع، لكن للأسف يحدث العكس في الولايات المتحدة». وساق دليلاً على هذا التباين ما تشهده الولايات المتحدة من انتهاكات لحقوق بعض المواطنين والزوار ايضا. وفي تعقيب على تشديد احد الحضور على وجود صلة وثيقة بين الارهاب والظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون تحت الاحتلال الاسرائيلي، لفت السفير السعودي الى ان المسؤولين الأميركيين رفضوا لفظ كلمة «الصلة» هذه بين القضية الفلسطينية والتذمر العربي حتى اثناء «فرض حظر على تصدير النفط (الى الغرب) أواسط السبعينات خلال حرب رمضان».

وأعرب الامير تركي الفيصل عن قناعته بأن «المملكة لا تتعرض حاليا لتهديد من جانب الولايات المتحدة». وأضاف «في السنتين الاخيرتين أقلقتنا بعض التصريحات المتشددة القادمة من واشنطن مما دفعنا الى التساؤل الى أين تتجه أميركا». وزاد موضحاً ان ما قاله كثير من المشاركين والحضور خلال جلسات المؤتمر هو ان اميركا قد خلقت مزيدا من المشاكل جراء الحرب على العراق، وان «اميركا لم تنته بعد من العراق» وهو امر قد لا يحصل قريبا كما أكد عدد من المشاركين. وأبدى تفاؤله بأن «الرؤوس الحكيمة ستنجح في اقناع واشنطن» بعدم التدخل بمزيد من الدول خلافاً «لما تطالب به بعض الرؤوس المظلمة (الأميركية)».

وردا على سؤال آخر، أكد الامير تركي الفيصل انه «من السهل ان نحمل الآخرين تبعات مشاكلنا». وأضاف «لسنوات عدة لم نعبر عن رأينا، والآن فالجميع (هنا) يقولون ان المملكة صارت اكثر انفتاحاً». وقد اكد من جانبه، الصحافي البريطاني فرانك غاردنر، وهو مراسل معروف لهيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) متخصص بالشؤون العربية أن «السعودية شهدت في العام الأخير بحراً من التغيير وصارت أشد انفتاحاً على العالم والاعلام الغربي». وأثنى على التحول الايجابي الذي تمثل في تقديم «أشخاص مثل الأمير تركي الفيصل للاعلام (الغربي) ليعلقوا على الاحداث»، مؤكدا ان الوضع في الماضي كان مختلفاً جداً. وشدد مشاركون على ضرورة «التصدي للحرب السايكولوجية التي تشنها «القاعدة» عبر أشرطة التسجيل والانترنت والرسائل المصورة». وقال غاردنر ان «العراق تحول ميدانا «للارهاب» مع ان الهدف المعلن لغزوه تمثل في ضرورة القضاء على الارهاب وتم في نطاق الحرب عليها». وأشار الى انه «لم يكن هناك دليل على تورط (الرئيس المخلوع) صدام حسين بالارهاب قبل الحرب، بيد ان العراق غدا الآن مسرحاً للارهاب».