مدير وكالة التنمية الأميركية: إعادة إعمار العراق ستكون الأكبر منذ مشروع مارشال

آندرو ناتسيوس كفاءة العراقيين واندفاعهم في العمل يؤهلان العراق لأن يكون أغنى بلد في المنطقة

TT

قال اندرو ناتسيوس المدير العام لوكالة التنمية والتطوير الاميركية ان برامج اعادة اعمار العراق هي الاكبر منذ مشروع مارشال الخاص باوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وان ما انجز منها في غضون الاشهر الماضية سمح باعادة 70% من الخدمات الاساسية الى الوضع الذي كانت عليه قبل الحرب.

واعرب ناتسيوس في مؤتمر صحافي عقد قي واشنطن مساء اول من امس وشاركت فيه «الشرق الأوسط» عبر اتصال تلفزيوني خاص، عن اعجابه باندفاع العراقيين في العمل، وقال ان العراق بفضل اخلاقيات العمل التي يتمتع بها العراقيون مؤهل لان يكون اغنى بلد في المنطقة.

وقال ناتسيوس ان وكالة التنمية والتطوير الاميركية لا تتعامل مع العراق على انه حالة مماثلة لحالة افغانستان (بعد سقوط نظام طالبان) بل على انه حالة مماثلة لرومانيا (بعد سقوط نظام تشاوشيسكو) حيث تتوفر في العراق بنية اجتماعية وثقافية وموارد اقتصادية تكفي لجعله يعيش بوضع افضل من الوضع الذي يعيش فيه العديد من بلدان اوروبا الشرقية الآن.

وعبر ناتسيوس، وهو نائب جمهوري سابق تخرج من جامعة جورج تاون ويحمل شهادة عليا في الادارة المدنية، عن دهشته لحماسة العراقيين في العمل ولمستوى الدراية والكفاءة العملية التي اظهروها من خلال تنفيذ العديد من المشاريع. وقال «يمتلك العراقيون اخلاقيات عمل لم ار مثلها في الكثير من دول المنطقة. فهم ينفذون برامج العمل بكفاءة، ويتمتعون بمستوى عال من الخبرة ويحرصون على الانتقال ببلدهم الى وضع افضل باسرع وقت ممكن». وقال «ان الكثير من بلدان اوروبا الشرقية، التي لا تملك الموارد الطبيعية التي يملكها العراق، مضطرة لتمويل برامجها بالاعتماد على معدلات النمو الاقتصادي الاعتيادية، في حين يملك العراقيون، ثروات تكفي لتمويل مشاريع البناء، وخبرات عملية وعلمية تسمح في النهاية برؤية العراق في وضع افضل من الوضع الذي يعيش فيه العديد من دول المنطقة والعالم».

واشاد ناتسيوس، الذي يعد واحدا من ابرز الخبراء الدوليين في مجال اعمال الاغاثة والخدمات الانسانية، بالاعمال التي انجزتها شركة بكتل الاميركية وهي المتعاقد الرئيسي حتى الآن في مشاريع اعادة البناء، وقال ان الشركة منحت 109 شركات عراقية عقود عمل فرعية لتنفيذ مشاريعها في العراق، في حين حصلت سبعة شركات كويتية وخمسة سعودية على عقود مماثلة. واكد ان جميع المشاريع المطروحة للتنفيذ معروضة لمناقصات مكشوفة وتستطيع اي شركة ان تقدم عروضا لتنفيذها.

واشار الى ان تكليف شركات عراقية بتنفيذ العقود الفرعية جاء بناء على طلب بول بريمر رئيس الادارة المدنية الاميركية المؤقتة في العراق. واكد ان شركة بكتل التي لم تجد الكثير من الشركات العراقية القادرة على تنفيذ مشاريها قامت بتمويل 300 من رجال الاعمال العراقيين ووفرت لهم التدريب الاداري اللازم من ميزانيتها الخاصة وليس من الاموال المخصصة لاعادة البناء، وذلك قبل ان تمنح الشركات التي انشأوها عقودا للعمل في مجالات مختلفة.

وقال ناتسيوس ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» ان وكالة التنمية والتطوير الاميركية تركز على الاخذ بنظر الاعتبار جميع المعايير والمتطلبات العملية التي يقترحها العراقيون انفسهم وهي تحرص في تحديد اولويات مشاريع العمل على مشاركة الناس المعنيين بها مباشرة. وذكر على سبيل المثال، ان تمويل اعادة بناء الآلاف من المدارس ومراكز الخدمات الصحية تم بناء على مشاركة الاهالي. وقال «هذه هي المرة الأولى التي يستشار فيها ابناء المنطقة، حول كيفية ادارة مدارسهم وسبل توفير وحماية مستلزماتها ومعداتها». وعلى اساس التعاون والتشاور مع اطراف المجتمع المحلي، فقد امكن اعادة تأهيل واصلاح 1600 مدرسة وتم توفير نحو 6 ملايين كتاب مدرسي في الحساب والعلوم. وجرت اعادة تدريب 50 ألف معلم وذلك لضمان المضي في اتجاه جديد للتعليم يقوم على الحوار والنقاش المفتوح وليس على اساس توجيه الأوامر واملاء المواد للحفظ من قبل الطلاب.

وقال ردا على سؤال آخر لـ«الشرق الأوسط»، ان هناك 55 الف عراقي يشاركون في تنفيذ 600 عقد عمل للوكالة، وتمثل هذه العقود المصدر الرئيسي للدخل بالنسبة لهم. وذكر ان الوكالة وفرت اعمالا لنحو 15000 شخص في مدينة الصدر في بغداد. وعلى الرغم من ان مستوى البطالة ما يزال عاليا الا ان الرؤية التي تنتهجها الوكالة تقضي بان يتولى القطاع الخاص توفير الجانب الرئيسي من الاعمال والوظائف. وانه مع توسع الاقتصاد فان معدل توفير الوظائف سيكون كفيلا بتراجع البطالة بسرعة. واكد ناتسيوس ان بناء مجتمع ديمقراطي يتطلب ان يلعب القطاع الخاص دورا اقتصاديا رئيسيا فيه، وان تكون هناك مؤسسات مدنية مستقلة لمراقبة الحكومة والقطاع الخاص معا. وعلى هذا الأساس قامت الوكالة بتقديم الدعم لمجموعات مدنية مختلفة تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الانسان والبحث عن المفقودين ورعاية الاطفال وغيرها من الهيئات المدنية الضرورية لبناء مجتمع متحضر.

واشار في هذا الصدد الى الجهود التي تبذل حاليا لاعادة بناء نظام البلديات لتكون بمثابة مؤسسة ديمقراطية محلية للرقابة يمكن من خلالها حماية المال العام وضمان حسن سير الخدمات العامة.

وبدا ناتسيوس متحفظا في توقعاته من نتائج مؤتمر مدريد للدول المانحة الذي يبدأ اعماله اليوم. ولكنه قال ان الاموال المتاحة حتى الآن تشير الى ان مشاريع اعادة بناء العراق ستكون الأكبر منذ مشروع مارشال لاعادة بناء اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

واشار ناتسيوس الى ان التغطيات الاعلامية لما يجري في العراق لا تقدم كشفا حقيقيا لما تم انجازه على صعيد توفير الخدمات الأساسية والحريات العامة والمشاركة في ادارة الشؤون المحلية. وذكر انه بينما كان النظام السابق ينفق المليارات على برامجه العسكرية فان العراقيين يستطيعون ان يروا الآن ان هذه الاموال يمكن ان تنفق على المستشفيات والمدراس واقامة بنية تحتية تلائم احتياجات التوسع الاقتصادي وبالتالي توفير الرفاهية للمجتمع.

واكد ناتسيوس ان مشاريع وكالة التنمية والتطوير الاميركية في العراق لا تتسم بالشفافية فحسب، ولكنها تأخذ في نظر الاعتبار متطلبات الاستمرارية أيضا. وقال ان الأموال المتاحة توفر بداية مناسبة، الا ان الحاجة ما تزال قائمة للمزيد من المنح والمساعدات. واكد ان الوكالة لا تملي على المتبرعين كيفية انفاق اموالهم، فهناك قائمة طويلة من المتطلبات والمشاريع والخدمات، ويمكن للجهات المانحة ان تختار ما تراه مناسبا لتمويل اي منها.