القاهرة تستعيد دورها في الملف العراقي وتحدد 6 عناصر لاهتماماتها الاستراتيجية

TT

بعد نحو سبعة اشهر من إطاحة نظام الرئيس العراقي السابق تبدو القاهرة وقد نجحت في أن تضمن لنفسها مكانا متميزا في المعادلة العراقية، حيث تتزايد وتيرة الزيارات التي يقوم بها قادة وزعماء مختلف الفصائل والتيارات السياسية العراقية للعاصمة المصرية من اجل التشاور مع كبار المسؤولين المصريين حول مجمل الوضع الراهن في العراق.

ولا يكاد يمر أسبوع واحد من دون أن تستضيف القاهرة أحد قيادات هذه التنظيمات السياسية، فيما بدا انه بمثابة تجديد للسياسة المصرية تجاه الملف العراقي، حيث ترى مصادر دبلوماسية عربية أن القاهرة نجحت إلى حد كبير في تعزيز علاقاتها مع مختلف الفرقاء العراقيين في مرحلة ما بعد صدام حسين. وتشمل القائمة عددا من أبرز القيادات العراقية التي لعبت دورا محوريا في المعارضة السابقة للنظام العراقي المخلوع. وبالإضافة إلى قيام مسعود بارزاني رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني الأسبوع الماضي بزيارة تاريخية هي الأولى له منذ الزيارة التي قام بها والده مصطفى بارزاني عام 1958 إبان عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، فان جلال طالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني يقوم حاليا بأول زيارة له إلى القاهرة منذ الإطاحة بالنظام العراقي السابق، كما تشهد القاهرة زيارات مماثلة يقوم بها الشريف علي بن الحسين رئيس الحركة الملكية الدستورية في العراق. وتضم القائمة أيضا المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي من المقرر ان يزور وفد عالي المستوى منه القاهرة قريبا. لكن الأمر الجدير بالملاحظة في هذا السياق، كما يقول دبلوماسي عراقي، هو أن المؤتمر الوطني العراقي الذي يتزعمه احمد الجلبي ما يزال خارج دائرة الاتصالات المصرية العراقية في الوقت الراهن من دون أسباب معلنة. وامتنعت مصادر مصرية عن توضيح مبررات ذلك كما أنها رفضت أيضا تأكيد أو نفي إرسال دعوة رسمية إلى الجلبي لزيارة القاهرة، مشيرة إلى أن العاصمة المصرية لا تتحفظ على أحد وأنها تسعى للاتصال بالجميع من دون استثناء. وتشير مصادر دبلوماسية غربية إلى أن القاهرة على ما يبدو لم تستثن أحدا من توجيه الدعوة الرسمية إليه لزيارتها في إطار الانفتاح غير المسبوق على المشهد العراقي بوضعه الدراماتيكي الراهن، حيث شملت الدعوات أهم القيادات الكردية والشيعية والليبرالية في العراق. واعتبرت هذه المصادر انه من الطبيعي أن تبدي القاهرة اهتماما متزايدا بالوضع السياسي في العراق من منطلق الحرص على المصالح المصرية الحيوية في هذا البلد الذي مثل على مدى السنوات الماضية احدى أهم الدول المستوردة للسلع والمنتجات المصرية فضلا عن آلاف المصريين المقيمين والعاملين هناك. وقالت هذه المصادر «هناك مصالح بقيمة ثلاثة مليارات دولار سنويا هي إجمالي حجم التبادل التجاري بين القاهرة وبغداد في عهد النظام المخلوع، ومن البديهي أن تسعى القاهرة لضمان استئناف هذه العلاقات الاقتصادية المهمة في مرحلة ما بعد انسحاب القوات الأميركية والبريطانية من العراق أو على الأقل الحصول على جانب من الكعكة العراقية في مرحلة إعادة الاعمار». لكن مصادر مصرية تقول في المقابل إن السياسة المصرية تجاه العراق ليست جديدة أو قاصرة على الجانب الاقتصادي فقط بل هي تستهدف مساعدة الشعب العراقي على تجاوز محنته الراهنة واستعادة مكانته العربية والإقليمية في أسرع وقت، مشيرة إلى انه حتى التبادل التجاري والاقتصادي مع النظام السابق في اطار اتفاق النفط مقابل الغذاء، كان عنوانه محاولة التخفيف من معاناة الشعب العراقي نتيجة منظومة العقوبات الدولية المفروضة عليه. وأعادت إلى الذاكرة أن السلطات المصرية رفضت على نحو متكرر مساعي النظام السابق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين الطرفين منذ الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس (آب) عام 1990، لإدراك الجانب المصري أن النظام غير جدير بالثقة ولا يسعى إليها. وقالت المصادر إن القاهرة تعتقد أن بقاء العراق خارج المعادلة العربية في الوقت الراهن هو خصم من موازين القوى العربية ويشكل فراغا استراتيجيا مهما في النظام الإقليمي العربي يجب شغله على الفور للحد من الأطماع التي تنتاب بعض دول الجوار الجغرافي للعراق. وكشفت المصادر النقاب عن أن السياسة المصرية تجاه العراق والتي يتم إبلاغها لمختلف القوى السياسية العراقية تتلخص في الجوانب التالية:

ـ تحقيق الحد الأدنى من الوفاق الوطني وتجنب أي محاولة لإشعال الفتنة أو الحرب الأهلية نتيجة للمفارقات السياسية والعرقية والاثنية الموجودة في العراق.

ـ التأكيد على عروبة العراق ودوره الهام في تعزيز العمل العربي المشترك ومشاركته في نصرة قضايا أمته بغض النظر عن فترة حكم الرئيس المخلوع.

ـ بقاء العراق ضمن حدوده الدولية المعروفة وعدم القبول بأي محاولة لتقسيمه أو النيل من سيادته الوطنية على أراضيه وشعبه.

ـ منح الشعب العراقي حقه الطبيعي في تسيير شؤونه بنفسه واختيار حكامه بعيدا عن أي تدخلات خارجية وفي إطار ديمقراطي معترف به ومن خلال إجراء انتخابات نزيهة تضمن مشاركة كل القوى السياسية والتيارات الوطنية في العملية الديمقراطية.

ـ وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية من العراق في أسرع وقت والاعتراف بحق الشعب العراقي في السيطرة على ثرواته الطبيعية.

ـ إعادة تأهيل العراق في المنطقة العربية وبصفة خاصة في منطقة الخليج العربي وضمان إزالة أسباب التوتر التي يمكن أن تشكل خطرا على هذا التوجه.