المتنبي.. مفارقات في 6 مدن عربية حول الشارع الذي يحمل اسمه

السعوديون حولوا شارعه إلى مهرجان للتراث وفي العراق يبيعون في شارعه الكتب وأشعاره وفي سورية سوق للأحذية ومصر شارع للمسارح والسينما

TT

«إنه مالئ الدنيا وشاغل الناس» ابو الطيب المتنبي كما قال عنه ابن رشيق في كتابه العمدة، ولكن ما يشغل بال الناس هو اسم هذا الشاعر الذي تعرفه الخيل والليل.. والقرطاس والقلم، تتقاذفه المدن العربية في سبيل ان يبقى في ذاكرة أهله كواحد من الشعراء الذين أثرى الساحة الادبية بشعره وهجائه.

المدن العربية ومعظمها حرصت على اطلاق اسمه في احد من الشوارع، ومع ان صاحبه لا يحتاج الى تعريف، فان الكثير من المدن اكتفت بالاسم ولم تهتم بالشارع، فمثلا في سورية وخاصة في حماة، يعرف السوريون شارع «المتنبي»على انه شارع لبيع الاحذية، وصناعتها، ولهذا متى ما ذكر هذا الاسم، يتبادر الى أذهان الاهالي في حماة، انه المقصود شارع الاحذية، كما يطلقها السوريون. وفي مصر اشتهر شارع المتنبي وخاصة في القاهرة بدور السينما، وصالات العروض المسرحية، وهو ما يجعل وصف الشارع سهلا لدى الكثير من المصريين بالنسبة للسياح.

والشاعر المتنبي الذي ولد بالكوفة في محلة تسمى كندة واليها نسبته، ونشأ بالشام، ثم تنقل في البادية يطلب الأدب وعلم العربية وأيام الناس. ربما لهذا السبب تسعى المدن العربية الى ترسيخ اسمه في اذهان الاجيال الحالية، ولكن لم تستطع التعريف به بالمعنى الصحيح، فارتبط اسمه بمقاهي ومحلات تجارية وميكانيكا سيارات أو شركات، مثلما هو حاصل لأحد الشركات في سورية التي سمت نفسها «شركة المتنبي للمشروعات التجارية» الا انه من المفارقات أن الشركة المذكورة تقع في شارع أبي تمام في حمص، وبذلك اجتمع اسم الشاعرين في مكان واحد.

أما في الكويت فان شارع المتنبي يمر في الطريق الدائري الاول من شارع السورو وتقع هذه التقاطعات مع شارع عبد الله المبارك مع طريق المغرب السريع بطول كيلومتر، وتقاطع شارع مبارك الكبير مع شارع القاهرة بطول 9 كيلومتر، وتقاطع شارع الاستقلال مع شارع المتنبي بطول 4،1 كيلومتر.

ولكن في لبنان الوضع يختلف فاسم المتنبي وخاصة في بيروت، يرتاده الشباب والسياح بحثا عن الترفيه، يقول اديب لبناني في مطلع السبعينات من القرن الفائت رسم عارف الريس «زهرات شارع المتنبي». الرؤى التي جسدتها لوحاته جعلته يعبّر بقوة عن علاقة القيم والافكار. رسم الازهار كرموز لأشياء جميلة وعابرة تجدد الحياة.

وفي الرياض العاصمة السعودية، يبقى شارع المتنبي، من الشوارع التي ترتادها الاسر بحثا عن الجوائز والمسابقات التي توزع هذه الايام تحت اسم «مهرجان شارع المتنبي» ومن المفارقات أيضا في شارع المتنبي في الرياض أنه يأتي ما بين ميدان بيروت وميدان تونس ويجاوره شارع صلاح الدين الايوبي وعمر بن عبد العزيز، وجرير والفرزدق وبالقرب منه شارع الملك عبد العزيز، والمشاهد لخارطة شوارع الرياض يجد كيف أن المتنبي جاء بين شاعرين هما الفرزدق وجرير وأيضا شخصيات اسلامية لها في ميدان الفتوحات باع مثل عمر بن عبد العزيز وصلاح الدين، وكأن هوية المتنبي قد ضاعت وسط هؤلاء النجوم.

ويتضمن المهرجان الذي يختتم بعد أيام فعالياته في شارع المتنبي اقبالا كبيرا وحركة تجارية كبيرة من قبل المواطنين لما يتمتع به من تخفيضات وحسومات على جميع المستلزمات الأسرية والتراثية .وشهد السوق اقبالاً كبيراً من قبل المستثمرين حيث تم استئجار جميع المحلات المتبقية وشهد كذلك بيع حرف وصناعات يدوية نادرة .وتقدم اللجنة المنظمة للمهرجان كل ليلة جوائز ومسابقات للمتسوقين.

أما العراقيون، فجعلوا من شارعه شهادة على العصر، وسرا يحتفظ بما فعله صدام بشعبه، فمثلما يشتهر الشارع في بغداد بأنه لبيع الكتب القديمة وسوق رائجة لكل انواع الكتب فانه، أي شارع المتنبي، شهد أيضا العديد من الحوادث والقتل وطالما اختلطت دماء العراقيين بحبر الكتب في ذاك الشارع. ومثلما يقول البعض في بغداد، من أجل لقمة العيش يبيعون الفكر على أرصفة المتنبي، حيث يضطر بعض أصحاب المحلات لبيع الكتب في مزادات املا في الحصول على لقمة عيش، ومن المعروف عن شارع المتنبي في بغداد أنه الى جانب المزادات والباعة المتنتشرين، فهو ايضا يعرف بشارع المكتبات، وهناك مكتبة تخصص يوم الجمعة لمزادها العلني. والمشاركون في المزاد وفق موقع (اسلام اون لاين) هم في العادة قلة من الأدباء والمثقفين وكثرة من حديثي النعمة وتجار الحصار الذين يريدون تزيين مكتباتهم الحديثة العهد بهذه الكتب القيمة. ويبدأ المزاد بمبلغ ألفي دينار (حوالي 5،1 دولار) بعد التعريف بكل كتاب وبقيمته العلمية الى أن يصل ثمنه خلال المزايدة الى خمسين ألف دينار (حوالي 31 دولارا) أو أكثر.

ويبقى ابو الطيب المتنبي متنقلا في المدن العربية مرة باللباس الشعبي ومرة في سوق للتراث، واحيانا في حي للشباب والمتعة، وربما ظهر غدا في شوارع بيكاديلي او الشانزليزيه أو حتى في نيويورك، تقديرا من الغرب لمكانة هذا الشاعر.