تقرير أنان حول الصحراء يخلق أزمة ثقة بين المغرب وبيكر

الرباط تجدد رفضها لخطة الوسيط الدولي وتحديد أنان مهلة لقبولها يكرس «حوار الطرشان»

TT

بينما جدد مصدر مغربي مأذون لـ«الشرق الأوسط» تأكيد رفض بلاده القاطع للمخطط الاخير لجيمس بيكر المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة الى الصحراء، عبرت اوساط سياسية وحزبية مغربية عن استيائها واندهاشها من تقرير الامين العام للامم المتحدة كوفي انان الذي قدمه اخيرا لمجلس الامن، وجاء فيه انه ابلغ المغرب بوجوب قبوله خطة بيكر بحلول الاول من يناير (كانون الثاني) المقبل.

وعبر بيان صادر عن وزارة الخارجية المغربية، تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه امس، عن اندهاش الرباط من الخلاصات التي اشار اليها تقرير أنان. كما عبر البيان عن اسفه كون بيكر لم يقم بأي متابعة للمقترحات التي تضمنها قرار مجلس الأمن الذي يطالب الاطراف بالعمل جنبا الى جنب بالاضافة الى العمل مع الأمم المتحدة للمضي قدما في ايجاد حل سياسي مقبول من جميع الاطراف.

واشار البيان الى ان المغرب بادر في 16 سبتمبر (أيلول) الماضي الى ارسال بعثة وزارية الى هيوستن للقاء بيكر. وجدد البيان تأكيد رفض المغرب بقوة لخطة بيكر سواء على مستوى بنيتها العامة او على مستوى الترتيبات العملية.

واعتبر البيان خطة بيكر بأنها تشكل تراجعا في مسلسل البحث عن حل سياسي حقيقي بما انها كرست عودة الى مخطط التسوية المعروف بأنه آل الى الفشل.

وجاء الاستياء والاندهاش في وقت يعتبر فيه الموقف المغربي واضحا، الامر الذي جعل مصدرا دبلوماسيا غربيا في نيويورك يصف لـ«الشرق الأوسط» ما تضمنه نص تقرير انان، الذي اعده بيكر شخصيا، بأنه يدخل ضمن خانة «حوار الطرشان». وفي سياق ذلك، قال محمد بنونة مندوب المغرب الدائم لدى الامم المتحدة، إن الأمانة العامة ابتعدت عن حيادها وموضوعيتها بتعمدها إعطاء تأويل مغلوط للقرار رقم 1495 الذي تبناه مجلس الأمن في 30 يوليو (تموز) الماضي، مشيرا الى ان هذا التأويل في الواقع لم يأخذ بعين الاعتبار، لا مضمون هذا النص، ولا الأشغال التحضيرية التي قادت إلى تبنيه، وبالخصوص التصريحات التي أدلى بها أعضاء مجلس الأمن إثر التصويت بالإجماع على هذا القرار.

واوضح بنونة في رسالة وجهها اول من امس الى رئيس مجلس الأمن سفير الولايات المتحدة، جون نيغروبونتي، في أفق المناقشة المرتقبة لقضية الصحراء يوم الاثنين المقبل، أنه بمقتضى الفقرة الأولى من القرار فإن دعم المجلس للاقتراح الأخير لبيكر «رهين باتفاق الطرفين». وقال انه لهذه الغاية بالضبط دعا مجلس الأمن الطرفين إلى العمل فيما بينهما ومع الأمم المتحدة، وبالتالي فإنه من الخطأ الاستنتاج من القرار رقم 1495 أن يقوم المغرب بكل بساطة بالتوقيع على النص الذي أعده بيكر وباتخاذ إجراءات ملموسة ابتداء من يناير (كانون الثاني) المقبل من أجل «تطبيق مخطط السلام» في حين أن المفاوضات التي دعا إليها مجلس الأمن لم تتم بعد. واضاف بنونة انه من هذا المنطلق بالذات بادر المغرب في سبتمبر (ايلول) الماضي إلى إرسال وفد للقاء بيكر لكي يبحث معه مآل القرار رقم 1495وآفاق المفاوضات بهدف التوصل إلى التسوية المنشودة والمقبولة من الطرفين.

واشار بنونة الى أن المغرب يعترض على التقديم الانتقائي والتفسير المنحاز الذي قدمته الأمانة العامة لاعتراضاته على المخطط الذي اقترحه بيكر كما وردت في رد المغرب، الذي تضمنته رسالة وزير خارجيته، محمد بن عيسى الى الامين العام للامم المتحدة في 23 مايو (أيار) الماضي. وقال إن رد فعل المغرب، لا ينحصر في اعتراض واحد، ومع ذلك فحتى هذا الاعتراض لم يؤخذ بعين الاعتبار في التعديل الذي أدخله بيكر بل يشمل البنيان الكامل للإطار المقترح، الذي يعتمد على مخطط التسوية الذي تبين بالملموس عدم قابليته للتنفيذ أكثر مما يستند على روح الطريق الثالث كحل سياسي نهائي يحترم سيادة المغرب ووحدته الترابية.

ومع ذلك، يقول السفير بنونة، ان مجموع الاعتراضات المغربية تم تدوينها وتأكيدها منذ تقديم ملاحظات المغرب على مشروع مخطط السلام في 10 مارس (آذار) الماضي. وذكر بنونة إن المغرب الذي التزم دوما بالشرعية الدولية يلح على احترام القرار 1495 الذي يدعو إلى إجراء مباحثات بين الطرفين ومع المبعوث الشخصي (بيكر) ويطلب من الامين العام إطلاع مجلس الأمن على نتائج هذه المشاورات.

وقال بنونة إن المغرب، يعتبر أن بيكر يمكنه الاضطلاع بدور هام كوسيط، وألا يتحول بأي حال من الأحوال، إلى طرف في المفاوضات التي تقضي مهمته تيسيرها بما يحقق السلم والاستقرار في منطقة المغرب العربي.

واعتبر بنونة أن مسلسل تسوية نزاع الصحراء، يوجد اليوم في مرحلة حاسمة، وان بلاده تدعو مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته كاملة بوضع حد للانزلاق الخطير الذي بات يهدد هذا المسلسل، حيث أضحى ضروريا الاحترام التام لبنود القرار رقم 1495 الذي وافق عليه جميع أعضاء المجلس الذين رفضوا بكل وضوح خيار فرض المخطط الذي ورد في تقرير الأمين العام في 16 أكتوبر (تشرين الاول) .2003 وقال بنونة إن مجلس الأمن، مدعو إلى مساعدة الطرفين من أجل التوصل إلى حل يقبلانه بعيدا عن فكرة الفرض التي يسعى تقرير انان إلى إقحامها من جديد. وفيما يخص المغرب، فإنه يظل مصمما وملتزما بالعمل على إيجاد حل سياسي يخدم مصالح كل بلدان المغرب العربي، ويعرب عن استعداده للعمل مع الأمم المتحدة في هذا الإطار.

وفي سياق ذلك، عبرت مجموعة من الأحزاب السياسية المغربية عن رفضها الكلي لموضوع الاستفتاء الوارد في مخطط بيكر واعتبرته تصعيدا خطيرا لنزاع مفتعل، وليس حلا سلميا لمشكلة إقليمية.

وشدد بيان موجه إلى المنظمات والحكومات والأحزاب والشعوب في العالم، وحمل توقيع 13حزبا سياسيا مغربيا، على أن مخطط السلام الذي تضمنه التقرير الذي قدمه بيكر إلى مجلس الأمن يعود بنا إلى الوراء خطوات ويرجعنا إلى اقتراحات أبان الواقع عدم إمكانية تحقيقها مثل الاستفتاء أو تقسيم اراضينا أو نزع السيادة عن بقعة منها الشيء الذي لا نقبله ولا نرضى عنه بتاتا.

وأشار البيان، الذي بثته وكالة الانباء المغربية امس، إلى أن هذه الأحزاب السياسية تؤكد على أن الوحدة الترابية وسيادة المغرب على أراضيه أمر مقدس للشعب المغربي، لا يرضى المساس به أو التعرض إليه بأي حال من الأحوال لذا فأي حل أو اقتراح لا يقبله الشعب المغربي لا يمكن أن يكون حلا لهذا النزاع، بل سيكون مضرا بالمنطقة كلها وبمصالح الدول التي تتعامل معها.

ووقعت البيان أحزاب: الشورى والاستقلال والحركة الديمقراطية الاجتماعية والحركة الوطنية الشعبية والتجديد والإنصاف والوطني الديمقراطي والبيئة والتنمية والمغربي الليبرالي والعدالة والتنمية ومبادرة المواطنة والتنمية والوسط الاجتماعي والعمل والإصلاح والتنمية والقوات المواطنة.

ولعل ما يميز خطة بيكر الاخيرة هو انها جمعت بين مخطط التسوية الذي يعتمد تنظيم الاستفتاء و«الاتفاق الاطار» الذي يهدف الى منح سكان المنطقة حكما ذاتيا تحت سيادة المغرب لتصب في النهاية الى العودة لنقطة الصفر اي العودة الى الاستفتاء الذي اعلن انان وبيكر مرارا انه غير قابل للتطبيق.

وترى الرباط ان خطة بيكر الجديدة تعقد الوضعية لا سيما من خلال ترتيباتها المتعلقة بالفترة الانتقالية، وتحديدها للجسم الانتخابي الذي سينتخب المؤسسات المحلية، زيادة على كونه يمنح اقلية من السكان امتيازات جوهرية، من دون الاخذ بعين الاعتبار التركيبة الاجتماعية والقبلية والعرقية لسكان الصحراء، وانخراط جميع السكان في المساهمة في الوضع الذي سيخصص لهم.

ويرى المغرب ان خطورة خطة بيكر تكمن اولا في تنصيصها على اقامة فترة حكم ذاتي (انتقالية) مدتها 4 او 5 سنوات تكون السيطرة فيها على الجهاز التنفيذي والمجلس التشريعي لجبهة البوليساريو، ذلك ان بيكر جعل الجسم الانتخابي، محددا في القائمة التي اعدتها قوات المينورسو (86 الف ناخب)، والتي طعن فيها اكثر من 130 الفاً من الصحراويين الذين تم اقصاؤهم من عملية تحديد هوية من يحق لهم المشاركة في استفتاء تقرير المصير.

وكانت الأمم المتحدة قد قبلت النظر في هذه الطعون واحدا واحدا.

اما الخطورة الثانية للخطة فتكمن في انه بعد انتهاء فترة 4 او 5 سنوات يتم تنظيم استفتاء لتقرير مصير الاقاليم الصحراوية وذلك عن طريق طرح سؤال للاختيار بين الاستقلال او الانضمام الى المغرب او الابقاء على الوضع الراهن.

الا انه بعد مرور سنين طويلة على محاولة تحديد هوية الصحراويين الذين يحق لهم المشاركة في الاستفتاء، اعترف انان وبيكر في تقارير صادرة عنهما، والمرفوعة الى مجلس الامن، بأن خطة التسوية اصبحت غير قابلة للتنفيذ، وهنا طلب مجلس الامن من بيكر البحث عن حل سياسي بالتشاور مع الاطراف، فطرح بيكر الاتفاق الاطار الذي قبله المغرب كأساس للتفاوض ولكن الجزائر رفضته بعنف. وبعد ذلك طلب مجلس الامن من بيكر مراجعة الاتفاق الاطار، والاتيان بأفكار جديدة، فجاء بالخطة الاخيرة التي قبلتها الجزائر والبوليساريو ورفضها المغرب، وهي الخطة التي اقصت الجزائر من معادلة النزاع، واعطت الحكم في الصحراء خلال الفترة الانتقالية لجبهة البوليساريو.

وهو ما جعل دولا كثيرة تعتبر تحول بيكر، من شخص مهمته تسهيل التواصل بين الاطراف، الى مفاوض بدل وسيط، وهو ما اشارت اليه رسالة بنونة الى رئيس مجلس الامن، ويسعى ايضا لفرض مشروع حل غير قابل للتفاوض والمناقشة، وينفذ ايا كانت مواقف الاطراف، سابقة خطيرة، باعتبار ان ما جاء به بيكر يتنافى مع الفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة الذي يدعو الى التوصل الى حل سلمي للنزاعات بين الدول على اساس موافقة الاطراف، ويرفض فرض حل.

وسبق للمغرب أن حدد بوضوح سقف ما يمكن ان يقبله كحل نهائي وعادل لهذا النزاع الذي يعتبره مفتعلا ومفروضا من طرف الجزائر، وهذا السقف تحدد في تفويت صلاحيات واسعة لسكان المنطقة حكم ذاتي في نطاق وحدة تراب المغرب واحترام سيادته. واذا كان انان قد اعلن في تقريره الاخير انه اذا لم يوافق المغرب على الخطة فستحال العملية بكاملها الى مجلس الامن من جديد. فإن ذلك جعل كثيرا من المراقبين يعتقدون ان مهمة بيكر اصبحت في مفترق الطرق، باعتبار ان الثقة التي يفترض ان تكون قائمة بين الوسيط الدولي واطراف النزاع اصبحت موضع شكوك لا سيما من طرف المغرب، الذي يبدو انه منزعج من دور المفاوض الذي يحاول ان يلعبه بيكر باعتباره طرفا في النزاع وليس وسيطا من اجل المساهمة في حلحلته. بل ان دبلوماسيا غربيا في نيويورك قال لـ«الشرق الأوسط» إن «أزمة الثقة هي عنوان المرحلة الراهنة في علاقات المغرب مع بيكر»، باعتبار انه انحاز كليا للاطروحة الجزائرية، وهو ما تعبر عنه بوضوح محاولته فرض خطته الاخيرة على المغرب.