أرامل عراقيات نكبتهن حروب صدام يلتحقن بعمال المسطر لإعالة عوائلهن

TT

بغداد ـ أ.ف.ب: تنتظر عشرات النساء العراقيات اللواتي لا معيل لهن في ساعات الفجر الاولى في طوابير على احد ارصفة بغداد وتحت انظار المارة المستخفة ليتم اختيارهن للعمل في جمع التمور. وتنهض الارملة ايمان محمد، 37 سنة، من نومها عند الساعة الثالثة صباحا لتذهب وتقف في احد هذه الطوابير مع نساء اخريات ارامل ومطلقات لا اخوة او ابناء لهن لمساعدتهن ولا يملكن اي مورد لتأمين لقمة العيش لاسرهن. وفي صباح كل يوم تتجمع النساء بين الساعة السادسة والساعة الثامنة والنصف صباحا في مكان محدد في حي الكاظمية الذي تنطلق منه الطرقات المؤدية الى البساتين في الريف القريب من بغداد. وتبعا للفصول تعمل النسوة في جمع التمور اوالباذنجان اوالفلفل. ويقمن بهذا العمل منذ سنوات غير ان الاحساس بالمهانة اليومية لم يمح، وهن ينتظرن ساعة او ساعتين المزارع او التاجر الذي يأتي لنقلهن للعمل في حقله مقابل ثلاثة الاف دينار (1.5 دولار). وتقف فجأة شاحنة خفيفة ويترجل منها مزارع اسمه زكي علوان ويقول «احتاج الى خمس نساء». تبدأ عندها المفاوضات. ويقول المزارع «ادفع ثلاثة الاف دينار»، فترد عليه امرأة «لا بل اربعة الاف دينار». غير انه يرد «تعرفين جيدا ان هذه ليست التعرفة المعمول بها».

وفي البداية تبقى النساء متضامنات ولا يتزحزحن عن موقفهن. ويمضي بعض الوقت ثم يهم الرجل بالذهاب. فتهب امرأة اخرى للتفاوض مجددا «حسنا ثلاثة الاف دينار ومعها بعض التمر». وينهار التضامن عندها وتصعد احدى النساء الى الشاحنة تتبعها اربع اخريات. ويقول علوان، 41 سنة، «في كل صباح يتكرر السيناريو ذاته. يأتين الي ويسألنني الثمن الذي اعرضه ونتفاوض». بدرية جاسم بقيت على الرصيف، كانت تتوقع ذلك، وهي تقدر عمرها بسبعين سنة. فقد هجرها زوجها عندما كانت شابة وليس لديها اطفال. وتقول «انا طاعنة في السن ولا احد يريدني. اظل احيانا اربعة او خمسة ايام بدون عمل واعيش على الخبز والشاي. وضعي يزداد صعوبة يوما بعد يوم». وتملك النساء الاصغر سنا والاكثر قدرة على العمل فرصا اكبر من اللواتي يعانين من التعب والمرض او الكبيرات في السن. ويقول التاجر محمد حسين، 46 سنة، «نعرف من من النساء يعملن جيدا». ويؤكد «ليس في الامر اي اهانة، انهن عاملات وقد بدأن هذا العمل صغيرات على الارجح ويستمررن فيه حتى العجز». ويشير بيده الى امرأة لن يشغلها ويقول «هذه ستموت في غضون سنة». غير ان بقاء هؤلاء النسوة اللواتي يؤكدن انهن لم يعد يحصلن على المساعدة الاجتماعية التي كن يتلقونها في عهد صدام حسين، يوما واحدا من دون عمل يمثل كارثة. وتقول مريم جاسم، 50 سنة، الارملة منذ عام 1990 ان لديها ست بنات وستة ابناء عليها إطعامهم. اما صبيحة لازم، 46 عاما، فزوجها مريض واسير حرب سابق في ايران ولديها ثلاثة اطفال. وكانت بين المنتظرات مراهقة لا يزيد عمرها عن 16 سنة تعمل منذ سن التاسعة بعدما فقدت اباها ومرضت امها. وخلال فترة الانتظار يتعرضن للكثير من السخرية والشتائم من قبل سائقي سيارات او من المارة. كما يحوم رجال حولهن. وتعاني ايمان محمد، وهي ام لاربعة ابناء، من التعب بسبب العمل والقلق. وتوضح «انهض عند الساعة الثالثة فجرا وأعد الفطور للاطفال، ثم استقل سيارة اجرة للوصول الى هذا المكان وحيدة ليلا وسط خطر التعرض لاعتداء. ثمة اشخاص ينهالون علينا بالشتائم او الضرب. هذا مهين. نحن شريفات ولم يكن من عادتنا الوقوف بهذه الطريقة في الشارع. لكن ليس امامنا من خيار اخر».