استقالة اليوسفي من غمار العمل السياسي المغربي بسبب تداعيات هزيمة حزبه الانتخابية

TT

أعلن عبد الرحمن اليوسفي الامين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والوزير الاول السابق في المغرب، امس عبر رسالة الى المكتب السياسي لحزبه، أنه سيستقيل من جميع انشطته السياسية.

وفي هذه الرسالة أعلن اليوسفي انه «بعد انتهاء مسار الانتخابات في المغرب أعتبر نفسي مستقيلا من كل نشاط سياسي وايضا من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية».

ودعا اليوسفي المكتب السياسي الى تكليف امين مال الحزب تدقيق حساباته كلها.

وتأتي استقالة اليوسفي تزامنا مع اندلاع خلافات داخل قيادة الحزب ولا سيما بعد الانتخابات البلدية المنعقدة في سبتمبر (ايلول) الماضي.

وفي هذه الانتخابات، حصل الاتحاد الاشتراكي على المركز الثاني من حيث عدد المقاعد البلدية التي كسبها في كامل انحاء البلاد، لكنه فاز فقط برئاسة بلدية اكادير (جنوب البلاد) وحدها وخسر مدنا اخرى مهمة مثل الرباط.

ويتهم عدد من قادة الاتحاد الاشتراكي اليوسفي وصديقه في المكتب السياسي خالد عليوة، بأنهما المسؤولان عن الهزيمة.

لا يعرف ما اذا كان اليوسفي هو الذي اختار ام ان الظروف هي التي اختارت ان يكون آخر نشاط علني قام به قبل اتخاذ قرار التنحي هو ظهوره في جنازة رفيق دربه في الكفاح والنضال الفقيه محمد الفقيه البصري، فبالرغم من ان علاقة الرجلين اللذين ظلا يعيشان متقاربين عرفت في السنوات الاخيرة حالة من الجفاء، على اثر نشر رسالة للفقيه تعود الى عام 1974 يتحدث فيها عن كون قادة حزب «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية» ومن بينهم اليوسفي كانوا على علم مسبق بالعملية الانقلابية الفاشلة التي استهدفت قلب النظام عام 1972، الا ان اليوسفي وامام رهبة الموت نسي كل الانتقادات التي ظل يكيلها اليه رفيق دربه القديم حتى الشهور الاخيرة قبل مماته، وحمل عصا الوعظ متجها نحو مقبرة الشهداء بالدار البيضاء لتأبين آخر الحالمين بالثورة في المغرب المعاصر، ليفاجأ اليوسفي بان الشرخ اكبر من ان يردمه الثرى الذي سيرقد تحته رفيقه الى الابد. لقد صدم اليوسفي في رفيقه حيا عندما كان اشد المدافعين عن عودته الى ارض الوطن ليكون له سندا فيما كان ينتظره من مسؤوليات هيأتها له الظروف، لكن الفقيه الذي اراده اليوسفي نصيرا تحول الى اكبر منتقديه وهو على رأس الحكومة، وكانت طعنة الفقيه التي ستترك اثرها في اليوسفي الى الابد هي تلك التي تركها في وصيته التي تقصي اليوسفي من ان يكون من بين المؤبنين له، فاضطر اليوسفي الى قراءة خطاب التأبين الذي اعده داخل بيت الفقيد وليس على ناصية القبر كما جرت العادة،.

عاش اليوسفي حياته السياسية والحزبية شبه مستقيل من المناصب السياسية التي كانت تعرض عليه، فعند استقلال المغرب منتصف الخمسينات عرض عليه منصب الكاتب الخاص لولي العهد آنذاك، الامير مولاي الحسن (الملك الحسن الثاني)، وهو منصب حساس ولا شك كان سيجعل اليوسفي داخل دائرة صنع القرار الضيقة اكثر تأثيرا من وجوده داخل صفوف المعارضة التي قادته اكثر من مرة الى الوقوف امام فصيل الاعدام، عندما صدرت في حقه احكام بالاعدام، فاختار المنفى الاختياري ليقيل نفسه من العمل الميداني حتى كاد مناضلو حزبه ان ينسوا وجوده، فجاء صوته المبثوث من المنافي عبر شريط صوتي في مكبرات الصوت ليذكر المجتمعين في المؤتمر الاستثنائي لحزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» المنعقد عام 1975، بفشل خيار الثورة.

وحتى عندما سيختار اليوسفي العودة الى المغرب، فقد ظل متواريا عن الاضواء في شبه استقالة غير معلنة، او مع وقف التنفيذ. وطيلة 11 سنة منذ عودته الى المغرب عام 1981، وحتى وفاة عبد الرحيم بوعبيد زعيم الاتحاد السابق عام 1992، ظل اليوسفي مثل ظل باهت للقامة التاريخية لزعيم «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، يحمل صفة الرجل الثاني. وعندما قرر الرفاق اختيار اليوسفي لرئاسة الحزب لم يكن يحتاج الذهاب الى مؤتمر الحزب لانتزاع الشرعية القانونية، فتاريخه النضالي داخل صفوف حزبه شفع له بان يظل على رأس المكتب السياسي، وهو الذي ظل يزهد في كل المناصب.

اول امتحان سيجد اليوسفي نفسه امامه كان هو انتخابات عام 1993، وما كان سيتمخض عن نتائجها من ترتيبات تخص الحزب والمغرب، قاد اليوسفي المعركة الانتخابية بروح المقاوم القتالية وبعقيدة المؤمن الزاهد، وعندما فاجأته النتائج التي تدخلت الادارة لتكييفها في ما كانت تعد له من ترتيبات تدخل في اطار حساباتها الشخصية للمستقبل. لم ينتقد اليوسفي ما حصل ولم يصدر بيانات التنديد والاستنكار، وانما انسحب بهدوء، حزم حقيبته وعاد الى منفاه الاختياري في مدينة كان الفرنسية.

وحتى عندما قرر اليوسفي العودة كان قد وضع شروطه على الملك الراحل الحسن الثاني، فبمجرد عودته اعلن عن دستور جديد سيكون لليوسفي الدور الكبير في حمل حزبه على التصويت لصالحه لاول مرة في تاريخه، واعلن عن تنظيم انتخابات جديدة مما يعني حل البرلمان الذي احتج اليوسفي على نتائج انتخاباته. كان كل شيء ممهدا اذن امام اليوسفي لابرام تعاقده التاريخي مع العاهل الراحل الملك الحسن الثاني الذي اختاره عام 1998 لرئاسة الحكومة ليدشن اول تجربة للتناوب على الحكم في المغرب وفي العالم العربي.

وطوال رئاسته للحكومة منذ عام 1998 حتى عام 2002 سيجد اليوسفي لاول مرة نفسه معرضا لنيران النقد من كل جهة، حتى الرفاق لم يبخلوا عليه بالنقد ومع ذلك ظل محافظا على هدوئه يرى في نفسه المسيح الذي جاء لانقاذ البلاد. ولاول مرة ايضا سترتفع الاصوات مطالبة اليوسفي بالاستقالة، ونظمت الاحتجاجات امام بيته، لكنها لم تجد لها صدى عند الرجل الذي ظل يعيش برئة واحدة زاهدا في الحياة وفي المناصب والالقاب.

وفي منتصف الطريق سينفجر في وجهه حزبه الذي انشطر الى حزبين في اول وآخر مؤتمر يعقد تحت رئاسة اليوسفي لقد منحه المؤتمر السادس لحزبه الشرعية القانونية التي كان خصومه داخل الحزب يحاججونه بانعدامها، لكنه افقده الكثير من شرعيته الشعبية عند جماهير حزبه، ومع ذلك ظل يحتفظ برصيده الرمزي كقائد تاريخي لحزب تاريخي، سيحتسب له عندما يتولى المؤرخون كتابة التاريخ.

خرج اليوسفي ضعيفا من مؤتمر حزبه السادس وخاض انتخابات 2002 كفارس جريح يرفض الترجل، وعندما اطمئن الى رئاسة الحكومة التي مرس قيادتها، كانت المفاجأة بالاستغناء عن خدماته مثل «الصفعة» كما وصفت ذلك بعض الصحف المحلية،