مصر : السحابة السوداء تكتم أنفاس القاهرة وتشعل معارك بين الوزراء للعام الخامس على التوالي

TT

في مثل هذا الوقت من كل عام، ومنذ حوالي 5 سنوات، يعاني سكان القاهرة والمحافظات القريبة منها من سحابة سوداء تخيم على سمائها، وتكتم أنفاس كل قاطنيها، مما يدفع مرضى حساسية الصدر الى الهروب من القاهرة. وقالت مصادر صحية ان كل يوم تبقى فيه السحابة السوداء جاثمة على صدر سكان القاهرة يصاب شخصان من سكانها بالسرطان، ويصاب مئات آخرون بضيق تنفس وضعف في الذاكرة.

وبدأ الظهور الاول للسحابة السوداء، حسب تقرير لوزارة البيئة يوم 19 أكتوبر (تشرين الاول) عام 1999، وإن كان البعض يؤكد ان ظهورها قد بدأ في عام 1991، ولم يستطع الخبراء وقتها معرفة أسبابها. ولكن مع تكرار ظهورها في موعد ثابت ولفترة أطول (حوالي ثلاثة أسابيع) بدأت دراسة الظاهرة وتحليلها على اساس علمي. واتضح ان أسبابها كثيرة ،اولها حرق قش الأرز، وحطب القطن، وعوادم السيارات، وغبار مصانع الأسمنت في حلوان، وورش شبرا الخيمة ومسابك الصلب والحديد، والمناطق العشوائية ومكامير الفحم، ومقالب القمامة. ومعلوم أن حجم قمامة القاهرة يبلغ 12 مليون طن كل يوم، يتم التخلص من 7 ـ 8 ملايين طن بطريقة علمية، والباقي يتم التخلص منه بطرق مضرة بالبيئة.

هذه الأسباب وغيرها التي تقف خلف السحابة السوداء وضعت وزراء الزراعة والصناعة والصحة والبترول والداخلية والتنمية المحلية،والمحافظين وبعض كبار المسؤولين في قفص الاتهام أمام الرأي العام، خاصة مع اهتمام الاعلام بالظاهرة، واعلان خبراء الصحة أن مخاطرها تشمل الجميع. وبدورها، وتحت ضغط الرأي العام قررت الحكومة عدم الاكتفاء بجهاز البيئة الذي كان يتبع مجلس الوزراء، وانشأت وزارة جديدة للبيئة في عام 1997 وأسندت حقيبتها إلى نادية مكرم عبيد والتي خاضت حروباً ضروساً في كل الاتجاهات من أجل هواء أنظف وأكثر صحة لسكان القاهرة، واصطدمت بعدد من الوزراء والمسؤولين. وكانت نتيجة الصدام إقالة نادية مكرم عبيد في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2001 دون اعلان أسباب واضحة.

وبعد عبيد تولى ممدوح رياض وزارة البيئة، لكنه تعلم الدرس من (رأس الذئب الطائر) فأصر على التعامل مع السحابة السوداء بدبلوماسية، واعلانه المتكرر ان الوزارة فعلت كل ما في وسعها في ظل عدم حصولها على سلطة تمكنها من محاسبة مخربي وملوثي البيئة، واقتصار دورها ومسؤوليتها في التنسيق بين الوزارات المعنية والجهات المختلفة.

اما نادية مكرم عبيد، التي تعلمت الدرس بعد خروجها من الوزارة، فقالت عندما سألتها «الشرق الأوسط» عن السحابة السوداء: «حالياً لا علاقة لي بملفات البيئة، ويشغلني ملف السودان باعتباري ممثل الأمين العام لجامعة الدول العربية لشؤون السودان، واسألوا الوزير الحالي ممدوح رياض». ثم أثنت عليه وعلى نشاطه وسكتت.

واخيرا ارتاحت الحكومة لتوزيع المسؤولية أو تفريق دم السحابة السوداء على الوزارات المختلفة، رغم تأكدها أن الحل هو تجميع سلطة الحفاظ على البيئة في يد وزارة واحدة هي وزارة البيئة الموجودة اسماً وليس فعلاً، ولا عزاء لـ17 مليون مواطن يعانون في القاهرة من السحابة السوداء التي تزكم أنوفهم وصدورهم مع بداية مجيء فصل الشتاء بنسماته الباردة. وكانت لجنة الصحة بالبرلمان المصري قد شهدت أمس مشادات كلامية وتراشقاً بالألفاظ بين النواب وممدوح رياض وزير البيئة حول ظاهرة السحابة السوداء. وطالب عضو البرلمان زكريا عزمي الحكومة باعلان فشلها في القضاء على السحابة السوداء التي «هزمت الحكومة بالضربة القاضية». واضاف: «خناقات المسؤولين وتضارب تصريحاتهم حول أسباب الظاهرة أدى الى أن منظر الحكومة أصبح سيئا أمام المواطنين، بل ان المسؤولين «وقعوا في بعض» بدلا من حرصهم على المسؤولية «التضامنية»، وتساءل: «من المسؤول عن السحابة السوداء؟ وهل يمكن القضاء عليها بعد أن تسببت في خسائر صحية واقتصادية؟». وقال: «أصبحنا لا نساوي شيئا أمام المواطنين بسبب الفشل في القضاء على السحابة». وطالب عزمي بإلغاء وزارة البيئة، وانفاق مخصصاتها على جمعيات تحسين البيئة واضاف: «إننا صمنا يوما مقدما في رمضان الحالي بسبب حجب السحابة السوداء لهلال رمضان».

ودخل النواب في مشادات كلامية مع وزير البيئة في حضور محافظي القاهرة والقليوبية عبدالرحيم شحاتة وعدلي حسين، وأكد الوزير انه لا يمكن العلاج بدون تحديد الأسباب. وقال طلعت عبد القوي وكيل لجنة الصحة ان السحابة السوداء تسببت في ذعر المواطنين، وتطاولهم على النواب واشار الى وجود 13 سببا للسحابة السوداء آخرها حرق قش الأزر. ونفى محافظ القاهرة مسؤولية محافظته عن ظهور السحابة السوداء، وطالب باقي زملائه من المحافظين بمراجعة تصريحاتهم. وقال ان الحكومة مسؤولة عن هذه المشكلة، ودعاها لتقديم حلول جذرية للمشكلة.

وأعلن رئيس هيئة الارصاد الجوية ان الجو بريء من السحابة السوداء فهو يؤثر في تقليل أو زيادة تأثيرها ولا توجد لدينا القدرة على تحديد اسباب السحابة السوداء، كما لا نستطيع التنبؤ بموعد ظهورها وهي تتركز فقط في مصر والاحتباس الحراري لا علاقة له بها.