الأميركيون يرون أن مهمة قواتهم في العراق لم تنته بعد و يخشون تزايد عدد القتلى وبعضهم يتخلى عن اعتبار الحرب جديرة بالتأييد

TT

تزداد تكلفة الاحتلال في العراق في الارواح والنفقات، وهو ما يتسبب في انكماش التأييد للحرب والثقة في الرئيس الأميركي جورج بوش داخليا.

وقد اعلن البنتاغون أول من أمس ان عدد القتلى الاميركيين في عمليات عسكرية في العراق منذ اول مايو (اليوم الذي وقف فيه بوش في السفينة الحربية «يو اس اس ابراهام لينكون» ليعلن «انتهت المهمة») يتعدى الرقم الذي قتل خلال العمليات الحربية ذاتها.

ومنذ احداث العنف قبل 6 اشهر عندما تم اسقاط تمثال لصدام حسين في قلب بغداد، فإن اكثر من ربع الاميركيين الذين ايدوا خوض الحرب قد غيروا رأيهم. وانخفض معدل التأييد للحرب في 9 ابريل الماضي من 67 في المائة الى 54 في المائة في استطلاع اجري في عطلة الاسبوع الماضي.

وتبين ان تأييد الحرب قد انخفض بأعلى نسبة بين بعض الناخبين الذين يمثلون اهمية بالنسبة لقدرة الرئيس للحصول على الدعم لسياسته واعادة انتخابه في العام القادم، طبقا لتحليل مجلة «يو اس ايه توداي». وانخفض الدعم اكثر بين الرجال اكثر من النساء، بالرغم من ان الرجال اكثر دعما، بصفة عامة، للعمليات العسكرية. كما ان الانخفاض في الدعم كان اكثر وضوحا بين الذين تصل اعمارهم الى 65% او اكثر بالمقارنة بالذين تقل اعمارهم عن 30 سنة، وهو المجموع العمري الذي يحمل عبأ الخسائر في الحرب. والمعروف ان متوسط عمر ضحايا العمليات الحربية هو 27 سنة بالنسبة لكاري براسفيلد، 47 سنة، الذي شارك في حرب فيتنام فقد كانت الحرب امرا شخصيا، فقد قتل ابنه ارتيموس وهو سائق دبابة في الاسبوع الماضي في هجوم بالهاون في سامراء بالعراق وقال براسفيلد «لقد مات من اجل وطنه وهو امر نبيل. الا انه لدي تحفظات بخصوص منطق الحرب. فجنودنا يجري التقاطهم واحدا بعد الاخر. المفروض ان الحرب انتهت». ما هو حجم التضحية المفروض ان نبذلها من اجل حرية العراق؟

ولفت انتباهه، بالاضافة الى الضحايا، قرار النفقات المادية في العراق وافغانستان الذي وقعه الرئيس بوش في الاسبوع الماضي. وقال «87 مليار دولار مبلغ يمكن استخدامه هنا. واتعجب عما اذا كان قادتنا قد خدعونا ولا يمكنهم الاعتراف بذلك». غير ان الجميع لا يوافقون على ذلك بالطبع. فقد اكد 83% من الجمهوريين ان الحرب مستحقة بالمقارنة بـ49% من المستقلين و25% من الديمقراطيين. ويؤيد الحرب 75 في المائة من المحافظين.

وقالت كاري برابيك، 30 سنة، وهي ربة بيت من سانتا كلوس بولاية انديانا «اعتقد ان الامر كان ضروريا ضد شخص يلحق الكثير من الضرر بكثير من الناس ـ ليس من الاميركيين فقط ـ وكان سيلحق المزيد من الاضرار. اشعر بوجود الكثير من الناس في ذلك البلد الذين يعيشون الان حياة افضل وبدرجة اقل كثيرا من الخوف مع مرور الوقت. وهو ما يجعل الحرب جديرة بالتأييد.

وذكر البنتاغون ان 116 جنديا قتلوا في المعارك منذ اول مايو، وهو ما يتعدى 115 قتلوا خلال الحرب. وتبين ان 10 في المائة من الضحايا من الحرس الوطني التابع للجيش ومن وحدات الاحتياط بينما قتل 102 في حوادث وانتحارات منذ نهاية الحرب بالمقارنة بـ24 حالة وفاة غير قتالية خلال الحرب ويبلغ العدد الاجمالي للضحايا الى 355 رجلا: 138 خلال الحرب و 217 بعد انتهاء الحرب.

وتشير التقاليد المرعية إلى أن كفة القضايا الداخلية، بالنسبة للأميركيين، ترجح على كفة القضايا الخارجية، عندما يتعلق الأمر بالخيارات الحاسمة. ولكن الوضع العراقي هو الذي يهيمن حاليا على عناوين الأخبار وعلى البيت الأبيض. وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده يوم أول من أمس، تلقى الرئيس بوش 12 سؤالا حول العراق في مقابل 10 اسئلة حول المواضيع الأخرى، ولكنه لم يتلق سؤالا واحدا حول الاقتصاد. وقال: «هذه البلاد ستواصل مسيرتها. ونحن سنقوم بواجبنا وننفذ مهمتنا. فنحن لدينا الإستراتيجية الصحيحة». ولكن نغمته كانت دفاعية في بعض الأحيان. فعندما سئل عما إذا كان يستطيع طمأنة الشعب الأميركي بأن عدد القوات الأميركية في العراق، سيكون اقل العام المقبل، قال إن هذا «سؤال خادع» ورفض الإجابة عليه. ولكن المخاوف التي يشعر بها الناس حول تكلفة المشكلة العراقية من حيث الأنفس والأموال، افسدت ما كان يعتبر من قبل نقاطا سياسية واضحة لصالحه. ففي استطلاع جرى في أبريل كانت نسبة الأميركيين الذين قالوا إنهم أصبحوا أكثر ثقة في قيادة بوش ومقدرته على النجاح في الجبهات الأخرى، بعد الحرب ونتيجة لها، 43% إلى 15%. ولكن نسبة الذين قالوا أنهم أصبحوا اقل ثقة ببوش بعد الحرب، كانت 40% إلى 27% وذلك في آخر استطلاع أجري حول هذه المسألة.

واعترف استراتيجي جمهوري على صلة بحملة بوش ـ تشيني أن آراء الناخبين حول بوش وحول الحرب قد تغيرت. وقال مشترطا عدم الكشف عن هويته: لا اعتقد أنها أصبحت عبئا ثقيلا. ولكنها في الأشهر الأخيرة انخفضت من العلو الشاهق الذي كانت قد وصلت إليه».

وجمعت صحيفة «يو إس إيه توداي»، نتائج ثلاثة استطلاعات للرأي جرت في أبريل (نيسان) الماضي، وثلاثة اخرى جرت في هذا الشهر والشهر الماضي، لتحديد الكيفية التي تغيرت بها المواقف حول الحرب. وكما هو متوقع فقد انخفض التأييد بين الديمقراطيين بنسبة 20% وبـ21% بين الليبراليين. ومن المدهش أن النسبة انخفضت وسط الرجال بمعدل 21 نقطة، بينما انخفضت بمعدل 16 نقطة فقط وسط النساء. وكان كريس بيكون، 54 سنة، مدير المبيعات والتسويق لشركة طباعة بأتلانتا، من أولئك الذين غيروا مواقفهم. وقال بيكون، الذي استطلعت آراؤه الأسبوع الماض يبعد 11 سبتمبر 2001، اعتقد أن قضية الأمن كانت من القضايا الهامة وكنا نتلقى تقارير بأن العراق متورط في الإرهاب والاسلحة البيولوجية. وبناء على تلك المعلومات وفي خضم تلك الأجواء، كانت الحرب مبررة. ولكن ماذا عن الوضع الحالي؟ عندما لم نجد سلاح الجريمة، صرت اشعر بأن المسالة لم تكن تستحق، نسبة للأرواح التي فقدناها والأموال التي سننفقها في إعادة البناء. وقال بوني أنسنغر، 40 سنة، من بيدفورد، وهو مسؤول حمية «موقفي يتسم بالتردد فيما يتعلق بالحرب. لست واثقا مما إذا كانت تستحق أن تخاض. أعني أنني سعيد لأن صدام لم يعد في السلطة حاليا، ولكن...». أما إليزابيث جونز، 62 سنة، من ماديسون، ولاية وسكنسون، فقد تبددت شكوكها بعد قصف مقر الصليب الأحمر ببغداد يوم الإثنين. وقالت إنها لا تعتقد أن الولايات المتحدة قادرة على حل النزاعات الإقليمية. «لا أعرف ما إذا كنا قادرين على حل هذا النزاع في أي يوم من الايام».

وقدر الذين استطلعت آراؤهم أن حجم الضحايا في الحقيقة ضعف المعدل اليومي المعلن حاليا وهو 4 في الأسبوع. ولكن حتى عندما كشفت لهم النسبة الحقيقية التي كانت أقل من هذا المعدل، قال 53% أن هذه النسبة غير مناسبة للعراق. وحتى الأقلية التي قالت أن المهمة مبررة كانت تعبر عن الضيق وتقول أن هذه النسبة يمكن أن تكون مقبولة فقط خلال عام واحد أو اقل من العام.

* خدمة «يو إس إيه توداي» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»