الإقبال على الفول في رمضان بالسعودية.. إشاعة.. والازدحام ساعتان فقط

باعة الفول: نبيع نفس الكمية والإقبال في رمضان ينحصر في وجبة الإفطار فقط

TT

في الخامسة عصراً من كل يوم يسارع العم «أبو سالم» بجسده النحيل، الخطى نحو «الفوال» الذي يقع على زاوية الشارع حتى يضمن لنفسه مكانا مناسباً وسط الزبائن المتدافعين حتى يحصل على نصيبه من الفول ليعود إلى منزله غانماً سالماً لأن المائدة الرمضانية لا تكتمل بدون طبق الفول الساخن كما يقول.

وكل ما يخشاه العم أبو سالم، في سعيه للحصول على طبقه المفضل، هو التدافع غير المبرر من قبل محبي هذه الوجبة خاصة مع اقتراب موعد الإفطار، فهو بالكاد يدفع «بزبديته» البيضاء نحو الأمام ليجد نفسه قد تحرك خطوتين نحو الخلف، ليعاود الكرة مرة أخرى وهكذا حتى يحوز في الأخير على مبتغاه، ليبدأ مشوار العودة نحو البيت ليأخذ الفول الذي تكبد من أجله كل هذا المشاق مكانه الطبيعي بين الأصناف الرمضانية العامرة.

وفي عالم الفول والفوالين أسماء وقصص، فهناك من «الفوالين» من يعتز بجودة سلعته فيكتب على لوحة وراء ظهره حيث يجلس خلف (جرته) «إذا فاتك الفول.. أنا غير مسؤول» وذلك للدلالة على الإقبال الكبير على محله الصغير خاصة إذا ما هل رمضان. وبسؤاله قال: «كتبتها وأنا على يقين أن البعض سيعتب إذا ما فرغت الجرة من الفول، وإن كنت كتبتها على سبيل جذب الانتباه، وأيضا بغرض الإعلان عن سلعتي». وفي مدينة جدة مثلاً، هناك محال حافظت على مكانتها على مر السنين، منها على سبيل المثال فوال «الغامدي» و«القرموشي» و«الأمير» و«بانعمة» و«القشقري» و«أبو شقرا» و«أبو عباس» حتى أصبحت هذه الأسماء من الماركات المسجلة في عالم الفول، ولكن حتى هذا النشاط لم ينج بدوره من الدخلاء حتى انتشرت هذه المهنة انتشارا واسعاً بين الأحياء والأزقة كانتشار خطوط الماء والكهرباء حيث تجد في الشارع الواحد أكثر من عشرة محال.

ويقول وليد الغامدي مالك محلات الغامدي للفول، «تأسس محلنا في مكة المكرمة عام 1941 وأننا على مدى السنوات قد اكتسبنا شهرة واسعة تعدت حدود مكة المكرمة قبل أن ننقل نشاطنا إلى جدة قبل سنوات قليلة» ويضيف «لدينا عملاء وزبائن معروفون يرتادون محلاتنا منذ زمن طويل ولا يرضون بديلاً عن ما نقدمه من طبق فول ونحن لسنا وحدنا من نتمتع بهذه السمعة في عالم الفول، فهناك أسماء معروفة إذا استثنينا الأولوية». ويتابع قائلا «في الفترة الأخيرة دخل المهنة أناس أفسدوا كل شيء واصبحوا يتاجرون بأسمائنا فالغامدي مثلا ـ والحديث ما زال لوليد ـ يمتلك فقط فرعين في جدة، ولكن في الواقع تجد العشرات من المحال التي تحمل نفس الاسم».

وقال «ان من يشاهد التزاحم في محلات الفول خلال شهر رمضان يعتقد بأننا نجني أضعاف مضاعفة ما نجنيه في الأيام العادية، وهذا غير صحيح لان ما تغير هو التوقيت فالزبون الذي كان يتناول وجبة الفول صباحاً أو المساء تجد إقباله انحصر في ساعة أو ساعتين قبل موعد الإفطار، وهذا يترك انطباعا لدى المشاهد بأن هناك ازدحاما وتزاحما في محلات الفول وبالتالي هو اعتقاد خاطئ».

وتشهد الفترة التي تفصل بين صلاتي العصر والمغرب تزاحما وتدافعاً نحو «جرة الفول» وغالباً ما ينجم عنه إغلاق كامل للشارع الذي تقع فيه محلات بيع الفول وخاصة الشهيرة منها أمام السيارات العابرة كما يحدث بين حين وآخر تلاسن واشتباك محدود بالأيدي بين الصائمين، مما يستدعي أحياناً تدخل أفراد الشرطة لفض تلك الاشتباكات وفتح الطريق أمام السيارات العابرة.

والفول هو عبارة عن ثمرة نباتية هي نفسها في كل مكان وزمان، ولكن ما يميز فوال عن آخر هو طريقة التحضير، فالغامدي مثلا له طريقة في التحضير والآخرون لهم أيضاً طريقتهم الخاصة، وهكذا ولكن في النهاية الفول هو نفسه ومكوناته هي نفسها تقريباً وهي لا تتعدى الملح والكمون والسمن البلدي أو زيت الزيتون.

ولم يعد هذا الطبق وجبة شعبية تقدم فقط من خلال المطاعم المتواضعة كما درجت عليه العادة، فقد أصبح يقدم في أفخم الفنادق وأرقى المطاعم وبنفس الاسم من دون أن تطاله «العصرنة» التي أصبحت تشمل حتى أسماء المأكولات وجعلها تتماشى مع الزمان والمكان، وهنا يعلق وليد بالقول «حبات الفول هي نفسها من قديم الزمان، وأن ما يقدم في الفنادق الكبرى والمطاعم الراقية لا يختلف عما نقدمه إلا في الديكور الذي يميز بين فخامة هذا المطعم وتواضع الآخر. من جانبه، يقول إبراهيم العلي ـ موظف ـ «طبق الفول شر لا بد منه على مائدة رمضان، وأقول هذا لأنني أعاني بعد تناولي له من الحموضة الزائدة وبعض الاضطرابات في المعدة، إلا أنني تعودت وجوده على المائدة خاصة في شهر رمضان، كما أن مظهره وهو يتوسط المائدة التي تعج بمختلف الأصناف يعطيها رونقاً خاصاً قلما تجده إلا في مثل هذه الأيام من كل عام.

ويضيف «ينتابني إحساس خاص وأنا أقف وسط الحشد المتدافع في شهر رمضان للوصول إلى «جرة الفول» ولكنني اعتقد أنه إحساس يختلف كلياً عن باقي الأيام، فأنا أتحمل ما أتحمله من أجل الحصول حتى على القليل منه لأنه أصبح عندي عادة لا يمكن التخلص منها بسهولة رغم محاولاتي المتكررة للأسباب نفسها.

وقال «لطبق الفول مذاق خاص إذا قدم ساخناً مع نوع خاص من الخبز وهو «التميز» أو «الشريك» والخبز البلدي «الأسمر» ويقول «للفول أهمية خاصة على المائدة الرمضانية ليس في جدة فقط بل في مختلف المدن السعودية، وهناك طرق مختلفة لإعداده حيث يفضل البعض إضافة أنواع مختلفة من البهارات والفلفل الحار وقليل من السلطة وزيت الزيتون، والسمن البلدي الذي يعطي نكهة خاصة».