خبراء أميركيون غربيون: إعلام سلطة التحالف في بغداد أداة ترويج دعائية لا تختلف عن أدوات صدام

رئيس «شبكة إنترنيوز» يصف «شبكة الإعلام العراقية» بانها «أسوأ فوضى شاهدتها في كل حياتي»

TT

دأب بول بريمر رئيس الإدارة المدنية لقوات التحالف في العراق خلال الأسابيع الأخيرة على الظهور كل خميس وجمعة عند الساعة السابعة مساء على شاشة قناة شبكة الاعلام العراقية (اي. ام. ان) الممولة من البنتاغون ليوجه رسالة مسجلة الى الشعب العراقي حول ما يحدث في بلدهم.

وتشبه الخطابات المدبلجة بالعربية كثيرا خطابات الرئيس الاميركي جورج بوش التي توجَّه كل سبت عبر الراديو حسب غاري ثاتشر المنتج السابق في محطة «سي بي أس» التلفزيونية الاميركية والذي يشرف حاليا على الاتصالات الاستراتيجية لصالح الإدارة المؤقتة لقوات التحالف في العراق. يقول ثاتشر «علينا أن نرسي نموذجا في الصحافة هنا وفق التقاليد الغربية». لكن الامر مختلف بالنسبة للعراقيين، اذ تذكِّرهم خطابات بريمر بالظهور المتكرر للرئيس المخلوع صدام حسين في السابق كما يقول مختصون عراقيون وأميركيون في مجال الإعلام بعد دراستهم لما تبثه شبكة الإعلام العراقية. ويقول مسؤولون في دائرة شؤون العالم التابعة للـ«بي بي سي» البريطانية ان العراقيين لا يرون هذه المحطة كواسطة للتعبير الحر بل «كلسان حال سلطة التحالف المؤقتة».

وفي خطاب الأسبوع الماضي الذي سبق رمضان ظل بريمر يشير مرارا إلى صدّام حسين باسم «الشرير». وقال في خطابه للعراقيين «يجب ألا تفقدوا الأمل لأنكم عشتم مع شرير مثله». وقال بريمر في موقع آخر من خطابه «أيها الشعب العراقي الذي كان على الشرير أن يحميه، لكنه قام بدلا من ذلك بتعذيب أبنائه وقتلهم.. أيها الشعب العراقي الذي كان من المفترض على الشرير أن يطعم أبناءه لكنه بدلا من ذلك جعلهم يتضورون جوعا».

وقال فلينت ليفيرت المحلل السابق في مكافحة الإرهاب في وكالة المخابرات المركزية (سي. آي. ايه) والذي عمل في مجلس الأمن القومي ويعمل حاليا في معهد بروكينغز للدراسات الاستراتيجية إن بريمر «يستعمل رموزا دينية وثقافية لكن من الواضح أنه يلجأ بذلك إلى نوع من الدعاية السياسية، التي على الرغم من إنها ليست شيئا غير مناسب، إذ توجد حرب قائمة هناك، الا انه يقوم بذلك بطريقة مكشوفة جدا».

وتعدّ وجهة النظر هذه والتي ترى في شبكة الإعلام العراقية أداة للدعاية السياسية، واحدة من المفارقات ضمن مساعي الولايات المتحدة لخلق عمل إعلامي عراقي حر من الحطام الذي خلَّفته وزارة إعلام صدام حسين.

فهذه الشبكة الإعلامية الغرة التي احتلت محطات التلفزيون والراديو التي خلفها النظام السابق تصدر عنها أيضا جريدة «الصباح» التي يوزَّع منها يوميا 60 ألف نسخة على المستوى الوطني وهي تصدر من نفس الموقع الذي كانت تصدر منه جريدة «بابل» التي كان يملكها عدي صدام حسين. ومنذ الربيع الماضي تم التعاقد مع إدارة لهذه المؤسسات الإعلامية عن طريق «المؤسسة الدولية لتطبيقات العلوم» (أس أيه آي سي) التي يقع مقرها في سان دييغو، وتبلغ قيمة العقد 40 مليون دولار إضافة إلى الميزانية على الرغم من أن هذه المؤسسة ليس لديها خبرة في تطوير العمل الإعلامي. بالمقابل يشرف على عمل هذه المؤسسة مكتب وزارة الدفاع الأميركية المتخصص في عمليات الحرب السيكولوجية أو «بسيوبس». وفي الفترة الأخيرة عُرفت هذه الشبكة الإعلامية باسم «بسيوبس (التي تعيش) على هرمون الستيرويد» من قبل بعض الدوائر في البنتاغون لأنه تم تخصيص مبلغ اضافي بقيمة 100 مليون دولار لها كان ضمن الفاتورة التي طرحت على الكونغرس لمنح هذا المبلغ لمن يفوز بعقد العمل الجديد الذي سيبدأ في يناير المقبل لخلق عملية إعلامية «بمستوى عالمي رفيع».

وتتنافس على هذا العطاء ثلاث وعشرون منظمة إعلامية من ضمنها «المؤسسة الدولية لتطبيقات العلوم» التي تشرف هي الآن على شبكة الإعلام العراقية. كذلك ستجتمع في بغداد الشهر المقبل بعض المنظمات الصحافية الأميركية وغير الأميركية لمناقشة المخططات الهادفة إلى إعادة صياغة المشروع الإعلامي العراقي جذريا.

وتجدر الإشارة إلى أن وضع الإعلام في أفغانستان مختلف عن نظيره في العراق، إذ استعملت الأموال الممنوحة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومن منظمات خيرية لتطوير محطات محلية خارج السيطرة الحكومية، حسبما قال ديفيد هوفمان رئيس «شبكة انترنيوز» المنظمة غير الربحية التي ساعدت على تطوير إعلام منفتح في 45 بلدا منذ 1992. وقال إن شبكة الإعلام العراقية «هي أسوأ فوضى سبق لي أن شاهدتها في كل حياتي».

ويمكن القول إن جذر الأزمة التي تعاني منها شبكة الإعلام العراقية هو انها تروج لأهداف الولايات المتحدة بينما هي تسعى الى تقديم نفسها كبديل عن الإعلام العربي الذي ينزع لانتقاد الولايات المتحدة.

وقال أحد المساعدين الكبار في الكونغرس، وهو على معرفة جيدة بالبرنامج، «إنهم بحاجة إلى استخدام أسلوب الحرب السيكولوجية لإيصال رسالتهم، وفي الوقت نفسه يزعمون أنهم يريدون خلق إعلام محلي مستقل، وهذا ما يجعل الهدفين متعارضين».

وتعكس الأدوات المستعملة لتحقيق هذه الأهداف مفارقة من قبيل ان تصمم وكالة والتر ثومسبون الإعلانية والتابعة إلى مؤسسة «نيويورك تايمز» الصحافية رمزا جديدا وبيانات وجدول برمجة لشبكة إعلامية ذات كوادر وموجات بث إذاعية مماثلة لما لتلك الشبكة التي كانت قائمة في وقت صدام حسين.

وقال عراقي يعمل مع الفريق البريطاني الذي يقوم حاليا بتدريب الصحافيين خارج بغداد إن «شبكة الإعلام العراقية» هي «أكبر مصدر للإعلام عن الخدمات وعن أوقات منع التجول التي تقوم بها سلطة التحالف المؤقتة. لكنها تسيَّر من قبل الكثير من الكوادر السابقة التي تتميز بعقلية الماضي».

أما البريطاني تشارلز هيتلي المتحدث باسم سلطة التحالف المؤقتة في شبكة الإعلام العراقية فقال عبر اتصال هاتفي معه إن «هناك نقاشا دائما بأن هناك تعارضا بين هدفينا. لكننا ببطء شديد سنقوم بتطويرها إلى صوت مستقل يُشاهد ويُسمع ويُحَب».

ويتعين على شبكة الإعلام العراقية أن تتحرك بسرعة إذا كانت تريد مواجهة التغطية الانتقادية للجهود الأميركية وقوات التحالف في العراق من قبل المحطتين الفضائيتين العربيتين: «الجزيرة» و«العربية». إذ لدى 35% من البيوت العراقية أجهزة استقبال للفضائيات كانت ممنوعة أثناء حكم صدام حسين والعدد يتزايد حاليا بسرعة. وفي استطلاع أخير للرأي العام اتضح أن العراقيين يفضلون بنسبة 2 إلى 1 اختيار قنوات عربية على قناة «شبكة الإعلام العراقية». في الوقت نفسه اقامت إيران محطة قوية لاعادة ارسال البث التلفزيوني على حدودها مع العراق ويمكن الآن استقبال قناة «العالم» الإيرانية في بغداد.

وعبر مقابلة هاتفية من العاصمة العراقية قال ثاتشر إن أخبار «شبكة الإعلام العراقية» يديرها محرر تنفيذي كان يعمل في محطة «سي أن أن انترناشونال» وأشار إلى ان التطبيقات المتبعة تتوافق مع الأسلوب الأميركي، وقال «نحن نعطي كادر هذه الشبكة تسهيلات خاصة «للوصول إلى مؤتمرات سلطة التحالف المؤقتة الصحافية ولكننا لا نخبرهم كيف يغطونها». وقال إن أعضاء مجلس الحكم المؤقت الذين سيكونون مرشحين لتسلم الحكم متى ما جرت الانتخابات قد تم تحذيرهم من «أنه من غير المناسب بالنسبة لهم أن يسيطروا على التغطية الإعلامية». وقال ثاتشر أيضا إن «البنتاغون كمؤسسة لم يسع الى أن يؤثر على محتوى البرامج منذ أن وصلت إلى هنا».

لكن آخرين يقولون بعد أن درسوا الوضع إن العملية التي يسيِّرها ثاتشر بدأت تفرض سيطرة أكثر على المحطات الثماني عشرة المحلية التي تديرها «شبكة الإعلام العراقية». وتبث الشبكة المركزية 18 ساعة كل يوم وهذا يتضمن ساعتين ونصفاً مخصصة للأخبار كقطعة واحدة. وليس هناك سوى 30 دقيقة مخصصة لتغطية الأخبار المحلية وكل البرامج يجب الموافقة عليها في بغداد.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»