خبير فرنسي: الأميركيون يواجهون طريقا مسدودا في العراق..

TT

اعتبر باسكال بونيفاس رئيس معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس ان الاميركيين «وصلوا عسكريا الى طريق مسدود» في العراق وان المأزق الذي انزلقوا اليه «لا مخرج منه الا بتغيير النهج السياسي». وقال بونيفاس، وهو خبير استراتيجي في حديث لـ«الشرق الاوسط» ان «الاجندة الانتخابية للرئيس الاميركي جورج بوش تمنعه من سحب القوات الاميركية في العراق مهما كانت الخسائر التي يمكن ان تمنى بها» ورأى ان الانسحاب الاميركي تحت ضغط الهجمات المناوئة «سيكون بمثابة هزيمة سياسية واستراتيجية» لواشنطن كما انه «سيطيح المصداقية الشخصية» للرئيس بوش.

لكن بونيفاس اعتبر ان من المغالاة تشبيه الوضع العراقي الحالي بفيتنام. وبالمقابل، اعتبر ان الضحية الاولى لما يحصل في العراق هو مفهوم الحرب الوقائية الاميركية. وبرأيه ان سورية وايرن لم تعودا مهددتين عسكريا من قبل واشنطن.

* كيف تقرأ تصريحات الرئيس بوش الاخيرة التي اكد فيها ان القوات الاميركية «لن تهرب من العراق»؟

ـ من الواضح ان الرئيس بوش لا يستطيع في كلامه عن العراق التعبير عن القلق او الشك بخصوص العمليات العسكرية وهو الوضع الامني في العراق. ولا يمكن الا ان نعبر عن الدهشة ازاء التفاؤل الاعمى والطوعي الذي يميز تصريحاته، علما ان الصورة التي يسعى الى ابرازها تتناقض تماما مع الوضع الميداني ومع الحقيقة العراقية الراهنة. وازاء هذه الصور، ثمة فرضيتان; اما ان الرئيس بوش لا يستوعي في العمق حقيقة الصعوبات التي تواجهها القوات الاميركية في العراق او انه يسعى فقط للقيام بعملية «علاقات عامة» لاغراض محض داخلية، وكلا الامرين مصدر قلق كبير.

* هل يمكن توقع انسحاب مبكر من العراق بفضل تزايد الخسائر البشرية الاميركية هناك؟

ـ لا يمكن ان نستبعد شيئا في المطلق. غير انه من الواضح ان الانسحاب من العراق، قبل نقل السلطة وضمان استقرار الوضع في هذا البلد، سيكون بمثابة هزيمة اميركية عسكرية واستراتيجية، وستكون له نتائج كارثية على مصداقية الولايات المتحدة ليس في الشرق الاوسط والعالم العربي وحده وانما في العالم اجمع. فضلا عن ذلك، فانه سيضرب مصداقية بوش الشخصية في هذه الفترة الانتحابية. وفي رأيي، ان الاجهزة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة ستمنع بوش من الانسحاب مهما كانت الخسائر التي تمنى بها قواته.

* ولكن ثمة دبلوماسيين وخبراء لم يعودوا يستبعدون مثل هذا الاحتمال رغم اهمية العراق النفطية والاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية؟

ـ كما قلت سابقا، علينا ألا نستبعد اي سيناريو في المطلق. واحد السيناريوهات ان يصبح العبء العراقي ثقيلا جدا حتى على العملاق الاميركي، مما يدفع الى انسحاب القوات الاميركية ولكن اريد ان اؤكد ان مثل هذا الانسحاب سيكون بمثابة الكارثة ليس فقط بالنسبة لواشنطن وانما ايضا للعراق وللمنطقة كلها. فثمة فرق كبير بين مغادرة العراق بعد اعادة السلطة الى العراقيين وبين تركه على عجل وبشكل فوضوي.

* هل هناك عقبة اذا ما تم اجتيازها تجعل الانسحاب الاميركي امرا واردا خصوصا لجهة ارتفاع الخسائر البشرية الاميركية؟

ـ من الصعب تحديد مثل هذه «العقبة» او «السقف» للخسائر البشرية مسبقا. الا ان مقارنة ما يجري في العراق اليوم بما حصل في فيتنام فيه الكثير من التضخيم، ذلك ان الجيش الاميركي فقد 60 الف رجل في فيتنام في فترة 15 عاما من الحرب. ولذا، فالحديث عن «فيتنام العراق» ليس دقيقا، غير ان الرأي العام في زمننا الحاضر اصبح اسرع تغيرا واقل صبرا وبالتالي من الصعوبة بمكان التنبؤ بما ستكون عليه القرارات الاميركية التي يمكن ان تؤخذ بسرعة ولاسباب تتعلق بالسياسة الداخلية الاميركية، واريد بالمقابل ان اؤكد ان الضحية الاولى للحرب الاميركية هي «مفهوم الحرب الوقائية» الاميركي. واشنطن كانت تعتبر العراق خطوة اولى على درب تغير الخريطة الاستراتيجية والسياسية في الشرق الاوسط. وهي ترى اليوم ان عليها خفض سقف طموحاتها وبالتالي فان الدول التي كانت تعتبر نفسها على لائحة الحروب الاميركية القادمة مثل سورية وايران لم تعد مهددة على الاقل على المدى القريب.

* كيف تقرأ الوضع العسكري الراهن في العراق؟

ـ الواضح انه لم تعد للقوات الاميركية مناطق آمنة، بما في ذلك المواقع الاميركية الاكثر تحصينا. فضلا عن ذلك، يتبين ان السيطرة العسكرية الاميركية الكاسحة لا تكفي الاميركيين لبسط سيطرتهم على الوضع في العراق، فالسيطرة الاميركية على العراق ليست السيطرة التي يمكن ان نتوقعها من قوات منتصرة في بلد مهزوم.

* ما الذي سيكون عليه رد الفعل او الجواب الاميركي على تطور الاعمال العسكرية التي تستهدف الوجود الاميركي في العراق؟

ـ ان كل جواب عسكري اميركي في العراق سيفضي الى طريق مسدود. باستطاعة واشنطن ان ترسل مزيدا من القوات لكن هذه القوات ستكون بمثابة اهداف اضافية للمهاجمين. وفي رأيي ان الجواب الاميركي يجب ان يكون سياسيا عبر نقل السلطة في اسرع وقت الى العراقيين انفسهم.

* الاميركيون يعولون على استخدام القوات الامنية العراقية لتخفيف خسائرهم؟

ـ اذا ظهرت هذه القوات على انها تابعة ورديفة للقوات الاميركية فان النتيجة ستكون ربما تخفيض عدد الضحايا الاميركيين، لكن الوضع الامني لن يزيد استقراراً لان هذه القوات بدورها ستكون هدفا للمهاجمين وبالتالي هذه القوات ليست الحل.

* اذاً الوضع في طريق مسدود؟

ـ نعم الوضع في طريق مسدود. ويتعين ايجاد افق سياسي اخر وواضح من اجل احداث نقلة نوعية في هذا الوضع.