محافظو أميركا ويمينيوها ينجحون في إلغاء عرض مسلسل عن حياة ريغان

TT

عدلت شبكة التلفزيون الاميركية «سي بي اس»، بعد تعرضها لضغوط سياسية من جانب المحافظين الجمهوريين، عن بث مسلسل تلفزيوني حول الرئيس الاسبق رونالد ريغان، يلعب دوره فيه ممثل ديمقراطي، مما زاد من غضب الجمهوريين. واعلنت ادارة «سي بي اس» ان المسلسل الذي تبلغ مدته 4 ساعات، وكان يفترض ان يعرض يومي 16 و18 الشهر الجاري، سيبث على شبكة الكابل المشفرة «شوتايم» التي تملكها مجموعة «فياكوم» مالكة «سي بي اس». واوضحت في بيان: «هذا القرار جاء بعد مشاهدة دقيقة للفيلم، وبحث الجدل الذي اندلع حول مسودة السيناريو».

واضافت: «على الرغم من ان الفيلم التلفزيوني له قيمة كبيرة في مجال الانتاج والتمثيل، ولدى منتجيه مصادر تمكنهم من التحقق من كل مشهد من السيناريو، فاننا نرى انه لا يعرض صورة متوازنة لعائلة ريغان».

* اتهامات بالتحريف

* وكان رئيس اللجنة الوطنية للجمهوريين ايد جيلسبي قد قال يوم 31 الشهر الماضي في رسالة الى المدير العام للشبكة: «ان الصورة التي تعرض فيها اسرة ريغان ليست دقيقة تاريخيا وفيلمكم التلفزيوني تجاهل عدداً من الامور وعمد إلى المبالغة في اخرى والتحريف، وعرض مشاهد خيالية تقدم على انها وقائع، وبالتالي فإن الشعب الاميركي قد يتوصل عن طريقها الى فهم خاطئ لعائلة ريغان».

ويروي مسلسل «عائلة ريغان» الذي يلعب فيه الممثل الديمقراطي جيمس برولين زوج المغنية والممثلة الديمقراطية باربرا سترايسند، قصة حياة الرئيس الاسبق وزوجته خلال ولايتيه بين عامي 1980 الى 1988. ويبلغ ريغان من العمر حاليا 92 عاما، وهو مصاب بمرض الزهايمر.

واثار مشهد في الفيلم غضب الجمهوريين، يقول فيه الرئيس الاسبق حول مثليي الجنس المصابين بمرض الايدز: «الذين عاشوا في الحرام سيموتون في الحرام». ويقول مناهضو الفيلم ان هذه العبارة لا تعكس موقف ريغان في الواقع. واستند جيلسبي الى «معلومات سمعها» عن المسلسل وطلب من شبكة «سي بي اس» ان «يقوم فريق من المؤرخين بمشاهدة الفيلم بهدف التأكد من الحقائق التاريخية قبل بثه». واضاف: «اذا كنتم لا تريدون ان تفعلوا ذلك فاني اطلب منكم باحترام ان تبلغوا مشاهديكم عن طريق شريط اعلامي يبث كل عشر دقائق، ان هذا البرنامج من وحي الخيال».

وانشئ موقع على شبكة الانترنت للتنديد بالفيلم ودعوة الناس الى التوقيع على عريضة ضده. واعلن الموقع عن صدور شريط فيديو قريبا بعنوان «ريغان الحقيقي».

واعرب النائب الديمقراطي جون دينجل ايضا في رسالة الى المدير العام لشبكة «سي بي اس»، عن استيائه من المسلسل لكن لاسباب مناقضة. فقد اشار الى تغييب عدد من العناصر «لمصلحة الحقيقة التاريخية». وقال: «من بين القضايا التي لم يرد ذكرها مقاعد مراحيض البنتاغون التي بلغ سعر الواحد منها 640 دولارا، وقضية ايران غيت، وبيع اسلحة لدول ارهابية، ومبادلة الاسلحة بالرهائن وتمويل الحرب غير الشرعية في نيكاراغوا والاشادة بنظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا».

كما تحدث عن تجاهل الفيلم «العجز القياسي في الميزانية ونسبة البطالة التي زادت عن 10 في المائة والمنجمين في البيت الابيض».

ويذكر ان ريغان عرف بتجديده للصلة بين الدين والدولة في أثناء ولايته الرئاسية، وانتقد المحافظون المسلسل لتناوله حياة ريغان «من منظور ليبرالي تحرري». وقد إتخذت المحطة قرارها صباح الثلاثاء الماضي استجابة لحملة مكثفة من مناصري ريغان، ومن أوساط الجمهوريين اليمينيين، الذين ينتمي إليهم الرئيس الحالي جورج دبليو بوش، فضلا عن أوساط المحافظين المنتمين لجمهور كبيرمن الطوائف المسيحية.

ويقول مناصرو ريغان، ممثل هوليودد السابق، أنه قد «أعاد إلى أميركا مجدها الديني وهيبتها في العالم عن طريق أسلوب المواجهة الذي اتخذه ضد الإتحاد السوفياتي». وينسبون إليه الفضل في القضاء على الشيوعية وانهيار سور برلين، ويرون فيه بطلا لاتخاذه قرارات مثل ضرب ليبيا، ولإرساله قوات أميركية إلى لبنان، وتأسيس محطات تليفزيونية تبشيرية».

وقال مايكل، ابن ريغان في برنامج «صباح الخير اميركا» الذي تبثه محطة «إيه بي سي»: «يظهر المسلسل في أحد المشاهد ريغان مخاطبا زوجته نانسي بغضب وهو يقول: «اللعنة يا نانسي بحق الرب». وفي مشهد آخر تناشد نانسي زوجها بالتعاطف مع مرضى الإيدز، والذي بدأ انتشاره أثناء فترة ولايته، ولكنه يرد عليها قائلا: «إن من عاش في الخطيئة يستحق أن يموت في الخطيئة».

ويقول المحافظون انه لا دليل ثابتاً على قول ريغان نص هذه الكلمات، إلا أن مخرجي المسلسل أصروا على أن الحوار مبني على حقائق وآراء معروفة كان ريغان يعبر عنها علنا. واعترض المحافظون آيضا على بطل المسلسل الممثل جيمس برولين زوج المغنية باربرا سترايسند لانتمائه وزوجته للحزب الديمقراطي.

وقد تضطر المحطة إلى إرجاع الملايين من الدولارات التي دفعها معلنون لوضع إعلانات تلفزيونية أثناء عرض المسلسل. كما دعا بعض المحافظين والمتشددين إلى مقاطعة المحطة بالكامل اذا أذاعت المسلسل، وقام مناصرو ريغان بتدشين موقع على الإنترنت لمهاجمة المسلسل والممثلين وشبكة التليفزيون، رغم انها وعدت بحذف بعض المشاهد والألفاظ التي تغضب المحافظين.

ويقول الموقع: «لا تدعوا هوليوود تشوه تاريخ ريغان». ويقول ايضا: «هناك طريقة واحدة لتحجيم اليسار في هوليوود، وهي العمل على خسارته للأموال.. إن إشتراكم معنا سوف يضمن أن لا أحد في هوليوود أو في شبكات التلفزيون سوف يجرؤ على محاولة تشويه واحد من المحافظين أبدا».

وفي رد فعله على قرار وقف العرض، قال مؤسس حملة المقاطعة مايكل بارانزينو: «إن هذا لإنتصار عظيم لكل العقلاء في أميركا، ودعوة لليقظة أمام الليبراليين المتحررين في هوليوود.. إن هجوما على عائلة ريغان هجوم على مبادئنا.. فليبارك الرب رونالد ونانسي ريغان».

* سطوة المال

* وقال شخصان مقربان من محطة «سي بي اس» إن قرار عدم عرض المسلسل تم اتخاذه قبل يومين، وسيسلم على الأرجح إلى شريكتها محطة «شوتايْم»، والتي يدفع مشاهدوها اشتراكا. وهذا الإعلان هو الأول من نوعه من حيث قيام محطة تلفزيونية بإلغاء مشروع بأكمله، وعدم عرضه على شاشتها، بسبب الضغط السياسي، وتحت طائلة التهديد بمنع الإعلانات التجارية. وكان مديرو «سي بي اس» التنفيذيون قد أعادوا النظر في الفيلم طيلة الأسبوع الماضي سعيا لإصلاح ما اعتبره المنتقدون الذين لم يشاهد أي منهم الفيلم ،أنه عرض غير دقيق وظالم للرئيس الأسبق.

وشعر لَيز مونفس رئيس «سي بي اس» بالقلق وسط هذه الشكاوى، وأمر بمراجعة قرار عرض الفيلم.

وتجدر الإشارة إلى أنه لم يعلق علنيا أي طرف شارك في إعداد هذا الفيلم عن أي تبديلات محتملة لمحتواه. وأحد الحلول الوسط بالنسبة لمحطة «سي بي اس» هو تأخير عرض المسلسل القصير إلى ما بعد التاريخين المقررين له وهما 16 و18 الشهر الجاري. وكان المسلسل موضع انتقاد حاد منذ أن كتبت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» يوم 21 الشهر الماضي. لكن الشكاوى حول الفيلم المتعلق بسيرة ريغان قد تركت أصداء قوية، والسبب يعود حسب رأي المؤرخين،الى أن محطة «سي بي اس» قد أقحمت نفسها في قضية خلافية واسعة بتناولها فترة رئاسة ريغان. فحالما ترك ريغان البيت الأبيض سنة 1989 كان المعجبون به متشككين في أن الإعلام الليبرالي لن يقوم أبدا بتقديمه بطريقة عادلة، وأطلقوا حملة تهدف إلى تسمية ما لا يقل عن بناية باسم ريغان في كل من أقاليم الولايات المتحدة.

وشكلت رئاسة ريغان نهاية عقود من النزاعات بين الجمهوريين لانتخاب رجل يمثل ايديولوجيتهم. وقال ماثيو دالك كاتب خطابات المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة ريتشارد جيبهارت، ومؤلف كتاب حول فوز ريغان لأول مرة كحاكم لولاية أميركية: «هم (المحافظون) رأوا ريغان الشخص الذي أخرجهم من البرية، لكنهم ما زالوا يخوضون حروبا... فريغان يجسد صراعا أكبر بكثير حول دور الحكومة في الحياة الأميركية.. نظام الإنعاش الحكومي والعناية الطبية، والضمان الاجتماعي وتقليص الضرائب».

وقال روبرت تومبسون رئيس مركز الدراسات المتعلقة بالتلفزيون الشعبي والتابع لجامعة سايراكوس : «تم التشهير بمحطة «سي بي اس» لأنها اختارت أن تحول التاريخ المعاصر إلى دراما.. وكلما بقي الماء تحت الجسر فترة أطول فإنه يكون أقل إثارة للجدل». ويذكر ان سيناريو الفيلم مستند إلى كتاب «السيدات الأوائل» الذي ألفه كارل سفيرازا أنتوني، كاتب خطابات نانسي زوجة ريغان.

ومن بين المحتجين على محطة «سي بي اس» اللجنة القومية للحزب الجمهوري، إذ طلبت في الأسبوع الماضي من المحطة أن تعرض الفيلم أمام فريق من المؤرخين. وقال ادي جيلبسي رئيس اللجنة: «محطة «سي بي اس» تدير «حظيرة سلاحف»، مذكرة مشاهديها بأن الفيلم ليس دقيقا من الناحية التاريخية». كذلك قام برنت بوزل رئيس «مركز أبحاث الإعلام» بولاية فرجينيا والذي يشكل أكبر منظمة محافظة لمراقبة الإعلام في الولايات المتحدة، بتقديم رسالة إلى أكبر 100 شركة إعلان تجاري طالبا مساعدتها في الضغط لمنع عرض المسلسل.

أما باتي ديفز، ابنة ريغان، فقد كتبت تعليقا لمجلة «تايم» حول الموضوع، لكنها رفضت الادلاء بأي تصريحات. كذلك انفجر أصدقاء ريغان في هوليود غضبا على المسلسل، وقال ميرف جريفيث الذي ظل مقربا إلى ريغان لأكثر من 40 سنة: «أكثر الرؤساء المحبوبين الآن على فراش الموت.. إنه في آخر مرحلة من مراحل مرض الزهايمر، وأن يقوم شخص بإنتاج فيلم درامي وثائقي يمزج الخيال بالواقع، بدون أن يكون الشخص الذي يدور الفيلم عنه قادرا على الرد، فعل جبان جدا وفي منتهى القسوة».

*خدمتا «نيويورك تايمز» و«لوس أنجليس تايمز»ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»