الجيش الإسرائيلي يبحث عن أسلحة خلفها جنوده وراءهم في نابلس

شارون «سيتفرغ» للموضوع الفلسطيني بعد إتمام صفقة تبادل الأسرى

TT

يتضح ان السبب الرئيسي وراء العمليات الحربية المكثفة التي يقوم بها جيش الاحتلال الاسرائيلي في مدينة نابلس طيلة الاسبوع الاخير وقراره الامتناع عن فك الحصار عن المدينة (رغم فكه عن بقية المدن الفلسطينية)، هو القيام بالبحث عن ادوات قتالية واجهزة حربية كان قد خلفها جنوده يوم السبت الماضي، بالاضافة الى محاولة اعتقال عدد من قادة المقاومة المطلوبين.

وبضمن هذه الادوات بندقية «ام ـ 16» المتطورة من طراز «ايه ـ 4»، التي لا توجد الا في عدد محدود من الدول، وهي مجهزة برادار صغير يرصد الحركة ويرى في الليل، ومنظار من نوع «اكيلا»، الذي يعتبر المنظار الحربي الاكثر تطورا في العالم. وقال ضابط كبير في الجيش الاسرائيلي: ان وقوع هذا النوع من الاسلحة بأيدي الفلسطينيين ينطوي على خطر حقيقي على الجنود الاسرائيليين والمستوطنين في المناطق الفلسطينية، اذ انها اجهزة قادرة على رصد الحركة من بعيد في الليل كما في النهار، فضلا عن شحن المقاتلين الفلسطينيين بالمعنويات العالية من جراء الحصول على هذه الاجهزة.

وكانت قوة من الجيش الاسرائيلي قد دخلت حي القصبة في نابلس السبت الماضي، واخضعته لحملة تفتيش بحثا عن عدد من المطلوبين الذين تعتبرهم سوية مع المقاومين في جنين، الاكثر تطورا في العمليات العسكرية واصرارا على المقاومة بلا هوادة وبغض النظر عن السيرة السياسية. وفي احد الازقة وقعت قوة الاحتلال في كمين فلسطيني، اذ تم تفجير عبوة ناسفة بالقرب من احد البيوت ووقع اشتباك عسكري مع رجال المقاومة، اسفر عن اصابة 6 جنود اسرائيليين، جراح اربعة منهم كانت متوسطة وجراح اثنين بسيطة. وحضرت قوة نجدة لانقاذ الجنود وانسحبت مهرولة بفعل النيران الفلسطينية، فخلف افراد القوة بعض الاسلحة والتجهيزات او تركوها في غمرة الخوف واجواء الهرب بأي ثمن.

ولكن، عندما عرف ان من بين تلك الاجهزة القطعتين المتطورتين (البندقية والمنظار)، تلقى الجيش الاوامر باستعادتهما بأي ثمن. ومنذ ذلك اليوم وحتى امس وقوات الاحتلال تطوق نابلس من كل الجهات وتغير على حي القصبة وغيره من الاحياء، وتفعّل عملاءها ومخابراتها بكل ما تملك من قوة، لكنها لم تفلح في الوصول اليهما.

وكانت قوات الاحتلال قد ازالت الحصار العسكري الشامل عن المدن الفلسطينية، في مطلع الاسبوع وبدأت بتخفيف الاعباء التي سببتها للفلسطينيين جراء ذلك وبدأت امس بازالة بعض الحواجز العسكرية بين المدن والقرى واهمها حاجز عين عريك، الذي يربط رام الله بالعشرات من قرى القضاء. وزادت عدد تصاريح العمل بحيث اصبحت حاليا 15 الفا للعمال و5 آلاف للتجار، قسم منهم يتجولون في كل انحاء اسرائيل.

وبدأ قادة الجيش في كل منطقة فلسطينية يجتمعون مع المحافظ الفلسطيني في المنطقة نفسها من اجل ترتيب اعطاء تلك التسهيلات.

لكن قوات الاحتلال استثنت من كل ذلك مدينتي نابلس وجنين. والحجة الرسمية في ذلك ان هناك 45 انذارا ساخنا تراكمت على جهاز المخابرات العامة (الشاباك)، تقول ان فلسطينيين انطلقوا للقيام بعمليات تفجيرية داخل اسرائيل. وان معظم هذه الانذارات قادمة من منطقتي نابلس وجنين، الا ان السبب الحقيقي، كما يبدو، هو الشعور بأن المقاومة في هاتين البلدتين، ما زالت قوية وتكتسب الخبرة والتجهيزات و«تتجاوب» باستمرار مع العمليات الحربية الاسرائيلية وقوات الاحتلال تريد مسحها تماما.

يذكر ان ثمة نقاشا محتدما داخل المؤسسة السياسية ـ الامنية ـ العسكرية في اسرائيل حول سبل التعامل مع الفلسطينيين في هذه المرحلة، اذ ان الجيش وبعد ان اصبح المتهم الاساسي في تدهور الاوضاع، راح يطلب ان تقوم القيادة السياسية بمبادرات. واعترف عمليا بأن سلاح القوة والبطش لا يمكن ان يأتي وحده بالحل، ولذلك طالب باعطاء تسهيلات كبيرة في حياة الفلسطينيين، والاستعداد للانسحاب من المدن، وبعث الامل فيهم بامكانية تحقيق السلام. وبالمقابل تريد المخابرات العامة الداخلية والموساد (المخابرات الخارجية) الاستمرار في سياسية البطش، باعتبار ان المقاومة الفلسطينية يجب ان تظل تعيش تحت الضرب والرعب، اذ انها تستغل كل فرصة هدوء لاعادة تنظيم صفوفها وتستغل كل ثغرة على الحدود والحواجز لتخترقها وتنفذ العمليات.

وحسم رئيس الوزراء، ارييل شارون، هذا النقاش في حينه بواسطة حل وسط بين الطرفين. فأعطى تسهيلات ولكن طفيفة وجزئية لدرجة استخف بها الفلسطينيون وانتقدها رئيس اركان الجيش الاسرائيلي، الجنرال موشيه يعلون، فأعلن شارون انه سيتفرغ للموضوع الفلسطيني بشكل كبير بعد اتمام صفقة تبادل الاسرى مع حزب الله، وامر وزير دفاعه، شاؤول موفاز، بان يقدم سلسلة تسهيلات للفلسطينيين. وقال ان هذه التسهيلات ستزيد بالتدريج، حسب تطور الاوضاع الامنية، فاذا التزم الفلسطينيون الهدوء ستتسع الاجراءات لتحسين حياة شعبهم، واذا نفذوا العملياتت ستتوقف الاجراءات.

واثر ذلك، اصدرت المخابرات العامة، امس، مواد اعلامية زعمت فيها ان الهدوء القائم حاليا هو ليس قرارا فلسطينيا لوقف العمليات، انما بفضل الاجراءات الاسرائيلية. وادعت ان قوات المخابرات والجيش تمكنت خلال شهر اكتوبر (تشرين الاول) الماضي من اعتقال ثمانية فلسطينيين وهم في طريقهم الى اسرائيل لتنفيذ عمليات. وقالت ان كل من يطرب لهذا الهدوء انما يخدع نفسه، فالوضع ما زال خطيرا ولم يتغير فيه شيء.