باول لـ«الشرق الأوسط»: جدولنا تسليم السلطة للعراقيين

لا أدري إن كان صدام وراء الاعتداءات علينا.. ولا أعتقد أنه بن لادن * الانسحاب بسبب الهجمات ليس بين سيناريوهاتنا * الاتصالات بين الرئيس الأميركي والأمير عبد الله كثيفة هاتفيا وبالمراسلة * راض عن سماح سورية بالاطلاع على الحسابات العراقية

TT

* لقاءاتي بسعود الفيصل متكررة وصداقتي ببندر بن سلطان قديمة

* سفيرنا ولش خاطب المصريين كصديق .. وأريد من سفرائنا أن يقولوا رأيهم

* لم نقرر «بعد» مقايضة إيران مجاهدين خلق بالقاعدة

* عاد لتوه من رحلة طويلة وآخرها ثلاث محطات في اميركا الجنوبية. سألت كولن باول، وزير الخارجية الاميركي كيف يستطيع تنظيم وقته رغم كثرة طيرانه فوق هذا الكم الكبير من خطوط الطول والعرض، فقد جاء لتوه من اقصى الشرق الى اميركا اللاتينية ويعتزم السفر الى اوروبا ايضا. اعترف انه يضطر الى استخدام الحبوب المنومة للتغلب على مشكلة فارق التوقيت الدائم قال «لا اعتبرها اقراصا منومة بالمعنى الشائع. إنها علاج رائع. تسمى هذه الاقراص «آمبين»، إلا تستعملها؟ الكل هنا يستعمل هذه الحبوب».

وقد يكون فارق التوقيت اهون التحديات العديدة التي ربما لم يعرف مثلها وزير خارجية اميركي قبله بهذه الكثرة. والحقيقة ان اخطر صراعات تقض مضجعه معظمها في منطقتنا. اعظمها اليوم العراق، ثم ايران خاصة بعد ظهور التخصيب النووي، واستضافتها للقاعدة، والقضية الابدية الفلسطينية، وسورية، والسودان، ونزاع المغرب والجزائر على الصحراء.. كل هذه القضايا من اعمال الوزير باول.

في نهاية الحديث دعاني لمشاركته افطار رمضان الذي استضافه في وزارة الخارجية ودعا اليه خليطا غير مألوف من الضيوف، جلهم من المسلمين الاميركيين. بعضهم من موظفي الخارجية المسلمين مع مبتعثين ومبتعثات للدراسة في الجامعة الاميركية على نفقة مؤسسات اميركية، ورجال اعمال. الوزير نفسه اختار ان يجلس مع طلبة من المدارس الثانوية من المسلمين الاميركيين.

في كلمته شرح السبب بقوله انه يعتقد ان على بلاده ان تركز على تطوير علاقاتها واهتماماتها بالشباب، كما لو كان يشعر باليأس من رجال الزمن الحالي.

* في الحديث تطرقنا لعدد من القضايا الاساسية واخترت توجيه السؤال الاخير عن الاشارات المتناقضة التي ترد من جهات حكومية اميركية. سألته هل هي «حرب افكار» داخل الحكومة؟ هذا جنرال في وزارة الدفاع يصف الاسلام بالشيطان وانت هنا تدعو المسلمين لافطار رمضان في داخل مبنى الخارجية. اي حكومة هذه؟

قال باول «ابدا، لم يقل احد من اركان الحكومة كلاما ضد الاسلام او المسلمين. لقد رفضنا جميعا ما نسب اليه (الجنرال بوكين) والمفتش العام يحقق في الموضوع. ايضا هو ليس وزيرا في الحكومة، وقد كان الرئيس جورج بوش واضحا في رفضه اي تعليق يمس الاسلام بالاساءة. بل انه تعمد الذهاب الى المسجد هنا في واشنطن بعد اعتداءات 11 سبتمبر ليقول للجميع ان ما حدث لا علاقة له بالاسلام».

بدأت الحديث مع باول بطبيعة الحال عن القضية الرئيسية للاميركيين، فسألته عن مطالبة المتحدثة باسم الخارجية السورية الاميركيين بالرحيل من العراق، وقولها ان احتلالهم هو وراء تزايد الارهاب بالصورة التي نراها اليوم.

تجاهل الوزير باول جزءا من السؤال وانطلق مهاجما خصومه العراقيين. قال «المشكلة تأتي من فلول النظام البائد وعدد من الاجانب الذي تسللوا، يريدون العودة للماضي واضطهاد الشعب العراقي. من جانبنا نحن نريد نهاية الاحتلال وليس من عادتنا ان نقوم باحتلال الدول. كل ما نريده من وجودنا هنا ضبط الوضع. نريد ان تشكل حكومة منتخبة وليست مفروضة من البعثيين. هؤلاء الارهابيون قتلوا من العراقيين اكثر مما قتلوا من الاميركيين، وقتلوا من الشرطة العراقية اكثر مما قتلوا من جنود التحالف. هاجموا مواقع مثل الصليب الاحمر والامم المتحدة. لهذا سنستمر نحاربهم وسنمضي وراءهم. فهم ضد الحرية والدستور والانتخابات».

سألته ان كان هناك جدول زمني للاحتلال، فرد بقوله «نجحنا في استصدار قرار مجلس الامن 1511، وموعدنا 15 ديسمبر، وكلف مجلس الحكم بوضع الدستور، وهذا مجلس عراقي يقرر الخطة وليس الاميركيون او الالمان او الفرنسيون. بول بريمر وانا نرى انه ممكن من خلال مضاعفة الجهود والعمل الجاد المتواصل يمكن الفراغ من صياغة الدستور خلال فترة ستة أشهر. إلا ان ذلك ليس موعدا نهائيا، لكنه في الاساس تقدير معقول للعراقيين لتحديد الفترة الزمنية التي يتطلبها انجاز هذا العمل.

بمجرد وجود دستور للبلاد يمكن المصادقة عليه من خلال استفتاء عام ومن ثمن يمكن التخطيط لإجراء الانتخابات العامة. اتمنى ان يحدث كل ذلك بنهاية العام المقبل.

لكن من الآن وحتى ذلك الحين سنمرر صلاحيات للعراقيين في التعليم والثقافة ووزارات اخرى ومع مبلغ الـ20 مليار دولار التي صادق عليها الكونغرس لإعادة إعمار العراق».

وابتسم باول واثقا من نجاح مشروعه وقال «سأستقبل الفرقة الموسيقية العراقية هنا في واشنطن وسيقدمون عرضهم في مركز كيندي للفنون».

سألته عن توقعاته وعما اذا كان يرى ان هناك نهاية للكابوس الاميركي. رد بسرعة قبل ان اكمل بقية السؤال، «لا اعرف ما اذا سأصف ما يحدث في المثلث السني بأنه كابوس. انها مشكلة خطيرة تتضح في الهجمات التي تتعرض لها قواتنا وتتعرض لها البنيات التحتية العراقية. يستهدف المهاجمون افراد الشرطة العراقيين. نحاول معالجة هذا الوضع وأثق تماما في قادتنا العسكريين واستخباراتنا. ولكن اذا توجهت شمالا في العراق لا تجد مثل هذه الاشياء، واذا اتجهت جنوبا لا تجد مثل هذه النشاطات. هناك مشاكل تحدث من وقت لآخر، إلا ان أغلبها يحدث في المثلث المحيط ببغداد».

* هل تعتقد ان المسلمين السنة العراقيين يشعرون بأنهم غير ممثلين بصورة عامة، ام ان ذلك جزء فقط من المسألة؟

ـ اعتقد انه جزء من المسألة. فهم الافضل وضعا وكانت في يدهم السلطة وكانوا المفضلين لدى صدام حسين.

* وهل تعاقبونهم الآن على ذلك؟

ـ كيف نعاقبهم؟

* بحرمانهم من وجود ممثل لهم في مجلس الحكم العراقي.

ـ لا... اننا لا نحاول معاقبة أي جهة. واحدة من مشكلات الطائفة السنية في العراق هي غياب حزب البعث القديم. ليس لديهم أي منظمات تمثلهم، كما ليس لديهم قادة سياسيون يمثلونهم. ليسوا ملوثين بعلاقاتهم السابقة. لا بد من تطوير المؤسسات، فأفضل السبل لخدمة مصالح السنة يتمثل في مشاركتهم في العملية التي تساعد على صياغة الدستور الذي يقترحونه، ليس من خلال الارهاب ولكن من اجل المساعدة في ايجاد دستور يحترم كل قطاعات المجتمع العراقي.

* هل راودتكم فكرة الانسحاب، وهل ناقشتم داخل الادارة الاميركية احتمال سحب القوات الاميركية اذا ساءت الأوضاع في العراق الى حد يجبركم على مغادرته؟

ـ لا مطلقا.

* هل ترون أي سيناريو آخر محتمل الحدوث يجبركم على مغادرة العراق؟

ـ سنبقى في العراق الى حين بسط الامن والاستقرار فيه. لم تتعرض قواتنا الى هجوم من جيش وإنما من مجموعات متمردين لا يمثلون كل الشعب العراقي. غالبية العراقيين تشعر بالفرح لإطاحة صدام حسين. ليس هناك من يتمنى عودته سوى هؤلاء. ألغينا حظر التجول خلال شهر رمضان وبات الناس يخرجون في أي وقت الى المتاجر والمحلات ويريدون ان يذهب اطفالهم الى المدارس. لماذا لم يستطع الأطفال التوجه الى مدارسهم الاسبوع الماضي؟ هل كان ذلك بسبب الاحتلال أم بسبب من هددوا بشن هجمات؟

المشكلة إذاً تكمن في هؤلاء الذين يقاومون التغيير الذي يحدث في العراق حاليا. نحاول إنهاء الوجود الاميركي في العراق بأسرع وقت ممكن، إلا اننا لن ندير ظهرنا ونفر لأن الاوضاع تزداد صعوبة في بعض الأحيان.

* الا تعتقد ان صدام وراء الامر؟

ـ لا اعرف عما اذا كان. بعض الناس قالوا، في الاسبوع الماضي، ان صدام وراء الامر. ـ لا اعرف اي شيء عن ذلك. لا اعرف من وراء الامر.

* بن لادن؟

ـ في العراق؟!

* الا تعتقد ان الانتحاريين هم من اعضاء «القاعدة»؟

ـ لا ليس لدي من الاسباب للاعتقاد بذلك. انا حذر للغاية بخصوص ما اقوله. ليس لدي من الاسباب ما يدفعني للاعتقاد انهم وراء تلك العمليات، ولكني لا استطيع القول بأنهم ليسوا خلفها. ولذا فأنا اميل الى عدم التعليق لمجرد جذب الاهتمام. لا اعرف ما اذا كان صدام على قيد الحياة ام مات. واذا كان قد مات، لا اعرف اين جثته. واذا كان على قيد الحياة، لا اعرف اين هو، ولكننا سنستمر في البحث عنه.

* اذاً هل هم مجرد افراد ينفذون هجمات؟

ـ لا. اعتقد ان هناك مستوى من التنسيق. اقصد، ربما اطلعت على الانباء اليوم. لقد القينا القبض على جنرالين عراقيين من النظام السابق، ولديهم اتصالات بالنظام السابق، وهناك بعض الافراد الذين قدموا من الخارج. لا اعرف عددهم بالضبط. لا يمكن للاجانب الحضور والاختفاء وسط السكان. ان الذين يفعلون ذلك، في رأيي هم بقايا النظام السابق الذين لديهم التدريب والخبرة، والهدف والمصلحة في عدم السماح للديمقراطية بالانتشار.

عدت الى السؤال الاول الذي تحفظ عليه عن التوتر المتصاعد مع سورية وبشكل خاص التناقض في التصريحات. قال انهم راضون للسماح لرجالنا بالذهاب وفحص بعض التحويلات لاعادة الاموال الى الشعب العراقي في اقرب وقت ممكن.

سألته عما قاله السفير كوفر بلاك في جلسة استماع بخصوص سورية، من ان تقارير استخبارية، تشير الى وجود نشاطات لتجمعات ضد التحالف في سورية نفسها ضد القوات المسلحة الاميركية.

رفع باول حاجبيه ونظر الى مساعديه اللذين شاطراه الاستغراب، وقال انه لم يطلع بعد على مثل هذا الاتهام.

كان لا بد ان نطرح حديث العلاقات السعودية ـ الاميركية.

وسألته بشكل مباشر: هل اجريت اية محادثات مباشرة مع السعوديين؟ توجد شكوك في ذهنهم بخصوص نواياكم نحو السعودية، او بالاحرى ماذا يجري؟

قال الوزير باول: لقد تواجهنا وتحدثنا بصراحة. قابلت الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي في مدريد الجمعة قبل الماضي، وقابلته قبلها في ديترويت وعلاقتي به جيدة. الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي في واشنطن، رجل كفوء وصديق شخصي لي ولعائلتي منذ 25 عاما، وعلاقتنا الحكومية جيدة، ونهتم بعلاقاتنا الشخصية ايضا.

وأضاف: على مستوى اعلى فان الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد، والرئيس جورج بوش على اتصال دائم عبر الهاتف والمراسلات كذلك.

واستطرد باول قائلا: ندرك ان التفجيرات في السعودية في مطلع العام الحالي قبل يوم من وصولي كانت صدمة للسعوديين، ونحن نتابع ملاحقتهم للارهابيين واسلحتهم في انحاء المملكة. فهم يعرفون ان التهديد يواجههم كذلك. ونعتقد ان السعوديين يستطيعون فعل اكثر خاصة في تتبع مصادر الاموال ليس في القطاع الحكومي بل ايضا في القطاع الخاص.

سألت وزير الخارجية باول عن ظاهرة الاشكالات التي تسببها تصريحات السفراء الاميركيين في عدد من الدول واحدثها الجدل الذي اثاره ديفيد ولش، سفير واشنطن في القاهرة، وقبلها في السعودية، وهناك السفيرة المعينة لدى سورية، قلت له متسائلا: هل يعبر هؤلاء عن انفسهم ام هي سياستكم؟

رد بقوله: انهم يمثلون سياسة وهم احرار في الحديث. واريد منهم الحديث. لقد كنت مع واحد من سفرائي في اميركا الوسطى الذي اثار ضجة كبيرة. لن اذكر الدولة، وإن كان الامر ليس سرا. ولكن الناس كانوا يتحدثون عن الفساد في الحكومة والحكومة تحارب الفساد. لقد كانت تتحدث سفيرتنا بطريقة منتظمة عن هذه الاشياء التي تحدث عنها مع رئيس البلاد ووزير خارجيتها. وعندما يتحدث سفراؤنا بطريقة تماثل سياستنا، فأريد منهم الحديث. السفراء ليسوا موظفين. هم رؤساء بعثات. وهم من كبار موظفي وزارة الخارجية او شخصيات سياسية يعملون في خدمة الامة، ومن المفروض ان يبدوا وجهات نظرهم.

لا ادري اذا كنت تشير الى واقعة معينة، ولكن السفير ولش في مصر صديق لمصر وصديق للشعب المصري، وكونك صديقا يتطلب ذلك احيانا ان تبدي وجهة نظـرك وتقول اشياء ربما لا يود الاصدقاء سماعها. لقد قمت بذلك في فترة مبكرة من صباح اليوم مع عدد كبير من اعضاء وفد صيني في مؤتمر في مكتبة بوش. وقلت لهم «هذا دليل على صداقتنا. انني ارغب في ابلاغكم بخصوص اشياء ربما لا تفضلون سماعها، ولكني كصديق افضل الحديث بطريقة صريحة. انا صديقكم، ولذا سأتحدث بصراحة معكم.

وفي ختام الحديث ونحن نقف متجهين نحو القاعة لافطار رمضان سألته: انني سمعت انهم ينوون مبادلة مجاهدين خلق المحتجزين في العراق باعضاء تنظيم القاعدة المحتجزين في ايران. رد: نحن سيطرنا على مجاهدين خلق في العراق ونقول ان على ايران ان تسلمهم لبلدانهم. كررت عليه السؤال: هل انتم مستعدون للمبادلة؟ ابتسم ولم يعلق بالنفي بل قال «ليس بعد».