عراقيون لـ«الشرق الأوسط» : مجلس الحكم قدم أفضل ما لديه

شعور عام بالارتياح لانتهاء «الأيام السود» في ظل النظام المخلوع ولتحديد جدول زمني لانتقال السلطة والإعداد للدستور

TT

ساد شعور عام بالارتياح في الشارع العراقي حيال الاجراءات التي اتخذت مؤخرا، وبينها الاعلان عن جدول زمني لانتقال السلطة الى الشعب العراقي والاعداد للدستور، وان كان البعض يرى انه كان يجب ان تتخذ منذ عدة اشهر، واعربوا عن تطلعهم الى عدم حصول خلل في عمل مجلس الحكم او الحكومة خلال الفترة المقبلة، وعدم اغفال الموضوع الامني والسعي لتوفير الخدمات بحجة ان ذلك سيكون من مهام الحكومة المقبلة او المجلس الموسع المقبل.

وحسب مقابلات لـ«الشرق الأوسط» في مناطق مختلفة من بغداد فان معظم المواطنين ابدوا ارتياحهم لانهم يرون املا في وضع حد للفوضى الحياتية والسياسية السائدة، بينما رأى آخرون انهم لا يبالون بما سيحدث، لان الذي سيأتي لن يكون اسوأ من الذي كان، وانهم، مهما كان الثمن الذي يدفعونه الآن، لن يعودوا الى تلك الايام السود التي عاشوها في زمن صدام حسين.

قال ماجد عبد الله، احد رجال الاعمال: القرارات الاخيرة تعني الكثير. انها اعلان عن انتهاء او قرب انتهاء دور المجلس الانتقالي (بشكل دبلوماسي) بدل القيام بحله، لان حله يعني اعادة الفراغ السياسي في مستويات عالية من هرم السلطة. واضاف ان ذلك لا يعني فشل المجلس الذي عمل في ظروف صعبة وشاقة للغاية، في مقدمتها الوضع الامني الحرج، وعدم امتلاكه سلطة كاملة. وقال «كان اداؤهم ذا فائدة رغم العصي الغليظة التي وضعت في عجلاتهم. ومع ذلك فان هناك حقيقة يجب ان تقال، وهي ان المجلس اخفق بشكل واضح في انجاز المهمة الدستورية، وهذا الاخفاق ينسحب اساسا على ادارة بريمر التي حجمت دور المجلس، ودور الفئات السياسية الاخرى».

ومن رجل الاعمال الى عامل المسطر سلمان البهادلي الذي قال: لا يهمنا من يحكم وفي أي اتجاه يسير. كان راتب المتقاعد في الايام الخوالي يكفي للعيش بشكل جيد، الا انني ـ كمتقاعد ـ لم يكن امامي سوى عمل المسطر، وفي أي مكان.. في الايام الاخيرة، وبسبب بعض عمليات الاعمار ارتفعت اجرة العامل من 2000 دينار الى 6000 دينار يوميا، ولكن المشكلة ان العمل يتوفر في ايام ولا يتوفر في اخرى. عندما تكون هناك حكومة مستقرة وتبدأ باعمار فعلي ستتحسن اوضاعنا، وربما يكون الراتب التقاعدي كافيا. وعن رأيه في مجلس الحكم قال: لو عرضت علي العضوية في هذا المجلس لما وافقت. من الذي يلقي نفسه في فم الموت او في فم الاميركيين..؟ حقيقة انني اشفق عليهم، واعتبر ان عملهم لا يخلو من الشجاعة او المغامرة.

المدرسة عالية ابراهيم، في منطقة الدورة قالت: كان وجود مجلس امرا لا بد منه لملء الفراغ السياسي والامني. ولكنهم على المدى المنظور لم يحققوا ذلك، وربما يكون تلكؤهم لاسباب خارجة عن ارادتهم، غير ان هناك ملاحظة تجدر الاشارة اليها، وهي اعطاء اعضاء المجلس صفات طائفية وعرقية وتقسيمه على هذا الاساس. ان ذلك «شيء مقزز»، لانه يثير النعرة الطائفية، في حين ان معظم الذين نسبوا الى هذه الطائفة او تلك لا يمثلونها، فهم علمانيون يمثلون احزابا سياسية، لا طوائف. وربما يكون ذلك التقسيم من اسباب ارباك الوضع، ونأمل ان تكون الاختيارات القادمة اكثر دقة، مع التمييز بين ما هو سياسي وطائفي او عرقي.

وللصحافي ابراهيم محمد الذي يعمل في احدى الصحف التي يصدرها تنظيم سياسي في المجلس، رأي آخر، فهو يرى ان مجلس الحكم فشل في اداء مهماته بنسبة كبيرة، وان الادارة المدنية الاميركية احد اهم عوامل هذا الفشل، حيث قامت بحشر اعضاء هذا المجلس في (سجن) قصر المؤتمرات والمجمع الرئاسي مما جعلهم معزولين عن الشعب بشكل كامل، بل مثير للسخرية.

ويضيف ابراهيم: قال رئيس المجلس ان ابوابه مفتوحة امام جميع الاحزاب والفئات. وهذا مناقض للحقيقة، فمن الذي يستطيع الوصول الى ابوابه اذا كان الاميركيون يطلقون النار على واحد من ابرز اعضاء المجلس، لان سيارته، ربما، تجاوزت احد الخطوط الحمر، كيف يفتح ابوابه من يقيم في سجن؟

عمار الناصري احد اصحاب محلات الصيرفة قال: ان مجلس الحكم ادى مهمته لانه كان لا بد منه، وهو يشكل طيفا سياسيا واجتماعيا واسعا، وما يؤاخذ عليه هو التقسيم العرقي والطائفي والشارع العراقي لا يحبذ هذه الصيغة. القرارات الجديدة التي اتخذت في واشنطن واعلنت في بغداد، هي انعكاس لامر واقع وليست املاءات. فالجميع ادركوا ان المسألة الدستورية اشبه بمسألة (البيضة من الدجاجة ام الدجاجة من البيضة؟).. والآن، بعد ان تم تشكيل حكومة مؤقتة، وان كانت لا تملك صلاحيات كافية، والاجراءات التي تتخذ بشأن الوضع الامني، فان مسألة الدستور يمكن تأجيلها، شرط ان يكون هناك ميثاق عمل وطني او صيغة للأساسيات التي يجب ان تعتمد وفي مقدمتها ضمان الحريات وحقوق الانسان وسيادة القانون وما الى ذلك، وهذه الاساسيات يتفق عليها الجميع، ويمكن ان تكون بمثابة دستور لأي حكم انتقالي. وفي الحقيقة، كان يمكن اتخاذ مثل هذه الخطوة قبل عدة شهور.

هناك من يرى ان مجلس الحكم اخفق.. وهناك من يرى انه نجح، وآخرون يرون ان العمليات العسكرية التي استهدفت الاميركيين دفعتهم الى الاسراع في عملية نقل السلطة.. وقد يكون ذلك كله صحيحا.

الدكتور امجد سعدون سباهي، استاذ العلوم السياسية، يقول: تأثير العمليات ضد القوات الاميركية والقوات المتحالفة معها، ليس بالشكل الذي يتصوره البعض، لان هذه العمليات عزلت منفذيها والمخططين لها عن عموم العراقيين الذي يرغبون في الامن والاستقرار، في حين استهدف الكثير من تلك العمليات المواطنين الابرياء والمنظمات الانسانية. ومن هنا فان العكس هو الصحيح، لان الذين قاموا بتلك العمليات ضعفت قوتهم السياسية والمادية، بعد اعتقال الكثيرين منهم، وشعور الاخرين بانهم محاصرون. ويلعب دورا في ذلك غلق المنافذ الحدودية غير الشرعية. وفي هذا الصدد يتحمل الاميركيون مسؤولية كبيرة، لانهم وضعوا ايديهم على الملف الامني، ولديهم قوائم كاملة باسماء اعضاء البعث ودرجاتهم الحزبية واسماء تنظيمات فدائيي صدام واجهزة المخابرات وغيرها. وقد تركت كل اولئك يعبثون بالامن، من دون رقيب، مما اشاع فوضى الانتقامات الشخصية. ان تسليم الملف الامني الى العراقيين ضروري، شرط ان يكون ذلك باشراف دولي لكي لا تمارس عمليات تصفية حسابات غير مسؤولة.

وماذا عن القرارات الجديدة؟ انها تحصيل حاصل من وجهة نظر سباهي، فخلال الفترة الماضية ظهرت جوانب سلبية ايجابية. ولما كانت المسألة الدستورية عائقا، فان قرار تخطيها كان قرارا جريئا ومناسبا. فالدستور الدائم لا يضعه مجلس انتقالي يفتقر الى الشرعية الكاملة، ولما كان المجلس لا يمتلك شرعية كاملة، فان كل الاجراءات الاخرى لا تمتلك شرعية كاملة.. خاصة ان المجلس يعمل في ظروف صعبة. المهم هو وضع الاساسيات والتقيد بها.. وفي رأيي، حتى بعد انتهاء الاحتلال وصياغة دستور دائم يجب ان تكون هناك رقابة دولية لعدة سنوات على التطبيقات العملية بكل جزئياتها.

ويقول المحامي عبد المنعم حسن النهر: عند تشكيل مجلس الحكم كانت هناك مشكلة الاختيار، ونأمل ان لا تتكرر هذه المشكلة عند اختيار المجلس التمثيلي الموسع. ويمكن الاستفادة من تجربة مجلس الحكم في هذا المجال، حيث اصبحت لدينا، ولدى الجهات المسؤولة، رؤية شاملة لطبيعة التركيبة السكانية السياسية والاجتماعية. وفي هذه المرحلة بالذات ينبغي التركيز على الجانب الامني. فبدون توفير الامن لا يمكن اختيار ممثلي المحافظات، اذ قد تتعرض هذه العملية الى ضغوط وعمليات ابتزاز وفرض سطوة السلاح والمال. المهم الان ايضا وضع القانون العام، ولا اعتقد ان هناك خلافات جوهرية في هذا المجال. لان الجميع ينادون بالحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان وحرية التعبير والمعتقد والمساواة. وهذا القانون العام سيكون هو الاساس في صياغة الدستور الدائم. اما القول بان مجلس الحكم قد فشل فذلك فيه اجحاف كبير. لم يكن بالامكان تشكيل مجلس انتقالي يضم جميع الفئات، ولكنني كعربي اشعر، على سبيل المثال، ان الكردي مسعود بارزاني او جلال طالباني اقرب الى تفكيري ومنهجيتي من كثيرين من العرب. لذلك يجب الابتعاد قدر المستطاع عن التأثيرات الطائفية والعرقية لنصل الى تمثيل يقوم على اساس (فكري ـ سياسي ـ اجتماعي)، الشعب العراقي يتفهم ذلك جيدا.

اما الصحافية عدوية كاظم فترى ان مقياس النجاح والفشل هو في مدى تحقيق الاستقرار الامني والمعيشي. واضافت: نستطيع ان نقول ان هناك تحسنا ملحوظا في هذا المجال، الا ان هذا التحسن تكتنفه بعض العقبات، ولعل من اهم اسبابها تعدد اطراف المسؤولية، من مجلس حكم، الى ادارة مدنية، الى وزارة ذات مستشارين.. الخ. هذا التعدد يفقد جهة اصدار القرار فعاليتها، ومن هنا يأتـي التلكؤ في تقديم الخدمات، واستتباب الامن، وتنفيذ المشاريع التي يعلن عنها كثيرا من دون تنفيذ، حيث غالبا ما تتحول الطموحات الى وعود غير قابلة للتطبيق في حيز زمني محدد.

ولكي لا يغضب الاميركيون نقول انهم مسؤولون عن الانفلات الامني، ولا نقول انهم احد اهم اسبابه. بعض من نلتقيهم في عملنا الصحافي يرون ان الاميركيين مستفزون في اغلب الاحيان، وبعضهم مرعوبون، وذلك يثير اجواء مماثلة لدى الناس، لذا فان تسليم الحكم للعراقيين هو الحل المطلوب. ان الوضع ليس بمثل هذا السوء الذي يتصوره او يصوره الاميركيون. ربما لا يعكسون ذلك في الكلام، ولكنهم يقولونه على ارض الواقع من خلال الاسلاك الشائكة والجدران الاسمنتية التي تحاصر الشوارع، بل وتحاصر مناطق سكنية واسعة في قلب العاصمة واطرافها. ان المرء يشعر بعدم الاطمئنان نفسيا عندما يرى (الحكام) غير مطمئنين.. وما داموا غير مطمئنين فان اهل العراق ادرى بشعابه، ويعرفون كيف يتعاملون مع من آذاهم او يريد ايذاءهم «وفق القانون» وليس كما يجري الآن ـ خارج القانون ـ لعدم وجود من يأخذ للضحية حقها. وتضيف عدوية: عندما تفتح الوزارات ابوابها للمواطنين، وعندما تزال كل هذه الحواجز والاسلاك الشائكة من الشوارع، يمكن للمرء ان يشعر بالامن والامان، ويمارس حياته الاعتيادية بدون خوف.

اخيرا، لاحظ مراسل «الشرق الأوسط» ان معظم آراء من التقاهم كانت تصب في صالح مجلس الحكم، وانه في ظروفه الصعبة وطبيعة تشكيلته لم يكن بامكانه تقديم افضل مما قدمه. وعندما يتحرر اعضاؤه من الجدران الاسمنتية والاقفاص سيكون بامكانهم الانطلاق في الحياة السياسية نحو الافضل، وسيكون لهم في المرحلة المقبلة دور سياسي مهم، بعد ان تعرف عليهم الناس بشكل واسع، من خلال مجلس الحكم، ومن خلال الفعاليات الاخرى التي قاموا بها. فمنهم من اعطوا صورة سلبية الى حد ما، ومنهم من برزوا في الساحة السياسية بتأثير قوي يؤهلهم للعب دور متميز في مستقبل العراق.