«الشرق الأوسط» تقدم قراءة في سير 14 انتحاريا نفذوا تفجيرات الرياض

ابنان لضابطين برتبة لواء وإمام ومؤذن وموظفو مؤسسات خيرية شاركوا في تفجيرات العاصمة السعودية

TT

مضى على ثلاثية التفجير التي استهدفت الرياض في مايو ( ايار) الماضي نحو 6 شهور، وما زال 2 من المنفذين مجهولي الهوية من أصل 16 شاركوا في العمليات، بعد أن تمكنت أجهزة وزارة الداخلية خلال 4 أسابيع من التعرف على 12 منهم. في حين كشف تسجيل تلفزيوني بث في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على شبكة «الانترنت» عن انتحاريين اثنين شاركا في العملية، وقبل ذلك كان الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية قد صرح في 8 يونيو (حزيران) بعد الإعلان عن هوية 12 انتحاريا، بأنه «تبقى التعرف على 4 جثث أخرى».

وفي معظم العناصر الخطرة التي تشارك في عمليات إرهابية، أو يتم ضبطها قبل تنفيذ مخططها. يكون الرابط الدائم بين كل تلك العناصر هو الذهاب إلى أفغانستان في أوقات سابقة. إلا أن العناصر التي شاركت في أحداث مايو (أيار) في الرياض، لم تكن جميعها وفق ذاك الرابط. فمن بينهم من لم يسبق له الخروج من السعودية.

ويعتبر أشرف السيد ومحمد المقيط آخر عنصرين يتم التعرف عليهما من خلال ظهورهما مع زميلين لهما مشاركين في العملية، وهم يتلون وصاياهم. فعندها تعرف ذووهما على حقيقة الغياب الذي استمر لدى المقيط لـ6 أشهر وللسيد لـ9 أشهر. ومحمد عبد الوهاب المقيط، 27 عاماً، واسمه الحركي «أبو تميم» متزوج ولديه طفلان ويسكن الرياض. وأخذ يرتاد أفغانستان في الشهور الأخيرة التي سبقت أحداث 11 سبتمبر (أيلول). وكانت أسرته تشكو غيابه المتقطع، فحسب أحد المقربين لأسرته يقول «يغيب بين فترة وأخرى، وحين يقرر الغياب يـُفاجئ زوجته بإيصالها إلى منزل أهلها، ليختفي عنهم لفترة بين الشهرين والثلاثة، ومن ثم يعود دون أن يفصح عن حقيقة اختفائه». ويواصل المصدر «وفي الاختفاء الأخير، غاب عنهم قبيل عمليات التفجير بحوالي الشهر. ولم تقلق أسرته عليه، لكونهم اعتادوا على مثل هذا الغياب، حتى فوجئوا بظهوره في تسجيل تلفزيوني يقرأ وصيته».

أما العنصر الآخر فقد كان أشرف السيد، 23 عاماً، واسمه الحركي «أبو تميم المدني»، وهو شاب يتيم، يسكن المدينة المنورة، وانسحب من دراسته في المرحلة المتوسطة. إلا أنه ارتبط بمجموعات في المدينة المنورة منذ فترة، وكان ارتباطه متقطعا. فقد كان «خاله» يخشى عليه منهم فيحضره إلى مقره في الظهران عادة ليمضي عنده الوقت. إلا أن قوة حضور تلك المجموعات وقدرتها على التأثير، ووجود كم كبير من عناصر مشاركة في أفغانستان والشيشان وفي أوقات سابقة في البوسنة والهرسك وسراييفو ساعدت على استقطابه واستثمار عدم تأهيله ويتمه. وحتى قبل أحداث 11 سبتمبر فلم يسبق له زيارة أفغانستان. وفي بقية العناصر المعلن عنها في بيان وزير الداخلية في 7 يونيو (حزيران) كان هناك 12 عنصراً يتقدمهم خالد مسلم الجهني، 29 عاماً، أبرز القياديين في الخلايا السعودية، يسكن في المدينة المنورة، والتحق بالمجموعات في أفغانستان منذ عام 1992، وأمضى هناك قرابة 3 أعوام. إلا أنه عاد للسعودية لفترة بسيطة. ومنذ ذلك الوقت وهو يتحرك بين السعودية وأفغانستان. حتى تمكن من الدخول للسعودية قبل أشهر بواسطة جواز سفر مزور. وكان أهله يظنون انه مات منذ سنوات، حتى فوجئوا بصورته. وسبق لأجهزة الاستخبارات الأميركية أن اكتشفت شريط فيديو يظهر فيه الجهني مع ابن الشيبة واثنين آخرين، يجلسون في غرفة صغيرة، وأمام الكاميرا يقوم الجهني بتقبيل رشاش كلاشنيكوف. وبث الشريط عبر وسائل الإعلام في 19 يناير (كانون الثاني) من عام 2002، بعد أن أشار مصدر أميركي إلى أنه عثر على الشريط بين أنقاض مسكن خاص لأحد مساعدي أسامة بن لادن، وأعطى إشارة إلى أن الجهني كان متواجداً في أفغانستان إبان الضربة العسكرية الأميركية. وحسب معلومات أمنية، فقد تولى الجهني عمليات التنسيق والربط بين قيادة تنظيم «القاعدة» في أفغانستان وباكستان مع قيادات الخلايا في السعودية. وكان الجهني مع يوسف العييري (قتل في مطاردات أمنية شمال السعودية) وخالد حاج (يمني مطلوب في السعودية) يتولى الجانب الحركي للتنظيم في السعودية.

أما عبدالكريم اليازجي، 35 عاماً، ويسكن الرياض، فلم يلتحق بتنظيم «القاعدة» إلا في وقت متأخر من عمره، بخلاف العناصر الباقية التي يتم تجنيدها بين سن الـ15 والـ25، ورغم تقدمه في العمر، إلا أنه لم يتزوج. و سبق له العمل في الهيئة العليا لجمع التبرعات للبوسنة والهرسك في الرياض لمدة سنتين، ومن ثم توجه للعمل في مكتب الهيئة في سراييفو لسنتين أخريـْين. ومنذ مطلع عام 2002 غاب عن أسرته، ولم يبادر إلى الاتصال الهاتفي بهم. ويشير أحد أقاربه إلى أنه في السنوات الأخيرة كان عاطلاً عن العمل، ولا نعرف عنه إلا السفر إلى أفغانستان لمرة واحدة قبل عام 1990 . إلا أنه يذكر في الفترة الأخيرة قبل انقطاعه ان نفسيته كانت «غير مستقرة بشكل ملحوظ» موضحاً أنه كان يصرف على أسرته فترة انقطاعه عن العمل».

وعلى ذات النحو في التجنيد المتأخر. كان حازم محمد كشميري، 35 عاماً، واسمه الحركي «أبو عمر الطائفي» قد تم تجنيده في وقت متأخر قياساً مع البقية من المجندين في التنظيم. ويسكن كشميري في الرياض، وهو ابن لضابط متقاعد برتبة لواء في جهاز المباحث العامة، ومتزوج وله 4 أطفال، وحاصل على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال، وأنجز المرحلة الجامعية في 3 سنوات ونصف. وحسب معلومات من مقربين فإنه اختفى عن أسرته بعد فترة قصيرة من حوادث التفجير. ويقول أحد العارفين به «لم يكن متديناً في بداية عمره، إلا أنه قبل 10 سنوات استمع لشريط للشيخ سعد البريك بعنوان «توبة صادقة» ليشهد تحولاً في حياته، ويلتحق بالعمل في الندوة العالمية للشباب الإسلامي في منتصف التسعينات. وانتقل للعمل مع رابطة العالم الإسلامي، وحينها كان بعيداً عن ممارسات التطرف الديني، ولم تبد عليه أية مؤشرات في هذه الاتجاه، فقد كان لطيفاً مرحاً. إلا أنه كان متعاطفاً مع قضايا الجهاد. وسبق له زيارة أميركا منتصف التسعينات للمشاركة في مظاهرة سلمية لأجل قضية البوسنة. ولكن شيئاً ما تغير حوله في السنوات الثلاث الأخيرة. إلا أنه كان يتعرض للمضايقة والتحوط من زملائه لكون والده مسؤولا أمنيا في جهاز المباحث»، مشيراً إلى أنه «قد يكون لمثل هذا الأمر من مضايقة وتحوط دور في تحول شخصيته إلى التطرف بصورة مفاجئة». وفي آخر شخصيتين (اليازجي، كشميري) بدا مثيراً للاستغراب لدى المتابعين سهولة تجنيدهما في وقت متقدم، وغير متناسق مع أدبيات تنظيم «القاعدة». إلا أن متابعا أمنيا يشير إلى كون ارتباطهما القديم مع مؤسسات خيرية ذات نشاط في الخارج قد «ساهم في تسهيل تجنيدهما في هذه المرحلة العمرية». أما خالد إبراهيم بغدادي، 29 عاما، يسكن في الرياض، فد عاش التطرف منذ الصغر، وكان يحمل هم المشاركة في أفغانستان أو غيرها منذ وقت مبكر. ولم تتوفر له الفرصة لذلك، إلا في عام 1998 حين اتجه إلى أفغانستان. ولم يفصح لأسرته حينها بذلك، غير أنه أدعى بوجوده لـ«الجهاد» في كشمير. وقبلها لم يكمل المرحلة الثانوية في الدراسة. وبعد فترة قصيرة من استقراره لدى أسرته، فوجئ والده باختفائه في عام 2000، وقد ترك رسالة كتب عليها «سامحوني أنا ذاهب للجهاد». ولم يسنح الوقت لوالده لمنعه من السفر. فقد تمكن من الخروج باتجاه الكويت ومن ثم أفغانستان. إلا أنه نجا من الضربة العسكرية على أفغانستان عام 2001 وعاد إلى السعودية. ومن حينها بدا ميله الشديد للتطرف. فبادر إلى «إحراق شهاداته وصوره وتحطيم جميع اللوحات التي تحمل آيات قرآنية وكان على خصام دائم مع والدته بسبب التلفزيون»، إلى أن اختفى مجدداً من البيت، قبل أن يجري اتصالاً بوالدته قبل حادث التفجير بشهرين.

وفي حالة أخرى كان جبران حكمي، 27 عاماً، قد اعتبر لدى ذويه في جازان بأنه مقتول في حادث سيارة في المنطقة الشرقية، وعلى إثر ذلك، استخرج له والده شهادة وفاة قبل أكثر من عام.

جبران حكمي بعد أن استكمل دراسته الثانوية والتحق بمعهد المراقبين، تم تعيينه في بلدية محافظة أبو عريش في منطقة جازان على وظيفة مراقب فني، وفجأة اختفى عن أسرته مطلع عام 2001، وعلم حينها أنه توجه إلى أفغانستان، إلا أن أسرته لم تعلم بهذا النبأ. حتى تشابه عليهم وفاة شاب آخر في المنطقة الشرقية فاعتقدوا أنه ابنهم، رغم معاينتهم للجثة. وطوال فترة الدراسة الثانوية والتأهيلية لم يبد عليه أي شيء من التطرف، حتى التحق بالوظيفة وبدأ يتتبع أخبار أفغانستان. اما محمد الوليدي الشهري، 25 عاما، فقد اخفق في كلية الشريعة في جامعة الملك خالد عام 2000، وفي فترة الدراسة الجامعية كان يتغيب عن أسرته باستمرار. حتى فاجأ أسرته باتصالٍ من أفغانستان التي مكث فيها قرابة 6 أشهر ليعود متغيراً في سلوكه، مائلاً إلى التطرف. وحينها كان يطلب من أهله عدم سؤاله عن خصوصياته. وكان أن تم إيقافه في المباحث العامة في منطقة عسير لنصف شهر فور عودته من أفغانستان. وحسب معلومات من مقربين فإن الشهري «تزوج بعد فترة قصيرة من خروجه من المباحث والتحق بعمل في سوق الخضار مع 3 أشخاص وهم عثمان العمري (أحد المطلوبين في قائمة الـ19 الشهيرة ومازال غائباً) وآخرين أحدهما موقوف لدى المباحث والآخر مصيره مجهول. ويشير إلى أنه قبل تفجيرات الرياض «غادر مع زوجته إلى جهة لم يعلنها لنا». وكان الشهري قد ترك زوجته في شقة في الرياض لوحدها لفترة 3 أشهر، دون أن تخرج أو يزورها أحد، سوى أنه كان يأتي الشقة للنوم، ليس أكثر، حتى شارك في عمليات التفجير. ويعتبر محمد شظاف الشهري، 27 عاماً، واسمه الحركي «أبوطارق الأسود» أحد أحدث المتحولين من الاعتدال إلى التطرف. وهو متزوج وله طفلان، وبعد أن غادر قريته (ثلوث المنظر) في جنوب السعودية لإكمال دراسته الجامعية في جامعة الملك سعود في الرياض، التحق بوظيفة معلم في مادة الأحياء في مدينة الرياض. وحسب مقربين، فإن مظاهر التدين «لم تبد عليه إلا بعد الالتحاق بالجامعة».

وطوال فترة الجامعة، كان للشهري حضور قوي في المسرح، واعتبر أحد أهم الشخصيات الفكاهية في تاريخ مسرح جامعة الملك سعود. وواصل في إبراز موهبته عبر برنامج فكاهي ( لقطات ضاحكة) قدمه في تلفزيون المجد. إلا أنه غاب عن إعداد البرنامج في الشهور الثلاثة التي سبقت العملية. وهي الفترة التي غاب فيها عن المدرسة أيضاً والتحق بالجماعات الإرهابية. أما هاني العبد الكريم الغامدي، 23 عاما، فهو ابن لضابط متقاعد برتبة لواء في وزارة الداخلية. والتحق بكلية المعلمين في الطائف، وفي الكلية بدأ يتحمس للذهاب الى أفغانستان فكان له ما أراد، عندما استغل غياب والده خارج السعودية، وغادر إلى أفغانستان فترة الضربة العسكرية الأميركية وعاد في فترة وجيزة. وحسب مقربين فإنه بعد عودته تعرض لـ«التغرير والوعود بالجنة وحور العين واستثمر المغررون صغر سنه لتمرير مثل هذه الأفكار».

وهناك عبد الله وبندر الرحيمي المطيري، وهما من أسرة واحدة وأبناء عمومة. ولم يسبق لهما أن زارا أفغانستان. فالأول عبد الله، 23 عاماً، كان يعمل إماماً لأحد المساجد بالنسيم وتغيب عن أسرته قبل عام من التفجير. وهو متزوج منذ سنتين ولديه 3 أطفال. ويسكن في منزل لوحده، ولم يكمل تعليمه. أما الثاني، بندر، 23 عاما، فقد تغيب عن أسرته مع أحداث العراق الأخيرة، ولم يكمل هو الآخر تعليمه. ومنذ اختفائه مع ابن عمه (عبد الله) لم يرد منهما أي اتصال إلى أهلهما.

وأما أكثر الشخصيات غموضاً فهي محماس الهواشلة الدوسري وماجد العكيل، فالأول (محماس)، 27 عاماً، من سكان محافظة الخرج، عمل مؤذناً في جامع الحي، وقبل أكثر من 3 أعوام انقطعت أخباره دون اتصال مع ذويه. والآخر (ماجد)، 27 عاما، فعرف عنه أن كان يتردد على بعض العناصر المسجلة في قائمة الـ19 الشهيرة. ولم يكن بالشخصية الهامة بين المجموعة، إضافة على أنه حديث التدين. ويشير متابع أمني إلى أن من بين الانتحاريين من «لم يشارك في عمليات أفغانستان، وهو ما يطرح علامات استفهام حول مكان تدريب وتهيئة مثل هذه العناصر على القيام بعمليات ضخمة كتفجيرات مايو». موضحاً أن التهيئة النفسية لدى بعض أعضاء المجموعة الانتحارية كانت تأتي من خلال «التداخل في المؤسسات الخيرية التي تنشط في الخارج».