أمين مجلس وزراء الداخلية العرب: القمة العربية المقبلة ستضيف بنودا لاتفاقية مكافحة الإرهاب تشمل التحريض والإشادة والإيواء

محمد كومان لـ«الشرق الأوسط» : الممنوع هو التستر وراء جمعيات خيرية لتمويل حركات إرهابية

TT

اكد الامين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب الدكتور محمد بن علي كومان ان الحملة التي تتعرض لها المملكة العربية السعودية من قبل بعض الجهات تأتي كونها تعتبر قبلة المسلمين.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط» ان استهداف المملكة التي تمثل رمزاً للعروبة يأتي على خلفية مواقفها الثابتة في مجال العمل الاسلامي واهتمامها بالقضايا العربية والاسلامية العادلة، علما بأن هذا الاستهداف يعد استهدافا للعالمين العربي والاسلامي.

واشار كومان الى ان الاتهامات الموجهة ضد الدول العربية بشأن الارهاب هي اتهامات باطلة، وان الدول العربية كانت في طليعة الدول التي اعدت اتفاقية في مكافحة الارهاب.

وقال كومان: ان ظاهرة الارهاب التي تشكل في الوقت الراهن ظاهرة متنامية ليست جديدة بل هي قديمة وربما تغيرت الاساليب التي تستخدم في الجرائم الارهابية، ويعود السبب في ذلك الى التطورات التقنية التي شهدها العالم المعاصر وهذا ما جعل هذه الجرائم تتصف بأنها اكثر رعبا وتدميرا واثارة، علماً بأن جريمة الحرابة الموجودة في الشريعة الاسلامية هي نفسها الجريمة الارهابية المعاصرة التي تعتمد الترهيب والترويع، ولذلك فان الارهاب يعتبر بالأساس جريمة محرمة ومعاقباً عليها في الشريعة الاسلامية بأحكام شديدة جدا تصل الى عقوبة الاعدام.

وقال: اما بالنسبة للضجة التي تحدث الآن باسم مكافحة الارهاب فانها للاسف يمكن القول عنها بأنها بلبلة اعلامية هدفها اتهام العرب بصفة خاصة بانهم لا يواجهون الارهاب كما يجب، في حين ان هذا الامر خاطئ تماما ومخالف للحقيقة بدليل اننا وضعنا اتفاقية عربية لمكافحة الارهاب، فيما لم تضع الدول التي تدعي مكافحة الارهاب حتى الآن هذه الاتفاقية، بالاضافة الى انه وفي اطار مكافحة الارهاب حاليا يتم تبادل المطلوبين بين الدول العربية في جرائم الارهاب ونذكر هنا على سبيل المثال ما قام به اليمن من تسليم بعض المجرمين الى المملكة العربية السعودية.

واضاف: الدول العربية ترغب بأن يكون هناك تعاون شامل وعام بين جميع دول العالم لمكافحة ظاهرة الارهاب ولا سيما في مجال تسليم المجرمين والارهابيين، لا ان يجد الارهابي تحت اي مسمى من المسميات كحقوق الانسان او حرية الرأي والفكر ملجأ للعمل بحرية في بعض الدول التي تدعي انها تحارب الارهاب.

وبالاضافة الى ما سبق فنحن نرى ان ظاهرة الارهاب لا تكمن فقط في الشخص الذي يقوم بالعمل الارهابي حيث يعتبر في هذه الحالة اداة، بل نحن نهتم بالفكر الارهابي وبالمؤطرين لهذا الفكر والذين يعدون اشد خطورة ويجدون الرعاية في عدد من الدول الغربية وهذا ما يمثل خطرا كبيرا بالنسبة لنا.

وكثير من المطلوبين سواء للدول العربية او غيرها يجدون ملاذا آمنا لدى جهات تدعمهم، ومن بين هذه الجهات الصهيونية العالمية التي تسعى الى السيطرة على العالم، وان اتهام العرب والاسلام بالارهاب ما هو الا سلعة رائجة في ظل اعلام كبير منحاز يصب في خانة تأليب الرأي العام الغربي ضد العرب والمسلمين على اساس انهم يدعمون ويمولون الارهاب. فلو كانت الدول العربية ملاذا للارهابيين لما غادرها اصحاب الفكر المتطرف الداعي الى الارهاب، وكما ترى فانا استعمل عبارة اصحاب الفكر المتطرف وليس اصحاب الفكر الاسلامي لان الاسلام بريء مما يقوم به هؤلاء الاشخاص الذين يخدمون مصالحهم ويستخدمون الدين مطية لاثارة الشعوب واستدراج الضعفاء والبسطاء والدين منهم براء، لان الاسلام لا يقر ما يقومون به من افعال.

وحول محاولات بعض الجهات الغربية ربط السعودية بالارهاب قال: في المقام الاول فان المملكة العربية السعودية هي دولة اسلامية مثل غيرها من الدول الاسلامية وان التركيز عليها يأتي كونها قبلة المسلمين، اما بالنسبة للفكر الاسلامي الموجود في المملكة العربية السعودية فالمذهب الاساسي لديها هو المذهب الحنبلي والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه ما هو الا مجدد لهذا الفكر ولم يخرج عن المذهب الحنبلي الذي ظهر منذ قرون عدة وتمتد اثاره حتى الآن، ومن غير الجائز ان نوصم الاسلام اوالمذهب الذي ننتمي اليه بانه يفرخ الارهاب لان جميع من تخرج في المدارس الدينية السعودية لم يعتنقوا اي فكر متطرف، اما اذا وجد شخص او اثنان او ثلاثة يفكرون بطريقة متطرفة فلا يعني ذلك ان هناك اخطاء في المناهج التي على العكس تركز القيم الاسلامية الراقية، وانا اتحدى ان يكون هناك في المناهج التي تدرس بالمملكة ما يدعو الى التطرف. ولذلك فان استهداف المملكة هو محاولة لاشغالها عن هذه القضايا، وبالمحصلة النهائية فان استهداف المملكة العربية السعودية يعد استهدافا للعالمين العربي والاسلامي. وبالرغم من هذه الحملة فان المملكة العربية السعودية وكذلك الدول العربية الاخرى المستهدفة في هذه الحملة لم تخرج عن مسارها العربي والاسلامي، بل على العكس فإنها متمسكة بمواقفها وقضاياها العربية والاسلامية.

وحول اتهام بعض الدول العربية بأنها لم تتعاون كما يجب في مكافحة ظاهرة الارهاب قال كومان: هذه الاتهامات باطلة وليس لها اي اساس من الصحة وعلى الذين يوجهون مثل هذه الاتهامات ان يحددوا ما هي اوجه التقصير والتهاون التي يتحدثون عنها في مجال مكافحة الارهاب، فالحقائق تكشف ان الدول التي تواجه مثل هذه الاتهامات تريد تعاونا من طرف واحد فيما تريد الدول العربية والاسلامية تعاونا ثنائيا ومع جميع الاطراف، اي معنى آخر هناك رفض عربي واسلامي لسياسة الازدواجية التي تلجأ اليها بعض الدول الغربية في التعامل مع ظاهرة الارهاب، وذلك في ضوء احتضان بعض هذه الدول لعناصر ارهابية مطلوبة لدى بعض الدول العربية في حين تقوم من جهة اخرى بمضايقة مواطنين عرب ليس لهم علاقة بالارهاب حيث يتم اعتقالهم وانتهاك حرياتهم بمجرد وجود شكوك بشأنهم، فمثل هذه الممارسات هي غير مقبولة لانها لا تستند الى اي معايير موضوعية، ومن هنا كان من الاجدى على الدول الغربية ان تسعى الى تحديد مفهوم دولي للارهاب على غرار ما قامت به الدول العربية من تحديد مفهوم الارهاب والتوصل الى الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب، وتكشف الوقائع ان الدول الغربية تفسر على طريقتها من هو ارهابي ومن هو غير ارهابي ولذلك فهي تتهرب من وضع مفهوم دولي للارهاب حتى لا تلتزم به، وحتى لا يطال هذا المفهوم اسرائيل التي تقوم بممارسات واعمال ارهابية تشكل في هذه الحالة ارهاب دولة لا يمكن ان تقبل به لا المواثيق الدولية ولا الشرائع السماوية، ولذلك فان الدول العربية عندما عرفت الارهاب لم تخلط بين الاعمال الارهابية وبين النضال المشروع لتحرير الوطن من الاحتلال، وبالتالي فان تهرب الدول الغربية من مسؤولية تعريف الارهاب واللامبالاة الدولية تجاه تحديد مفهوم دولي للارهاب على غرار ما قامت به الدول العربية بفتح الباب على مصراعيه لتساؤلات كبيرة وخاصة بعد ان تم ارسال الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب اكثر من مرة الى الامم المتحدة ولم يتم الالتفات اليها، هذا بالاضافة الى تجاهل الدعوات المتكررة التي وجهتها لعقد مؤتمر دولي حول الارهاب.

* لماذا ستعود القمة العربية القادمة التي ستعقد في مارس 2004 في تونس، للنظر في موضوع الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب؟

ـ ان السبب في ذلك يعود الى خلو الاتفاقية من بعض البنود المتعلقة تحديدا بالتحريض والاشادة والايواء وهذه البنود لم يكن منصوصا عليها بشكل صريح في الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب وكانت تدخل في اطار القواعد العامة للاتفاقية، وبناء على الرغبة العربية التي ابديت وخاصة اثناء القمة العربية في بيروت لجهة تعديل وتطوير الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب فقد تم الاتفاق على ادراج هذه البنود الجديدة في الاتفاقية وقد قامت لجنة من الخبراء والمختصين من مجلس وزراء الداخلية والعدل العرب باعداد مشروع يتضمن هذه البنود لاقراره من قبل وزراء الداخلية والعدل العرب تمهيدا لرفعه الى القمة العربية القادمة في تونس.

* هناك من يرى ان اضافة بند حول جمع الاموال تحت ستار جمعيات خيرية اسلامية لتمويل الارهاب الى الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب جاء استجابة ورضوخا للمطالب والضغوط الاميركية.. ما مدى صحة ذلك؟

ـ ان الجمعيات الخيرية التي تقوم بجمع اموال بهدف خدمة الامة والمجتمعات الاسلامية هي جمعيات مدعومة ولا يوجد حولها خلاف، فلا يمكن بأي حال من الاحوال ان تمنع الناس من عمل الخير والسعي اليه بل نحن نحض عليه وندعو له. ولكن ان يتم التستر خلف هذه الجمعيات لتمويل حركات ارهابية فهذا هو الممنوع وبالتالي نحن نميز هنا بين الجمعيات الخيرية التي انحرفت عن اهدافها المعلنة وبين الجمعيات الاخرى التي تقوم فقط بالاعمال الخيرية الانسانية التي يحث عليها ديننا الاسلامي الحنيف. وهناك الآن جمعيات عديدة تمارس عملها في خدمة المجتمعات العربية والاسلامية ككل.

* هل تعتقدون بعد الاحداث الارهابية التي شهدتها مدينة الرياض وقبلها مدينة الدار البيضاء ان موضوع الارهاب سيهيمن على اجتماعات الدورة القادمة لمجلس وزراء الداخلية العرب؟

ـ الكل يعلم ان مجلس وزراء الداخلية العرب قد اولى مشكلة الارهاب وما ينجم عنها من مخاطر اهتماما بالغا ومما يدل على ذلك القرارات والاجراءات التي اتخذها وزراء الداخلية العرب في دوراتهم السابقة من اجل التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة ومكافحتها. واعتقد ان الدورة القادمة لمجلس وزراء الداخلية العرب التي ستعقد في تونس في مطلع شهر يناير (كانون الثاني) المقبل قد تتناول في جانب هام منها الحديث عن مشكلة الارهاب لانها فعلا تمثل بالنسبة لنا جريمة غريبة عن مجتمعاتنا وهي تتنافى مع قيمنا الدينية والاجتماعية والاخلاقية وبالتالي يجب ان تكون هناك وقفة حازمة لمحاربة هذه الجريمة.