ارتفاع أسعار الذهب ينعكس سلبا على الصاغة في جدة قبل عيد الفطر

15 ألف طن من الذهب تتداولها أسواق جدة سنويا والسوق تضم 11 مصنعا و270 مشغلا و800 محل ومعرض

TT

«جدة بوابة الذهب» كما يطلق عليها الكثيرون لكن تجارة الذهب لا تسر هذه الأيام، فمع العد التنازلي لشهر رمضان واقتراب العيد، لا ازدحام ولا تزاحم في السوق بالرغم من الاستعدادات المبكرة لأصحاب المعارض لهذا الحدث بطرحهم للعديد من الأطقم الناعمة التي يكثر عليها الطلب في مثل هذه المناسبة.

ويعد شهر رمضان من المواسم الجيدة لتجار الذهب، لكن الارتفاع التصاعدي في الوقت الحاضر (أكثر من 47 ريالا للغرام الواحد) قد اثر بلا شك على أداء السوق سلبا وترك محال الذهب «خاوية على عروشها» في الوقت الذي يعلق فيه القائمون على هذا القطاع الاقتصادي الهام الآمال في أن يتحسن الوضع لما تبقى من الشهر الحالي وبما يحفظ لهم ماء الوجه ويجنبهم الخسائر التي قد تصيبهم في حالة استمر السوق فيما هو عليه الآن حتى نهاية شهر رمضان.

«الشرق الأوسط» رصدت حركة أسواق الذهب في جدة قبل خمسة أيام من قدوم العيد لتخرج بانطباع يشوبه التشاؤم حول مجريات السوق حيث لوحظ عزوف شبه تام من قبل المستهلكين، أرجع البعض أسبابه إلى الارتفاع الجنوني في أسعار المعدن النفيس، فيما قلل البعض من تأثيرات الأسعار المتصاعدة على المستهلك باعتباره لا يشكل عائقاً كبيراً أمام المشتري الذي يرغب في شراء هدية ما لابنته أو زوجته بمناسبة العيد التي تتعدى خاتماً أو سواراً ناعماً من الوزن الخفيف لا تشكل في الأساس فروقات كبيرة في ميزانية المستهلك الذي حضر للمحل بقصد الشراء أصلاً.

ويقول صالح العلي، «أب لأربع بنات» الذي كان يهم بدخول إحدى المحال في سوق اليمامة الذي يعد من أكبر الأسواق للذهب في جدة، ان الأسعار الجنونية للذهب هذا العام جعلته يتخلى عن عادة سنوية استمرت معه لسنوات، وهي عادة تقديم هدية من الذهب الخفيف لبناته الصغيرات ويضيف «بسبب موجة الأسعار التي بدأت في التصاعد منذ العام الماضي وتجاوزها لمبالغ تعتبر جداً عالية لجأت هذا العام إلى طريقة أخرى حتى أتمكن من الخروج من هذا المأزق وذلك باستبدال ما لدينا من ذهب بأخر من الموديلات الحديثة ودفع الفارق باعتباره أقل ضرراً».

ويبدو أن العلي، ليس الوحيد من لجأ إلى هذه الحيلة، فكثيرون غيره قد سلكوا هذه العادة. ويقول أحد العاملين في إحدى المحال ان معظم الناس الذين يشاهدون وهم يدخلون ويخرجون من محلات الذهب معظمهم يأتي في الغالب لاستبدال ما لديه من قطع ذهب بأخرى حديثة بعد دفع الفارق بالطبع وهذا الأسلوب قد قلل من فرصة تحقيق مبيعات جيدة في موسم يعتبر من أهم المواسم التي ينتظرها تجار الذهب ويستعدون لها استعداداً جيداً. ولكن الشريف أحمد فؤاد عبد الله صاحب مؤسسة «الشريف عبد الله للذهب والمجوهرات» في جدة الذي يمتلك 3 مصانع التصنيع الحلي والمجوهرات، يرى أن سوق الذهب والمجوهرات بدأ الآن في الانتعاش خاصة مع بداية الإجازة المدرسية، ويضيف «أن الارتفاع المستمر في أسعار الذهب قد شكل تحدياً كبيرا للعاملين في سوق الذهب وبالتالي في كساده»، وقال «أعتقد أن المتضرر الأكبر للوضع الناجم عن جنون الأسعار هو المستهلك الذي يعتمد وحدة الغرام في الشراء فيما التاجر يشتري مقدار كيلوغرام من الذهب الخام ويبيعه للصاغة بحساب الكيلوغرام بغض النظر عن السعر الذي يرتفع أحياناً وينخفض»، ولكن الارتفاع ربما يكون ناتجاً عن أجور اليد العاملة «المصنعية» لذلك فان المتضرر الأكبر هو المستهلك الذي يفاجئ بين حين وآخر بارتفاع في الأسعار يقابله عزوف من قبل المستهلك وقال «أعتقد أن ارتفاع أسعار الذهب كان جلياً وواضحاً منذ العام الماضي وهي تتململ وتذبذب ولكن صعوداً على الدوام ولكن بحدة أقل مما كان عليه العام الماضي الذي شهد قفزة كبيرة».

ويضيف «السعودية تحتل المرتبة الرابعة بين دول العالم من حيث استهلاك الذهب والسوق السعودي غني جداً بالذهب المصنع، وأن حجم الذهب التداول في سوق جدة وحده يقدر بنحو 15 ألف طن من المشغولات سنوياً باعتبار هذا السوق الموزع للذهب للعديد من المناطق خاصة المنطقة الغربية من السعودية كالمدينة المنورة وغيرها من المدن إذا استثنينا مكة المكرمة التي لا تقل شأناً من حيث الكميات المتداولة إن لم تتفوق عليها».

وقال ان الطلب يتنوع في رمضان ليشمل جميع المشغولات، لان الغالبية العظمة من الناس في موسم العيد تشتري الحلي اما للاستخدام الشخصي أو لتقديمها كهدية لذلك فأن التركيز الأكبر يكون على المشغولات الناعمة المتمثلة بالخواتم والسلاسل، وكل مشتري يختار النوع الذي يرغب فيه حسب إمكانياته المادية من حيث الوزن والسعر.

من جانبه يقول محمد عزوز صاحب «بيت عزوز للذهب والمجوهرات» الكائن في سوق «الصحيفة» ومن قدماء «الصاغة» وعضو لجنة الذهب والمجوهرات في جدة «لم يلحظ منذ بداية شهر رمضان وحتى الآن ما يبشر بموسم جيد للمتعاملين في السوق» ويتابع «ارتفاع أسعار الذهب الجنوني قد أربك السوق خاصة بعد أن وصل سعر الغرام الواحد ما بين 47 ـ 50 ريالاً وهي مستويات عالية جداً كما ارتفع سعر أونصة الذهب إلى نحو 400 دولار وان الارتفاع كان بطريقة تصاعدية ممثلة قفزة كبيرة أثرت بدورها على السوق بلا شك».

ويضيف «هناك عوامل أخرى أثرت سلباً على أداء السوق، فبعيدا عن الأسعار فان السوق ما زال يعاني من تأثيرات قضية «سعودة» وظائف محلات الذهب التي لم يتبق من المهلة الممنوحة للتجار لإحلال السعوديين محل العاملين الأجانب سوى وقت قليل، مما جعل التجار ينشغلون بتصحيح أوضاعهم أكثر من اهتمامهم بالسوق، ولهذا فان عملية تبادل الذهب بالأجل بين التجار كانت صعبة جداً لنفس السبب وكان تأثيرها واضحاً جداً على المتعاملين في سوق الذهب وبالتالي أثر هذا الوضع على السوق بصفة خاصة».

وتوقع عزوز، أن يشهد سوق الذهب فيما تبقى من رمضان إقبالا لا بأس به، وقال ان المستهلك الذي تعود شراء هداياه من الذهب في العشر الأواخر من رمضان وجد أسعارها مرتفعة ارتفاعا كبيراً وهو ما سبب صدمة كبيرة له وحد بشكل حتمي من حركة السوق وبالتالي أثر على مبيعات الموسم. إضافة إلى ذلك لا يمكننا إغفال فترة الاختبارات المدرسية التي صادفت في نفس الشهر واستمرت لمدة أسبوعين وتركت الأسواق شبه خالية، وقال «دعونا ننتظر ولا نتعجل خاصة أن المستهلك لا يبدأ عادة بشراء الذهب قبل أن يؤمن الملابس واحتياجات العيد الأخرى وأن الذهب في هذه الحالة يأتي في آخر الأولويات».

وقال هناك أمل كبير لدى الصاغة والتجار أن يعوضوا جزءاً ولو يسيراً مما فاتهم طوال هذا الشهر والشهر الماضي خلال الايام المتبقية من شهر رمضان وأن يخرجوا على بأقل مكاسب تغطي مصروفاتهم السنوية كما يقول.

وفيما يتعلق بالقطع التي يكثر الطلب عليها وتقدم كهدايا في العيد قال «هي تلك التي تصلح كهدايا في العيد خاصة «البناجر» الخاصة بالفتيات الصغار هي التي يكثر عليها الطلب وبنسبة تصل إلى 70 في المائة من مبيعات السوق في هذا الشهر، عكس المواسم الأخرى كموسم الأفراح مثلاً الذي يكثر فيه الطلب على الأطقم والمشغولات الشعبية الأخرى».

يذكر أن صناعة المجوهرات والذهب في السعودية قد وصلت إلى مستويات عالمية تعمل في إبداعاتها مواهب وطنية وعربية نشطة، ويوجد في جدة وحدها 11 مصنعاً و270 مشغلاً ونحو 800 محال ومعرض ذهب ومجوهرات بمختلف مستوياته، مما جعل من مدينة جدة الساحلية «بوابة الذهب» للملكة العربية السعودية بدون منازع.