المغرب: اجتماع حاسم اليوم للمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي لحسم خلافة اليوسفي

TT

يجتمع المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي اليوم يتوقع المراقبون ان يتم خلاله النظر في مسألة الحسم في خلافة عبد الرحمن اليوسفي على رأس الامانة العامة للحزب. بدأت بوادر الصعوبات التي تواجه حزب الاتحاد الاشتراكي تطفو على السطح، منذ أول يوم من أيام رمضان الذي صادف في المغرب يوم الاثنين 27 اكتوبر(تشرين الأول)، عندما رن جرس الهاتف في منزل عبد الواحد الراضي،عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (رئيس مجلس النواب)، الذي كان مقررا ان يشهد اجتماعا مصغرا يقتصر حضوره على عبد الرحمن اليوسفي الامين العام للحزب،ومحمد اليازغي، نائب الامين العام والراضي، لترتيب الأجواء لعقد اجتماع للمكتب السياسي (الاسبوعي) الذي تأخر انعقاده مدة شهر كامل، وهي الفترة التي أعقبت الانتخابات البلدية والقروية التي جرت في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي.

وفي تلك المكالمة أبلغ اليوسفي الراضي اعتذاره عن حضور الاجتماع، وابلغه أنه سيرسل له في وقت لاحق رسالة. لم يكن من الصعب تخيل، كما علق قيادي في الحزب،مضمونها،خاصة في هذه الظرفية. وبعد وقت وجيز من اليوم نفسه، وصلت رسالة اليوسفي الى الراضي، وكان محتواها اعلانه الاستقالة من أمانة الحزب واعتزال العمل السياسي، بعد 10 سنوات من قيادة الحزب خلفا لزعيمه التاريخي الراحل عبد الرحيم بوعبيد، وهي الفترة التي تولى اليوسفي خلالها رئاسة حكومة التناوب ابتداء من مارس (آذار) 1998.

التفسيرات التي أفادت بها مصادر متطابقة قريبة من اليوسفي هي ان الرجل لم يكن راضيا عن الأجواء العامة في الحياة السياسية بالبلاد وداخل حزبه على الخصوص. ولخص أحد الرفاق القدامى لليوسفي أسباب استقالته في «نفاذ صبر الرجل»، موضحا ان استقالته كانت «ردة فعل على ما يعتبره اليوسفي تدهورا في مستوى القيم واخلاقيات العمل السياسي، بدءا من الأوضاع المريرة التي يجتازها حزبه منذ سنوات، ثم ظروف انتخاب عمديات كبريات المدن،وصولا الى آخر عملية انتخابية تمت على مستوى انتخاب (غير مباشر) ثلث اعضاء مجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان).

وفي اليوم الثاني من شهر رمضان، انصب اهتمام اعضاء المكتب السياسي، في أول اجتماع يعقدونه في غياب اليوسفي، على دراسة الكيفية التي سيتم عبرها التعاطي مع مسألة الاستقالة. وتم الاتفاق على ان يصدر في وقت لاحق بيان باسم المكتب السياسي يشيد بالدور التاريخي والسياسي الذي لعبه اليوسفي، وتشكيل وفد يتوجه للقاء اليوسفي، ضم اليازغي والراضي ونزهة الشقروني ومحمد الصديقي وفتح الله ولعلو. وتم اللقاء بعد يومين من استقالة اليوسفي، وكانوا مدركين ان الرجل مصمم على عدم التراجع عنها، مما جعل زيارة الوفد أشبه ما يكون بجلسة وداع وسط أجواء مؤثرة. وخلال الاجتماع سلم اليوسفي ما في عهدته من مسؤوليات في الحزب وماليته، وفي اطار ذلك تسلم الصديقي مسؤولية ادارة صحيفة «الاتحاد الاشتراكي».

وفي مساء نفس اليوم عقد المكتب السياسي اجتماعا «غير عادي» عندما تحولت مداولاته بسرعة من تقديم الوفد لنتائج لقائه مع اليوسفي، الى مناقشة مسألة خلافة اليوسفي، بناء على اقتراح بعض أعضاء المكتب الدخول في عملية انتخاب أمين عام جديد للحزب. وكان رد عدد آخر من أعضاء المكتب على الإقتراح بأنه «غير مناسب وغير لائق» ويفترض عدم التسرع، طالما أنه لا يوجد فراغ، ويجري تسيير الأمور بطريقة جماعية وبإشراف اليازغي».

لكن التوتر بدأ يخيم على أجواء الاجتماع، عندما احتد النقاش بين فريقين داخل المكتب السياسي، وكان اليازغي الذي يسير الإجتماع قد وجد نفسه أمام تباين شديد في الرأي بين فريقين، الاول يضم أعضاء في المكتب السياسي، يوصفون بـ«المقربين منه»، وضمنهم النائب محمد لشكر وعبد الهادي خيرات، بينما ضم الفريق الثاني وجوها آخرى ضمنها فتح الله ولعلو وزير المالية والتخصيص وحبيب المالكي وزير التعليم والنقابي الطيب منشد. وبدأ الفريق الثاني، كما قال أحد اقطابه يشعر بنوع «من الانزعاج ووجود عملية اعداد مسبقة لمسألة خلافة اليوسفي».

وزاد انزعاج الفريق الثاني عندما لمح النائب لشكر الى وجود تداخلات من خارج الحزب، ودعا الى الحفاظ على استقلاليته في القرار، فيما اعتبر ذلك من قبل بعض الاعضاء بمثابة «تلميحات بدون مبرر»، وأشبه ما يكون بإعداد الأجواء لاتهامات «جاهزة»، وبذلك بدأت أجواء عدم الثقة تلقي بظلالها على المجتمعين، واصبح الاتفاق على تحديد موعد جديد لاجتماع المكتب السياسي، مسألة تكتنفها صعوبات، ذلك ان التعجيل باجتماع جديد يعني الاسراع بحسم الخلافة، وتأجيله يعني التريث.

وبعد عودة بعض اعضاء المكتب السياسي الذين كانوا في مهام خارج البلاد،وهم خالد عليوة، وزيرالتعليم الحالي، والوزير السابق، العربي عجول، ونزهة الشقروني، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الخارجية لشؤون الجالية المغربية بالخارج، التأم اجتماع المكتب السياسي يوم السبت اول نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري ، وكان انعقاده في ذلك الموعد أشبه ما يكون بتعجيل لتوقيت المواجهة بين الفريقين.

وخلال الاجتماع تبلور اتجاهان في الرأي، فريق أول «مقرب من اليازغي» يدعو لحسم الخلافة باعتبارها «أمرا محسوما ضمنيا لفائدة اليازغي». وفي المقابل طرح الفريق الثاني فكرة اعتماد «منهجية جديدة لاختيار أمين عام الحزب تستند الى المشروعية الديمقراطية وتجاوز منطق الشرعية التاريخية التي ارتبطت بجيل الآباء المؤسسين للحزب أمثال الراحل بوعبيد والمستقيل اليوسفي».

وتعمق الخلاف بين الفريقين عندما بدأ يكتسي أبعادا قانونية مرتبطة بطريقة اختيار أمين عام الحزب.

ففي مقابل رأي احد اعضاء الفريق الأول الذي يقول إن الخلافة محسومة، وان شغور منصب الأمين العام يملؤه تولي نائب الأمين العام له (أي اليازغي)، رد الفريق الثاني بأنه يفضل تولى اليازغي إدارة شؤون الحزب باعتباره نائب الأمين العام، في انتظار حسم الأمور في المؤتمر.

ودخل الخلاف مرحلة جديدة عندما اقترح الفريق الأول صيغة انتخاب الأمين العام ونائبه دفعة واحدة ، ورد عليه الفريق الثاني بفكرة تعدد الترشيحات لأمانة الحزب، باعتبارها صيغة تلائم «المنهجية الديمقراطية»، الذي ينادي بها دعاة الرأي الثاني. ومن هناك بدأت تلوح فكرة ترشيح شخصية أخرى الى جانب اليازغي، من دون ذكر اسم أي مرشح. آنذاك كان من السهل الاستنتاج لدى المجتمعين، أن الأمر يتعلق بالراضي، نظرا لمكانته في الحزب ولدوره التوفيقي بين الآراء في الظروف الصعبة التي اجتازها الحزب تاريخيا سواء في علاقة اجنحته ببعضها، أو في علاقة الحزب بالقصر الملكي.

وأدى تباين الرأي بين الفريقين الى مأزق في مناقشات الاجتماع الذي تخلله توقف قصير لم يزد الأجواء الا ريبة وشكوكا، حتى انفض الاجتماع من دون طرح اسماء أو ترشيحات بعينها وبالتالي من دون تصويت، بخلاف ما تم تسريبه للصحافيين الذين كانوا ينتظرون نهاية الاجتماع في مقهى قبالة مقر الحزب في حي أكدال بالرباط.

وإثر الاجتماع بدأت الخلافات تظهر على واجهة الصحف،وواجه أعضاء الحزب في مختلف الأقاليم أياما عصيبة نتيجة الغموض الذي بدأ يسود اجواء الحزب. ورغم أجواء الخلاف بين الفريقين، والصورة التي كانت تتداولها الصحف حول وجود مواجهة بين «المرشحين» اي اليازغي والراضي، فقد كانت الإتصالات بين الرجلين متواصلة يوميا وبأشكال متعددة ، مباشرة وغير مباشرة ، عبر وفود «المناضلين الاتحاديين» (اعضاء الحزب)، الذين كانوا يتنقلون بين منزلي اليازغي والراضي وتتنازعهم الاستفسارات ومساعي رأب الصدع. وكان منزل اليوسفي ابانها يغص بالزوار من «الاتحاديين ورفاق الدرب القدامى»، الذين لم يستسيغوا قرار اعتزال. وفي خضم تلك الأيام «العصيبة»، جرت مناقشة ثنائية بين اليازغي والراضي، وخلالها بادر هذا الأخير الى توجيه اقتراح لليازغي مفاده أن يقوم بحوار مباشر وفردي مع كافة أعضاء المكتب السياسي.

وكان هذا الاقتراح كما قال عضو في المكتب السياسي للحزب، محاولة للحفاظ على وحدة الحزب وتأجيل حسم مسألة الخلافة في انتظار تبديد ما اعتبره عدد من أعضاء المكتب مشكلة جوهرية يواجهها اليازغي، وتتلخص في "أزمة الثقة" بينه وبين قطاع من «الاتحاديين»، وهي مشكلة تولدت نتيجة تراكمات تاريخية، كما يقول المصدر ذاته، الذي أضاف ان من أبرز مظاهرها ابتعاد بعض قياديي الحزب من اليازغي بعد أن كانوا مقربين منه ، وضمنهم محمد الأشعري وزير الثقافة، ومحمد الصديقي والطيب منشد وخالد عليوة.

وإثر لقاءات ماراتونية جرت بين اليازغي وأعضاء المكتب السياسي فردا فردا، تخللتها مناقشات صريحة، استمع خلالها اليازغي لانتقادات كبيرة.قام اليازغي بصياغة الأفكار التي سمعها في وثيقة عرضها في أول اجتماع للمكتب السياسي يعقد بعد اجتماع السبت «العصيب» وبعد سلسلة اللقاءات الفردية، وكان الاجتماع هذه المرة بمنزل اليازغي في منتصف نوفمبر الجاري.

لكن اليازغي تعرض من جديد خلال الإجتماع لمؤاخذات من فريق منتقديه، كونه اقتصر في صياغته للوثيقة على الاقتراحات التي تهم المستقبل، وتجاهل السلبيات التي كانوا يطالبون بتجاوزها بصيغة صريحة وشفافة. وذلك في إشارة للأوضاع المريرة التي اجتازها الحزب في مراحل متعددة، وكان لليازغي دور حاسم في تفاعلاتها، كما يرى منتقدوه. وزادت الاجواء توترا عندما بدأ مؤيدو اليازغي يدعون للإسراع من جديد في عملية انتخاب الأمين العام ، وبدت دعوتهم في نظر خصومهم وكأنها محاولة للالتفاف على آرائهم.

وتوصل المجتمعون الى صيغة بلورة وثيقة متكاملة تحدد الأرضية والتوجهات المرجعية التي ستسير عليها القيادة في المرحلة المقبلة، واجتمع اعضاء المكتب من جديد في منزل الوزير ولعلو وسجلت خلاله غياب بعض اعضاء المكتب السياسي.واعقبه اجتماع ثان في منزل الراضي، تركز حول دراسة مضمون الوثيقة التي ستعتمد كآرضية للمستقبل. لكن الاجتماع شهد مناقشات ساخنة، عندما حصلت تداعيات مذهلة نتيجة تقليب صفحات الماضي، وكان أكثرها إثارة اعترافات عضو قريب من اليازغي، هو عبد الهادي خيرات، بتفاصيل حول كيفية الإعداد للمؤتمر السادس للحزب الذي عقد نهاية مارس (آذار) الماضي، ووقع فيه انسحاب جناح الزعيم النقابي محمد نوبير الأموي. وكشف خيرات ضمن اعترافاته الادوار التي قام بها «فريق اليازغي»، خلال المؤتمر لترتيب مسبق للوائح الفائزين في انتخابات اللجنة الادارية (بمثابة برلمان الحزب)، ثم في مرحلة لاحقة إعداد تشكيلة المكتب السياسي. وهي الترتيبات التي أدت الى صعود اسماء وتراجع أخرى وابعاد آخرين.

ولم تقتصر التداعيات على وقائع المؤتمر السادس، بل طالت أمورا أخرى ضمنها مشاكل صحيفة «الاتحاد الإشتراكي» منذ عشر سنوات وظروف وفاة محمد الباهي، الذي عين من قبل اليوسفي مديرا لها، ودور صحيفة «الأحداث المغربية» (يومية مستقلة) التي يشارك في رأسمالها عدد من أعضاء المكتب السياسي المقربين من اليازغي. كما طالت المناقشات ملابسات المرحلة التي اعقبت عودة اليوسفي سنة 1994 من اعتكافه في كان (جنوب فرنسا)، وصولا الى ظروف عودة الفقية البصري من المنفى، وملابسات انشقاق جناح الأموي عن الحزب، وتأسيسهم لحزب جديد اطلق عليه «المؤتمر الوطني الاتحادي وخلال الاجتماع «العاصف» كما يقول عضو من المكتب السياسي،طّلب معظم الحاضرين من الراضي الكلام، ذلك انه كان يميل خلال الإجتماعات الى الصمت، كما انه يتوفر، في نظر عدد من أعضاء المكتب السياسي، على أوفر الحظوظ للحصول على غالبية الاصوات لو جرت عملية تصويت في تلك الأجواء.

وكان تدخله في الاجتماع الذي جرى بمنزله، عبارة عن دعوة للقيام بمصالحة بين الإتحاديين وطي صفحة الجراح وولوج مرحلة جديدة تقوم على التزام الثقافة الديمقراطية والشفافية في التسيير. كما اقترح الراضي نهج طريقة جديدة في اتخاذ القرارات وتبليغها للرأي العام وتوزيع المهام بكيفية شفافة وتحديد دور واضح لصحافة الحزب، واعتماد قاعدة «التضامن» بين اعضاء المكتب السياسي بدل «نشر غسيلهم الداخلي على واجهة الصحف». وقادت المداولات والإجتماعات والمخاضات العسيرة وعمليات النقد الذاتي المتبادلة، الى تهدئة الأجواء وتوصل الفريقان الى أرضية مشتركة، قوامها وثيقة مرجعية تحدد الأسلوب والمنهجية التي ستسير وفقها القيادة الجديدة في المرحلة المقبلة. وستعرض الوثيقة على مصادقة خلال اجتماع اليوم، ثم تعرض في وقت لاحق على أعضاء الحزب في الأقاليم. وعلى أرضيتها سيجري إنتخاب أمين عام جديد للحزب، لن يكون انتخابه سوى عملية تزكية لليازغي بناء على اختيار توافقي بين اعضاء المكتب السياسي كما تتضمن الصيغة المتوافق عليها اختيار الراضي نائبا له.