لندن ترعى «ندوة عمل» فلسطينية ـ إسرائيلية لبحث سبل تطبيق «خريطة الطريق» والدور الدولي في جلب الاستقرار للمنطقة

الرجوب وعومري يرأسان الوفدين المتفاوضين بحضور بريطاني وأوروبي

TT

بدأت في منطقة ديتشلي بارك القريبة من مدينة اكسفورد الشهيرة الواقعة الى شمال غربي لندن، امس، تحت عنوان «ندوة سلام رابين»، مفاوضات او ما يسمى بـ«ندوة عمل» بين وفد يمثل السلطة الفلسطينية برئاسة جبريل الرجوب مستشار شؤون الامن القومي للرئيس ياسرعرفات ووفد يمثل الحكومة الاسرائيلية يقوده عومري شارون ابن رئيس الوزراء. وتجري هذه المفاوضات التي تختتم اليوم، برعاية مؤسسة ييغال الون التعليمية وجمعية اصدقاء اسرائيل في حزب العمال الحاكم في بريطانيا. ويشارك فيها شخصيات عامة بريطانية واوروبية.

وظلت الاستعدادات لعقد هذا الاجتماع في طي الكتمان، وطلب القائمون عليه من المشاركين فيه عدم الخوض في تفاصيله او التحدث عنه الى وسائل الاعلام. ورغم ذلك فان ما تسرب من معلومات يؤكد ان النقاش سيتركز حول عملية السلام وسبل تطبيق خطة «خريطة الطريق» الدولية. ودارت نقاشات امس حول قضيتين اساسيتين وهما دور المجموعة الدولية في جلب الاستقرار الى المنطقة والتهديدات العسكرية الرئيسية لامن المنطقة. وسيناقش المجتمعون اليوم اجراءات بناء الثقة التي قد تعمل على اعادة بدء التقدم في «خريطة الطريق» وطرق استخدام النشاطات الاقتصادية، في خدمة التقارب السياسي.

ورفض الرجوب الخوض في تفاصيل الاجتماع لكنه قال في تصريحات لـ «الشرق الأوسط» انه وصل الى لندن فجر امس على رأس وفد فلسطيني يضم ايضا سفيان ابو زايدة وكيل وزارة الشؤون الخارجية الفلسطينية وزياد ابو زياد عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن دائرة القدس المحتلة.

ويصر المسؤولون البريطانيون على ان هذه المفاوضات لا تتم برعاية رسمية رغم مشاركة أربعة وزراء وسبعة اعضاء في مجلس العموم لم يكشف النقاب عن اسمائهم. واجتمع الوفدان الفلسطيني والاسرائيلي، صباح امس مع جوناثان باول رئيس ديوان رئيس الوزراء البريطاني في مقر رئاسة الوزراء في 10 دوانينغ ستريت وسط لندن قبل ان يباشرا المحادثات الرسمية قرب اكسفورد. واكد مسؤولون في 10 داونينغ ستريت مقر رئاسة الوزراء، انعقاد اجتماع مع الوفدين. واكتفى متحدث باسم رئيس الحكومة البريطاني توني بلير في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الأوسط» بالقول إن «موظفين (في رئاسة الحكومة) استقبلوا المشاركين في الندوة صباح امس في 10 داونينغ ستريت حيث عقدوا اجتماعاً تناول عملية السلام بالشرق الاوسط». وأوضح أن اللورد ليفي مبعوث بلير الخاص الى الشرق الاوسط، حضر الاجتماع، فضلاً عن «أعضاء في جمعية اصدقاء اسرائيل في حزب العمال». ولدى سؤاله عن الدور الذي لعبته الحكومة في التحضير للندوة وفي وضع أجندتها، قال المتحدث باسم رئاسة الوزراء البريطانية «ليس لنا دور مباشر ولسنا طرفاً في العملية، بيد اننا نرحب بأي فرصة للحوار بين الجانبين (الاسرائيلي والفلسطيني) بما يخدم السلام في المنطقة». ولفت الى ان بلير في سياق دعمه لجهود السلام «عبر عن تأييده لاتفاقية جنيف في مناسبات كان آخرها في مجلس العموم قبل ايام». وتابع ان رئيس الوزراء أكد على التزام بريطانيا بـ«خريطة الطريق» معبراً عن اعتقاده بان اتفاقية جنيف «محاولة أصيلة لإغناء النقاش» بخصوص عملية السلام.

وعلى الصعيد نفسه، نفى متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية أن تكون لندن قد ساهمت في ترتيب الندوة أو أنها تشرف على الاجتماعات، رغم أن وزيرة الدولة للشؤون الخارجية المكلفة ملف الشرق الاوسط البارونة اليزابيث سيمونز ستشارك فيها. وشدد المتحدث على ان «رئيس الوزراء توني بلير لم يحضر أبداً الاجتماع الذي تم في 10 داونينغ ستريت». وقال إن «البارونة سيمونز ستحضر جزءاً من أعمال الندوة غداً (اليوم) في ديتشلي بارك».

أما جمعية اصدقاء اسرائيل في حزب العمال، فامتنعت عن الادلاء بأي معلومات حول الندوة. كما رفض عدد من أعضائها البارزين الذين استوضحتهم «الشرق الأوسط» عن الندوة، الخوض بتفاصيل الاجتماعات التي تشهدها ضاحية اكسفورد. ووعد متحدث باسم الجمعية في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» بإطلاق تصريحات حول النقاشات وجدول الاعمال «حالما بات ذلك ممكناً في وقت لاحق»، معتذراً عن عدم الافصاح عن اسماء المشاركين من النواب الاعضاء في الجمعية. وذكر مصدر بريطاني لـ«الشرق الأوسط» ان سبعة نواب من أعضاء الجمعية التحقوا بالوفد البريطاني الى الندوة. ومن جانبهم رحب ناشطو سلام من اليهود البريطانيين بالندوة، وقالوا لـ«الشرق الأوسط» إنها جاءت بتأثير «اتفاقية جنيف». ولفتوا الى ان الندوة تنطوي على تطور مهم وهو «ان حزب الليكود الاسرائيلي الحاكم الذي لم يوافق تماماً على «خريطة الطريق»، صار مستعداً للتحاور مع حزب العمل واطراف بريطانية تؤيده ناهيك عن الفلسطينيين، حول سبل تحريك «خريطة الطريق».

جدير بالذكر ان كلا من الاحزاب البريطانية الرئيسية الثلاثة يضم جمعية لأصدقاء اسرائيل. بيد ان جمعية «أصدقاء اسرائيل في حزب العمال» هي الأقوى بطبيعة الحال لا سيما ان بعض اعضائها البارزين صاروا وزراء في حكومة بلير. ويشار الى ان بلير ووزير المالية القوي غوردون براون، هما في مقدمة الشخصيات العمالية التي تحرص على حضور حفلات الاستقبال التي تنظمها الجمعية. ورئيس الجمعية العمالية التي لا تقتصر على النواب او على الناشطين اليهود، هو ديفيد مينسر الذي تسلم المنصب عام 1998 خلفاً للنائب ستيفن تويغ وزير الدولة لشؤون التعليم حاليا، واضطر الى التنحي عن رئاسة الجمعية عندما عينه بلير وزير دولة في 1997. وكان نائب تويغ آنذاك، عضو مسيحي في مجلس العموم البريطاني هو مايك غيبس. كما ضمت قائمة نوابه الآخرين ايفور كابلين، وعين قبل اشهر وزير دولة لشؤون الدفاع، وايفور لويس، وهو وزير دولة لشؤون التعليم منذ 1997. وبين اعضائها المعروفين، النائبان اندرو ديزمور (مسيحي)، ولويز إلمان، واللورد غرافيل غانر واللورد ستون.

ووصل الوفد الفلسطيني الى لندن في ساعات الفجر الاولى من يوم امس، على متن طائرة قادمة من مطار تل ابيب. وكان على متن نفس الطائرة الوفد الاسرائيلي برئاسة عومري شارون عضو الكنيست، ورئيس طاقم الأمن السياسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية، الجنرال عاموس غلعاد وعضوي الكنيست من حزب العمل إفرايم سنيه (وزير المواصلات السابق في الحكومة الائتلافية السابقة) واسحق هيرتسوغ، اضافة الى نائب المدير العام لشؤون الإعلام في وزارة الخارجية الإسرائيلية، غدعون مئير.

وتعكس حقيقة ان شارون بعث بابنه عومري للقاء الرجوب ممثلا للرئيس عرفات الذي يرفض التعامل معه اصلا ويطالب دول العالم ان تحذو حذوه، الوضع الداخلي الصعب الذي يواجهه شارون الناجم عن مبادرات السلام غير الرسمية التي بدأت تطفو الى السطح، اضافة الى الانتقادات العنيفة لسياسته المتشددة ازاء الفلسطينيين التي جاءت من المؤسسة العسكرية ممثلة برئيس الاركان موشيه يعلون والمؤسسة الامنية التي تمثلت باربعة رؤساء لجهاز المخابرات العامة «الشاباك». يضاف الى ذلك الانتقادات الدولية لا سيما الاوروبية والاميركية لسياسة الاستيطان والجدار الفاصل الذي يقضم عشرات الآلاف من الدونمات من اراضي الضفة الغربية.

وتأتي هذه المفاوضات او ندوة العمل هذه قبل ايام قليلة من التوقيع الرسمي لـ«اتفاق جنيف» لتسوية الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، الذي وضعته شخصيات فلسطينية واسرائيلية غير رسمية من بينها وزير الاعلام الفلسطيني السابق ياسر عبد ربه ووزير القضاء الاسرائيلي الاسبق يوسي بيلين، في مدينة جنيف السويسرية في الاول من ديسمبر (كانون الاول) المقبل. لكن حدوثها لم يقلق القائمين على هذا الاتفاق بل اعتبروها احدى نتائجه المباشرة.

وقال دانيال ليفي وهو ابن اللورد ليفي لـ«الشرق الأوسط» «ان هذه المناقشات التي يعد لها منذ زمن بعيد ليست بديلا لاتفاق جنيف بل نتيجة ايجابية له». واضاف «في اعتقادي ان اي حوار ونقاش بين الفلسطينيين والاسرائيليين هو شيء ايجابي وجيد ويصب في الاتجاه الصحيح ولا بد من الترحيب به».

وتابع ليفي القول «ان يرسل شارون ابنه للقاء ممثل الرئيس عرفات (الذي لا يعترف به) فذلك دليل على تعرضه لضغوط داخلية شديدة، تريد منه ان يفعل شيئا حقيقيا. وانا هنا سأفترض حسن النية لديه وآمل الا تكون هذه الخطوة مجرد بالون اعلامي جديدة يطلقه شارون لمواجهة العاصفة الدولية والداخلية».

وفي خط مواز لمناقشات لندن وفي محاولة للضغط على رئيس الوزراء الفلسطيني احمد قريع (ابو علاء) للقائه، يجتمع دوف فايغلاس مدير مكتب شارون، الى نظيره الفلسطيني الدكتور حسن ابو لبدة وذلك لتمهيد الطريق امام اللقاء الاول الذي لم يحدد موعد له بين رئيسي الوزراء، منذ تولي ابو علاء رئاسة الوزراء في السلطة الفلسطينية. ويتوقع ان يتم الاجتماع اما بعد غد او يوم الاثنين المقبل.