المنظمات النازية الجديدة تنقل نشاطها من تحت الأرض إلى الإنترنت

140 صفحة إلكترونية باسم «هايل هتلر» في ألمانيا وحدها تتغنى بالمجد الآري القديم

TT

عندما ظهر اللاعب الالماني، الغاني الاصل، جيرالد اسامواه لأول مرة بقميص المنتخب الالماني لكرة القدم في مايو (ايار) 2002 في مباراة المانيا الودية ضد فريق سلوفاكيا لم يشفع هدف الفوز الذي سجله في «تبييض» صفحته امام النازيين الجدد الذين يتسللون بآلاف المداخلات يوميا الى صفحات الدردشة Rooms Chat على الانترنت.

وسجلت لجنة مراقبة الانترنت في دائرة حماية الدستور الاتحادية (الامن العامة) ان احد المشاركين النازيين ـ يسمى نفسه «غضب الله» ـ علق على الامر بالقول: «شاهدت الفتى الزنجي (nigger) المولود في غانا، في اجهزة الاعلام «اليهودية» مرتديا قميص المنتخب الالماني. هل فقد كل شيء في بلادنا قدسيته»؟ ورد عليه آخر يطلق على نفسه اسم «فتى 88» بالقول: «هذا دليل ساطع على بداية سقوط الغرب».

هذا ليس اكثر من مثل واحد على التحول الكبير الذي شهده النشاط النازي الجديد في التسعينات وبحثه عن الاساليب الحديثه التي تكفل له الوصول الى الجماهير، وخصوصا المراهقين والشباب، والتخفي عن عيون شرطة مكافحة الاجرام. فقد شهدت الفترة منذ عام 1993 نقلة كبيرة في عمل المنظمات النازية في الانترنت، وعرف العنصريون اهمية العولمة في التنظيم وتجاوز رقابة الامن.

تخلى اصحاب الصليب المعقوف اذن عن اساليب مظاهرات الشوارع وتوزيع المنشورات التي تعرضهم للمطاردة لصالح العمل في الانترنت تحت اسماء سرية وتحقيق نتائج ايجابية بدون تعريض انفسهم لخطر الاعتقال والحظر. ويعترف احد قادة دائرة حماية الدستور بأن خبراءه، رغم اساليبهم المتقدمة، لا يفلحون في الكشف عن شخصيات النازيين الجدد واصحاب صفحاتهم الالكترونية الا في 20 في المائة من الحالات.

* سر الرقم 88

* ..وهكذا ما عاد صوت «الفوهرر» يتردد من «اذاعة الشعب» كما كان عليه الحال في سالف الايام ولا من مكبرات الصوت التي يحملها حليقو الرؤوس Skinheads في المظاهرات وانما من خلال صفحات الانترنت والمواقع الالكترونية التي تقدرها دائرة حماية الدستور بنحو 1400.

بل ان «النازيين الالكترونيين» Cyper Nazi هؤلاء صاروا يعقدون «الفيديو كونفرنس» (مؤتمرات الفيديو) احتفالا بعيد ميلاد هتلر، ويتبادلون المنشورات السرية عبر البريد الالكتروني وينشدون ويستهلون احاديث «الدردشة» بتحية «هايل هتلر».

وقد وقف المحللون كثيرا امام الرقم 88 وسر شيوعه بين انصار «الطاعون البني». فهناك شبكات تحمل اسم «كتيبة الهجوم 88» و«وحمّام الدم 88» و«الصاعقة 88». كما يحمل العديد منهم اسماء تذكر بكتائب هتلر والصاعقة مضافا اليها هذا الرقم المشبوه. هذا، الى ان كشف صحافي مندس في صفوفهم سر اللغز. فتبين ان الرقم 88 يمثل مكرر الحرف هـ (H) الالماني الذي يحتل الموقع الثامن في ترتيب الحروف الهجائية ويرمز الى الحرفين الأولين في كلمتي «هايل هتلر».

تسجل لجنة الرقابة على الانترنت ان «الهجوم» النازي الالكتروني بدأ بتأسيس «شبيبة توله» عام 1993. وقفز عدد الصفحات الالكترونية بعد سنتين ليبلغ 32، ثم الى 200 عام 1998 و800 عام 2000. وعدا عن ارتفاع عددها فقد اصبحت هذه الشبكة، حسب تقدير دائرة حماية الدستور، اكثر تطرفا وعنفا ومباشرة في طرح مواضيعها.

* بعيدا عن يد القانون

* وانتقل النازيون، بفضل غطاء السرية الذي توفره لهم تقنية «PrettyGoodprivacyPGP»، من التحريض الدعائي التعبوي الى التحريض بالقتل والحرق.

والقت الشرطة الالمانية القبض على شاب نازي، 22 عاما، عرض على صفحته الالكترونية «مجموعة مكافحة داوود» عام 1998 مكافأة قدرها 10 آلاف مارك لمن يقتل معلما يساريا. وهي صفحة تابعة لمنظمة «طلائع النازية الاوروبية» التي تدعوا للكفاح المسلح ضد الاتحاد الاوروبي. وفي حين فسرت الشرطة السويسرية اسباب اندلاع حريق في سكن للاجئين في لوزان عام 2000 على اساس تماس كهربائي، كشف يساريون يراقبون الشبكات النازية ان نداء حرق هذا الملجأ صدر عن موقع «شباب الفايكينغ» النازي الجديد.

كما عبأت المنظمات النازية معظم المشاغبين وحليقي الرؤوس عبر الانترنت في مباريات كأس العالم لكرة القدم في فرنسا عام 1998. واتضح لاحقا ان المشاغب الالماني الذي قتل شرطيا فرنسيا في لينز كان من اعضاء المنظمات النازية السرية.

وبهدف طمس آثارهم عن اعين لجنة الرقابة، يستخدم النازيون في «واحة» الانترنت بشكل مكثف اجهزة الكومبيوتر في المدارس والجامعات والمعاهد والمكتبات العامة ومقاهي الانترنت. وتحمل صفحاتهم اسماء تكشف نهجهم العنصري مثل «وايت باور» «القوة البيضاء» و«كوكلوكس كلان» و«الدم والشرف» و«العنصر الابيض»... الى آخره من رموز هذا الجيل الجديد!

* يا نازيي العالم اتحدوا

* ونظرا لمراقبة الشرطة الالمانية وفرضها قانون حظر الصفحات النازية على شركات الانترنت المحلية، انتقلت معظم هذه الصفحات الى شركات اميركية. على ان هذه استجابت العام الماضي للضغوط الالمانية فأغلقت 6 صفحات نازية كما عملت «ياهو» بالتدريج على القاء 42 صفحة نازية في قمامتها الالكترونية.

ويعتبر النازي المعروف جيرهارد لاوك، المقيم في الولايات المتحدة، من اخطر النازيين الجدد على الاطلاق. ويوفر لاوك على صفحته آلاف اسطوانات الروك ونصوصها والافلام الحديثة، اضافة الى صور الصليب المعقوف والاعلام النازية، بالمجان لزوار صفحته (الناطقة بالالمانية) من الشباب والمراهقين.

هذه الاسطوانات والعاب الكومبيوتر المجانية تعتبر من اكثر اساليب جذب الشباب شيوعا بين صفحات 88. هذا مع ملاحظة ان الكثير من المواد المحظورة في المانيا، مثل كتاب «كفاحي» لهتلر والاوسمة النازية والشعارات العنصرية، ليست محظورة في الولايات المتحدة ويحميها قانون صيانة حرية المعتقدات.

وتمتد شبكة الاخطبوط النازي اليوم لربط وتنسق نشاط «الاممية النازية» التي يقال ان جيرهارد لاوك يقودها تحت شعار «يا نازيي العالم اتحدوا» في اوروبا والولايات المتحدة وكل العالم.

وهناك 100 صفحة نازية على الشبكة في سويسرا وعدد مماثل في النمسا اضافة الى شبكات فرنسا والدنمارك والسويد والولايات المتحدة. وتقول مصادر امنية المانية ان السموم التي تبثها هذه الصفحات تصل الى حوالي 15 مليون مشترك في الانترنت في العالم.

وقد احبطت الشرطة الالمانية محاولة خططت لها مجموعة «كاميرادن زود» النازية لتفجير مركز يهودي جديد في ميونيخ عاصمة ولاية بافاريا في 11 سبتمبر (ايلول) الماضي. واتضح ايضا ان المجموعة كانت وراء رسائل تهديد بالاغتيال تلقاها سياسيون من الحزب الديمقراطي الاشتراكي والحزب الديمقراطي المسيحي الالمانيين. وفي حين ذكر وزير الداخلية اوتو شيلي ان تخطيط العملية يدل على ارتقاء المنظمات النازية الى مستوى غير معهود في التقنية، تحدث وزير داخلية بافاريا، غونتر بيكشتانين، عن وجود مؤشرات، تؤكدها الرقابة على الشبكات الالكترونية، الى نشوء «جناح الجيش البني» النازي على غرار منظمة «جناح الجيش الاحمر» اليسارية المتطرفة التي اعلنت حل نفسها في منتصف التسعينات.

وعموما ارتكب النازيون في المانيا، تبعا لتقرير حماية الدستور 2002، قرابة 11 ألف جناية (10550 عام 2001) بينها 772 اعتداء جسديا على اليساريين والاجانب والسود واليهود. وارتفع عدد المنظمات النازية خلال السنتين المذكورتين الى 160 منظمة.

* الرقص على أنغام العنصرية

* تعتبر فرق البوب والروك النازية من اهم ممولي المنظمات النازية ومن اهم ادواتها في استقطاب الشباب والمراهقين الالمان. ويقول تقرير دائرة حماية الدستور ان عدد فرق الروك النازية ارتفع من بضع فرق عام 1993 الى 100 فرقة عام 2002. وانتجت هذه الفرق ما مجموعه 5.1 مليون اسطوانة اصلية خلال الاعوام العشرة السابقة. وهي تلجأ الى انتاج هذه الاسطوانات بدقة عالية الجودة وفق تقنية نادرة لا تعرف الشرطة كثيرا عنها.كما تلجأ الى استنساخ اسطوانات المغنين العالميين بدون ان تفقد شيئا من نوعيتها وتبيعها بأسعار متهاودة للشباب.

وكانت هذه الفرق قد طرحت 6 أسطوانات فقط في سوق البوب النازي عام 1989. لكن العدد قفز الى 35 ألبوما عام 1993 ثم الى 40 عام 1994. وطرحت 100 فرقة نازية 100 ألبوم جديد للمستنقع الموسيقي النازي عام 2000 حين بيعت 500 ـ 600 اسطوانة منها حسب شهرة الفرقة. واقامت هذه الفرق 112 حفلة موسيقية في مختلف المدن الالمانية عام 2002 (80 حفلة عام 2001). وتفردت فرقةRock On Roma ، وهو اسم يعني «صخور على الغجر»، بالانتاج والشهرة لأنها توزع اكثر من 6 آلاف اسطوانة ولديها، حسب تقرير الامن، 10 آلاف مشترك دائم على صفحتها الالكترونية.

وتحمل فرق الروك النازية اسماء لا تقل بشاعة وعنصرية عن اسماء الشبكات الالكترونية، فهناك فرقة «اس اس 88» (اشارة الى فرقى الصاعقة النازية) و«الأنف الابيض» و«رايت روك» و«نازي روك» و«الهجوم الابيض الشامل» و«الحرب العنصرية المقدسة» (هذه الاخيرة باعت 50 ألف اسطوانة عبر الانترنت.

وتقول احدى اغاني «الحرب العنصرية المقدسة» التي تحمل اسم «الزنجي»:

انه ليس بشر انه كلب لا تتردد.. دمّره!

* ألعاب الكومبيوتر النازية

* ويعمد النازيون من على شبكاتهم الالكترونية الى نشر العاب الكومبيوتر التي تروج للعنصرية والحقد على الشعوب واليساريين. وتصادر ادارات المدارس في المانيا عشرات العاب الكومبيوتر المحظورة من دواليب التلاميذ.

وهي العاب توزع مجانا وتخاطب المراهقين بلهجة الحقد على الاجانب والتحريض على العنف، ومنها لعبة «الهجوم المضاد» التي تمثل هجوما بطوليا مضادا ضد الجيوش الاميركية والروسية الغازية ويلعب فيها صاحب الكومبيوتر دور ضابط الصاعفة الذي يتولى تصفية قلاع الغزاة. وهناك لعبة «خفير معسكر الاعتقال» التي يتحول فيها اللاعب الى حارس يمنع اليساريين واليهود من الهرب من معسكر الاعتقال النازي. اما لعبة «صبي الشاورمة» فهي عبارة عن «استفتاء» لاختبار «الوطنية» من خلال الاسئلة التي تتعدد فيها الخيارات (اختر الإجابة الصحيحة) مثل: ما هو سبب رائحة انفاس التركي الكريهة؟

1ـ لأنه يأكل الثوم.

2 ـ لأنه لا ينظف اسنانه.

3 ـ لأنه لا يجيد الالمانية.

* صدام حسين مثلهم الأعلى

* يعتبر صدام حسين رمزا بطوليا لدى النازيين الجدد بسبب حروبه المزعومة مع الولايات المتحدة وتهديداته لليهود. وقد دافعت مجلة «الجمهوري» الناطقة باسم الحزب الجمهوري عن احتلال صدام للكويت عام 1991 حينما كتبت «صدام حسين مثل هتلر: كلاهما ضحية رأس المال الاميركي».

وظهرت في فيلم صوره صحافي مندس في صفوف النازيين عام 1993 صورة صدام حسين الى جانب صورة هتلر في مقر احدى المنظمات النازية في بافاريا. وتدعي هذه المنظمات انها دربت 500 فرد لارسالهم الى العراق للقتال الى جانب قوات صدام حسين عام 1991 الا انها لم تنجح في ايصالهم الى ارض المعركة.

وكان احد اهم مزودي صدام حسين بتقنيات الصواريخ، رئيس شركة تقنية من بافاريا كان ينقل الادوات الاحتياطية بحقيبته الدبلوماسية الى بغداد مباشرة. وقد كان طيارا في جيش هتلر ومن الناشطين في المحيط النازي الالماني في التسعينات.

وسبق لنشرة «انتي فاشيزم» اليسارية ان رصدت حضور الملحق الثقافي السابق في السفارة العراقية في بون بعض احتفالات المنظمات النازية. كما نشرت مجلة «الجمهوري» المذكورة مقابلة مع الملحق الثقافي العراقي م. ع. ابان ازمة الكويت عام 1991 .