يوميات عيد الفطر في الشرقية عادات وتقاليد وعائلات تلم شمل الأسر

TT

في زاوية الحديقة الواسعة يرخي عبد الله، 13 عاما، جسده الصغير فوق مقعد الأرجوحة، في لحظة فرح واستسلام للبهجة في الساعات الأخيرة من شهر رمضان، فعبد الله واحد من الأطفال السعوديين الذين يمضون الشهر الفضيل في العبادة والتقوى والصيام، وما ان يلتمس هلال شهر شوال المحمل بالفرحة والبهجة، وتنطلق البشرى بحلول عيد الفطر معلنة انتهاء شهر رمضان، يعد الطفل برنامجه لتمضية أيام جميلة وممتعة، وجل اهتمامه الحصول على مكافأته: الكثير من أيام المرح واللهو في الحدائق العامة والأماكن الترفيهية. هناك الكثير من القواسم المشتركة التي تجمع السعوديين في تمضية أيام عيد الفطر في المنطقة الشرقية، كما في مختلف المناطق، وتلخصها يوميات عائلة عبد الله الغامدي التي تبدأ بالاحتفال على طريقتها، فيستهل أفراد العائلة أول أيام العيد بتبادل التهاني والتبريكات، ويسارع الأطفال الى ارتداء الملابس الجديدة التي حضروها منذ اليوم السابق، فالملابس «الجديدة للأطفال والكبار بركة من الشهر الكريم» تقول الوالدة.

يحرص والد عبد الله على اصطحاب أبنائه إلى صلاة العيد في المسجد، ومع انتهاء الجموع من أداء الصلاة يباركون لبعضهم البعض بهذا اليوم العظيم، ومن ثم يعودون إلى المنزل، وهنا تبدأ المراسم الاحتفالية: إفطار شهي مع العائلة يتحضر الجميع بعدها لزيارة الجد والجدة، فعادات العائلة تقضي بزيارة أهل الوالد في أول أيام العيد للاحتفال معهم، وفي اليوم الثاني يزورون أهل الوالدة. وبعد نهار حافل «يأتينا المهنئون مساء من الأقارب والجيران» يقول أبو عبد الله، «كما أننا نقصد منازل كبار العائلة لنيل بركتهم في هذا العيد».

وفي خضم هذه الأجواء المبهجة للعين والقلب تكون حصة الأطفال كبيرة نسبياً، إذ تنظم العائلة وقتها بحيث «نأخذ الأولاد الى مدينة الملاهي والألعاب والى المهرجانات التي تنظم في الحدائق وتتخللها الألعاب النارية والمفرقعات» يشير الغامدي. كما تكون فرصة للعائلة للاجتماع والذهاب الى شاطئ البحر إذا كان الطقس يسمح بذلك، أو نقصد الأماكن العائلية كحديقة الحيوان أو نتسوق في المجمعات التجارية الكبرى وتناول الطعام في أحد المطاعم احتفالاً بالعيد.

* رزنامة اجتماعية

* تؤكد سمية المحمد أن برنامج العيد في رزنامتها لا يختلف عن الكثير من العائلات «الكثير من الناس خاصة العائلات تتفق على اللقاءات في مكان محدد سواء في الاستراحات أو في أحد منازل كبار السن، حيث تقام المآدب ويتبادل الجميع التهاني والتبريكات منذ الصباح الباكر وتمتد اللقاءات إلى آخر الليل على مدى أيام العيد». من المهم بالنسبة لهذه السيدة السعودية أن يحظى أولادها بفرصة للعب والتسلية «فإن إدخال السرور والبهجة الى نفوس الأطفال والترفيه عنهم في هذه المناسبة السعيدة واشعارهم بفرحة العيد إدراكاً منا لما يبذلونه من طاعة لله خلال الشهر الكريم»، لذا تستقطع بعض الوقت لفسحات خاصة لأطفالها ليشعروا بالبهجة.

ولأن عيد الفطر هو خلاصة للمودة والرحمة وصلة الرحم «يكون للتسامح النصيب الأكبر في نبذ الخلافات وتصافي النفوس وتطييب القلوب بالحب والاخاء»، كما تشدد السيدة سمية التي تصفي نيتها تجاه كل من تخاصمت معهم قبل العيد، «ففي هذه الأيام الفضيلة يفترض بنا لمّ الشمل وصلة الرحم والتصافي في ما بيننا». ويلخص عبد الرحمن العمران مفهوم العيد «بأنه يوم فرح وسرور للمسلمين، لكنه يجب أن لا يتحول إلى لهو ولغو وإضاعة الأوقات فيمحي أثر الصوم، لذا يجب الاستفادة من العيد للفرح مع أسرنا وذوي أرحامنا ومواساة اليتيم وعيادة المرضى وزيارة الأقارب».

* العيد على شاطئ البحر

* لا شيء يوازي متعة قضاء الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك في مكة المكرمة، يقول محمد القطري «ما أجمل قضاء شهر رمضان فى بيت الله العتيق، وما أحلى الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان فى بيت الله الحرام»، لذا فهو يمضي أول أيام العيد مع عائلته في مكة قبل أن ينتقل إلى منزل والده في جدة. وفي ثالث أيام العيد يخصص محمد وقته للأولاد «آخذهم للعب في مدينة الملاهي فهي ترسم فرحة العيد على وجوه الكبار والصغار وأفتش عن البرامج والفعاليات المثيرة التي تقام للمناسبة لأشاهدها مع أولادي».

في بعض السنوات التي يكون فيها جو العيد صافياً وجميلاً يفضل محمد تمضية العيد «في مدينة أبها أو منطقة عسير الخضراء المليئة بالشلالات والمناظر الجميلة والطبيعة الساحرة أو في سواحل تهامة حيث الدفء والبحر». لكن برودة الطقس هذا العام جعلته يختار البقاء في المنطقة الشرقية، يمكننا أن نقصد الشواطئ للتسلية واللعب والشعور بالعيد.

وكانت تمضية عيد الفطر خارج المملكة أكثر ما يجذب محمد المحمدي، وكان يقصد البحرين كونها قريبة من المنطقة الشرقية «ويمكنني فيها قضاء وقت مسل وممتع»، لكن «تنوع فعاليات واحتفالات العيد في بلادنا، قلل من سفري إلى الخارج، بل على العكس تماماً أجد الآن الكثير من الناس من جميع أنحاء المملكة جذبتهم احتفالات العيد»، ويؤكد أنه يمضي وقتاً مسلياً مع أصدقائه بدل السفر وقضاء الوقت وحيداً. وهذه كانت حال عائلة أبو وليد التي باتت اليوم تتحضر بعد صلاة العيد وتهنئة الأهل لتمضية بقية أيام العيد على شاطئ البحر. «نقصد شاطئ نصف القمر أو العزيزية في المنطقة الشرقية، وهناك ينصب كل واحد من أفراد العائلة خيمته بالقرب من بعضها البعض، للمؤانسة» تقول الوالدة. وتتنوع النشاطات التي يقومون بها على الشاطئ، كباراً وصغاراً، من لعب كرة القدم والسباحة، كما يستأجرون الدبابات والخيول والجمال والعربات التي تجرها الخيل والدبابات البحرية وغيرها من الألعاب. ويشارك أولاد أبو وليد في فترات المساء بالكرنفالات الترفيهية السياحية المرحة والممتعة.

وتستقطب البرامج الثقافية والفنية والاستعراضية والترفيهية والرياضية عائلة عبد القادر التاروتي لأنها «تزيد من البهجة والسرور والتشويق لدى أفراد العائلة، وتتيح لنا قضاء أوقات ممتعة، حيث ان العديد من المسابقات والبرامج تكون مبتكرة ومخصصة للعيد». وأكثر العروض المميزة التي تستهوي عبد القادر هي استعراضات السيارات والدراجات النارية والهوائية والطيران الشراعي والبانجي.

وتقصد العائلة الأماكن التي تقام فيها هذه الفعاليات عقب صلاة العشاء، وتنتقل من نشاط لآخر من مشاهدة مسرحيات الاطفال إلى متابعة الفقرات الترفيهية والتثقيفية المتنوعة، وذلك حتى منتصف الليل موعد نوم الأولاد. يأتي العيد محملاً بألوان الطيف ليزرع في نفوس الناس الدفء والمحبة الإنسانية. فعيد الفطر مناسبة سعيدة للمسلمين للقاء بعضهم ببعض، حيث تتجلى فيه عناصر المحبة والتسامح والتواصل الاسري وصلة الارحام، وموعد مع الفرح والترفيه واللحظات التي لا تنسى لأنه مكافأة دنيوية للصائمين أينما وجدوا.