المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية في بريطانيا تمهد لـ«تراجع سياسي»

شارون يستغل لقاءات «ديتشلي بارك» لإيجاد صيغة للتراجع عن سياسته الرافضة للتعامل مع عرفات

TT

تشهد الاتصالات الرسمية وغير الرسمية تحت الرعاية الدولية بين الفلسطينيين والاسرائيليين، نشاطا محموما غير مسبوق للخروج من المأزق الذي تعيشه مفاوضات السلام بين الطرفين. ففي الوقت الذي دخلت فيه اللقاءات بين وفد فلسطيني برئاسة العميد جبريل الرجوب مستشار الامن القومي للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والوفد الاسرائيلي برئاسة عومري ابن رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون برعاية جمعية اصدقاء اسرائيل في حزب العمال الحاكم في بريطانيا ومؤسسة ييغال الون التعليمية، يومها الثاني والاخير بعيدا عن اعين الصحافة وكاميرات التلفزيون، في منطقة «ديتشلي بارك» القريبة من مدينة اكسفورد، بدأ في العاصمة الاسبانية مدريد امس منتدى جديد تحت عنوان «حل دولي لفلسطين» يشارك فيه شخصيات اميركية واوروبية واردنية الى جانب مسؤولين فلسطينيين واسرائيليين.

وتتواصل هذه الاتصالات قبل ايام فقط من التوقيع المقرر بعد غد في جنيف بسويسرا على ما اصبح يعرف بـ«اتفاق جنيف» لتسوية الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، الذي توصلت اليه شخصيات فلسطينية واسرائيلية غير رسمية بقيادة وزير الاعلام الفلسطيني السابق ياسر عبد ربه ووزير القضاء الاسرائيلي الاسبق يوسي بيلين بعد حوالي عامين من المفاوضات التي انتهت بتوقيعها بالاحرف الاولى في الاردن في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي. وسيجري التوقيع عليها رسميا في حفل دولي يقام في جنيف في الاول من ديسمبر (كانون الاول) المقبل، بحضور شخصيات عالمية من امثال الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر والزعيم الجنوب افريقي نيلسون مانديلا ولفيف من المسؤولين العرب والاجانب.

ويتخذ بعض هذه الاتصالات كما تقول الصحافة الاسرائيلية، كغطاء لخطة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون للتراجع عن ساسته الرافضة للتعامل مع الرئيس ياسر عرفات ورفع الحصار عنه، بل يسعى ايضا السماح لمسؤولين اسرائيليين من لقائه وليس فقط المسؤولين الدوليين الذين كان مسؤولو الحكومة الاسرائيلية يقاطعونهم اذا ما التقوا عرفات في مقره في رام الله.

وحسب مصادر اسرائيلية اعترف شارون بفشل سياسته المتشددة ضد عرفات الرامية على مدى اكثر من سنة ونصف السنة الى ترحيله او تشدد الخناق عليه في مقره المهدم. وما مشاركة ابنه عومري في لقاءات لندن الا عودة للاتصال والحوار غير المباشر مع الرئيس عرفات.

وقالت مصادر في مكتب شارون انه ينشغل ومساعدوه اليوم في ايجاد الصيغة المناسبة للتراجع العلني عن سياسته ضد عرفات، ويحاول التوصل الى تفاهم مع رجال الرئيس الفلسطيني. واعتبرت لقاءات «ديتشلي بارك» التي تعقد تحت عنوان «ندوة سلام رابين»، غطاء للقاء سرية بين عومري شارون وجبريل الرجوب الذي اعاده الرئيس عرفات الى الحلبة السياسية بتعيينه مستشارا للأمن القومي قبل بضعة اشهر، وهو من المقربين منه، بهدف التوصل الى هذه الصيغة والمخرج من هذا المأزق الذي يواجهه شارون معارضة داخلية واوروبية وحتى اميركية شديدة لسياسته ازاء الفلسطينيين.

ومن المقترحات التي تدرس هي ان يقدم الفلسطينيون على اتخاذ عدد من «الخطوات الضرورية» لتشجيع شارون على الغاء الحصار المفروض على عرفات منذ ديسمبر 2002 وحتى السماح لمسؤولين اسرائيليين بلقائه.

وذكرت مصادر فلسطينية، امس، ان المفاوضات تدور حاليا حول كيفية فك الحصار عن عرفات، اذ انه تبين ان رئيس الوزراء الفلسطيني، احمد قريع (ابو علاء)، يضع قضية الغاء الحصار شرطا للقاء شارون، اضافة الى شروطه الاخرى، واهمها ان «يكون اللقاء مفيدا وناجعا ويسفر عن نتائج ملموسة معلنة تقنع الشعب الفلسطيني بان هناك اتجاها حقيقيا للتخفيف من معاناته اليومية».

وكان شارون قد صرح، اول من امس، انه يلاحق ابو علاء للقائه من اجل تغيير الاوضاع. وفعل شارون ذلك بطريقة تبدو وكانه يهدد ابو علاء والقيادة الفلسطينية: «.. اذا لم يقبلوا ما نعرض عليهم اليوم فلن يحصلوا عليه في المستقبل. وانا لست مستعدا للانتظار الى الابد وملاحقة ابو علاء حتى يقبل ملاقاتي». وبعد هنيهة اضاف: «في الواقع انني ألاحق ابو علاء حتى التقيه. ليس صحيحا القول انني لا ألاحقه. فانا اريد ان تتغير اوضاع الشعبين لمصلحة الشعبين. ولذلك طلبت لقاء ابو علاء، وهو الذي يرفض ذلك ولست انا».

الجدير ذكره ان اوساطا اسرائيلية، اكدت اول من امس، ان طواقم العاملين قرب شارون وابو علاء التقوا خلال عطلة عيد الفطر المبارك لمواصلة الاعداد للقاء. وقالت ان اللقاء سيتم في الغالب خلال اسبوع، الا اذا طرأت تطورات اخرى. الا ان الفلسطينيين يحبذون عقده في الاسبوع القادم، عندما تتضح الصورة بشان مفاوضات القاهرة (ستبدأ في 2 ديسمبر) بين الفصائل الفلسطينية بهدف التوصل الى هدنة، ومن ثم بعد ان يتضح مدى الاستعداد الاسرائيلي للانضمام الى هذه الهدنة.

يذكر ان شارون بدأ تراجعاته عن الموقف ضد عرفات منذ حوالي الشهرين، اذ ارسل له كتابا عبر رئيس المعارضة العمالية الاسرائيلية، شيمعون بيريس، احتوى على بعض التحذيرات والاغراءات، وذلك اثر استقالة حكومة محمود عباس (ابو مازن)، فاقترح عليه اتخاذ اجراءات جدية في مكافحة الارهاب وتفكيك التنظيمات المسلحة، اذا اراد فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الطرفين. ولكن في الاسبوعين الاخيرين غير شارون قناته ولهجته، فأرسل ابنه، عومري، وهو الذي قام بمهمة مبعوث علني بينه وبين عرفات منذ ان تسلم الحكم في اسرائيل سنة 2001. فالتقى مع محمد رشيد، المستشار الاقتصادي للرئيس عرفات الذي زار رام الله قبل بضعة اسابيع بعد ان غادرها للاستقرار معه على استمرار اللقاءات. وتباحثا في تفاصيل اتفاق وقف النار المنشود وكيفية الخروج من مأزق حصار عرفات الذي بات يحاصر شارون.

وحول نتائج جلسات اليوم الاول من «ندوة سلام رابين» في «ديتشلي بارك»، نسبت وكالة الاسوشيتيد بريس الى عضو الوفد الفلسطيني زياد أبو زياد المسؤول الاسبق عن ملف القدس في السلطة الفلسطينية، وعضو المجلس التشريعي، القول ان التوقعات من المفاوضات مبالغ فيها، مشيرا الى ان اللقاء هو أحد اللقاءات الكثيرة التي عقدت في السابق وتعقد الآن وستعقد في المستقبل. لا أظن ان ذلك سيغير الخريطة. انها ليست اتصالات رسمية، ان الهدف من المفاوضات ليس التوصل الى اتفاق وانما فهم ما يجري لدى الطرف الآخر.

من جانبها، نقلت صحيفة «يديعوت احرونوت» في عددها الالكتروني عن عضو الكنيست والوفد الاسرائيلي حاييم هرتسوغ تعقيبه على اللقاء «انها حلقة دراسية تعكس قلق بريطانيا الحقيقي ازاء ما يجري في الشرق الأوسط ومدى اهتمامها بالتوصل الى حل للصراع ان اللقاء ليس مفاوضات سياسية، وانما هو حلقة أكاديمية بادر اليها أصدقاء اسرائيل في البرلمان البريطاني وفي حزب العمال. ورحب هرتسوغ بمشاركة عومري شارون في المحادثات.

وشارك في هذه المفاوضات التي تصر الحكومة البريطانية على نفيها رعايتها لها وتؤكد انها برعاية غير حكومية، 7 اعضاء في مجلس العموم، وثلاثة وزراء في حكومة توني بلير بعد ان اعتذرت البارونة اليزابيث سيمونز وزيرة الدولة للشؤون الخارجية المكلفة بملف شؤون الشرق الاوسط، عن عدم المشاركة بسبب عارض صحي مفاجئ. وحسب مصادر بريطانية فقد كان مقررا ان ترأس البارون احدى جلسات امس، لكن الظروف الصحية حالت دون ذلك، ولم يتمكن اي من وزراء الدولة للشؤون الخارجية الاربعة من المشاركة. غير ان مسؤولين رفيعي المستوى من الوزارة شاركوا. وشارك ايضا ايغور كابلين وزير الدولة لشؤون الدفاع، وجون سبيلر وزير الدولة لشؤون ايرلندة الشمالية وجين كندي وزيرة دولة لشؤون ايرلندة الشمالية المكلفة ملفات الامن والسجون.

وكان الوفدان الفلسطيني والاسرائيلي قد التقيا قبل بدء المفاوضات، مع جوناثان باول رئيس ديوان رئيس الحكومة ومايكل ليفي (اللورد ليفي) المبعوث الخاص لتوني بلير الى الشرؤق الاوسط»، وعدد من المسؤولين البريطانيين رفض المتحدث باسم مكتب بلير الكشف عن اسمائهم.

وفي خط مواز، بدأت في مدريد امس لقاءات لايجاد مخرج من مأزق المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية. ويشارك في هذه اللقاءات التي وصفها العضو العربي في الكنيست الدكتور احمد الطيبي المشارك، بمنتدى سياسي يعقد تحت عنوان «حل دولي لفلسطين». شخصيات اسرائيلية وفلسطينية واوروبية واميركية كل بصفتها الشخصية وليست الرسمية على حد قوله. وقال الطيبي في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الأوسط» امس «ان النقاش يدور حول محور واحد وهو: هل ترسل قوات دولية الى الاراضي الفلسطينية كما يريد الفلسطينيون».

ومن الاسماء المشاركة اسرائيليا رئيس كتلة الليكود في الكنيست جدعون سعار ورئيس كتلة حزب العمل داليا اسحق ومستشار رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق، داني ياتوم اضافة بالطبع الى احمد الطيبي بصفته رئيسا للحركة العربية للتغيير. ومن الجانب الفلسطيني يشارك في هذا المنتدى محمد دحلان وزير الدولة لشؤون الامن في حكومة محمود عباس (ابو مازن) السابقة، وغسان الخطيب وزير العمل ومجدي الخالدي نائب وزير الشؤون الخارجية في السلطة وابو رامي السفير الفلسطيني في مدريد.

وشارك ايضا عبد الاله الخطيب وزير الخارجية الاردني الاسبق وزير الصحة الفرنسي الاسبق والمبعوث الدولي الى كوسوفو، كورنارد كوشنير ومارتن انديك السفير الاميركي الاسبق في تل ابيب وايان مارتن المبعوث الدولي الى تيمور الشرقية وبازيل كلاوزر من معهد واشنطن لدراسات الشرق الاوسط. ومبعوث السلام الاوروبي السابق الاسباني ميخائيل موراتينوس اضافة الى عدد من المسؤولين الاسبان.

وقدم عدد من المشاركين مداخلات في جلسات امس ومن المقرر ان يقدم الفلسطينيون والاسرائيليون مداخلاتهم اليوم حسب ما قاله الطيبي لـ«الشرق الأوسط».