إيرانيون متذمرون ينصحون العراقيين بعدم تكرار تجربة نظام آيات الله

TT

قالت الايرانية مهوش مردانيان ان أشخاصا اخذوا اوراقا مالية كانت تحملها في يدها وذلك خلال وجودها في العراق. لكنها اضافت ان هؤلاء لم يأخذوا تلك الاوراق المالية من فئة الـ500 ريال ايراني بقصد السرقة وإنما لأنها تحمل صورة آية الله الخميني. وتقول مهوش ان هؤلاء قبّلوا تلك الاوراق المالية البالية التي تحمل صور الزعيم الايراني الراحل قبل إعادتها اليها مرة اخرى. وتقول الايرانية مهوش ان الامر الذي أثار اهتمامها هو حب الشيعة العراقيين للنظام الايراني، لكنها استدركت قائلة انهم «ربما لا يعرفون على وجه الدقة طبيعة هذا النظام».

والايرانيون، مثل مهوش مردانيان، يقولون انهم يعرفون هذا النظام جيدا. فقد ظل الايرانيون على مدى ربع قرن تقريبا يعيشون تحت أعين القادة الدينيين. وفيما يفكر العراقيون بصورة عامة بنوع الحكومة التي ستحكم البلاد عقب انتهاء الاحتلال الاميركي رسميا، ينظر البعض متطلعا الى النموذج الايراني. لكن من الواضح ان قليلين فقط في الجانب الايراني يميلون الى توصية جيرانهم العراقيين بتبني النظام السائد في ايران، وحتى هذا العدد المحدود من الذين يوصون بتبني العراق للنموذج الايراني لهم بعض التحفظات والتحذيرات المتشددة والغاضبة احيانا. فالايراني حسن ده مرده، 30 سنة، الذي يملك محلا لبيع السيارت، يقول متسائلا: «حكومتنا ليست لها قيمة. لماذا نقترح على العراقيين اتخاذها كنموذج؟»، وأضاف معلقا: «غالبية الناس هنا عاطلون عن العمل، فكيف اوصي بتبني نظام لا يوفر وظائف للناس؟». اما الطالبة نازنين، 22 سنة، التي فضلت استخدام اسمها الاول فقط، فقد قالت: «نحن فشلنا، كما هو واضح. من الافضل للعراقيين التفكير في تبني دستور جديد لبلادهم».

وخلال 12 لقاء مع ايرانيين في شوارع اصفهان، وهي ثاني اكبر المدن الايرانية واكثرها جمالا، عبر اثنان فقط عن تأكيد قوي بأن نموذج الدولة الدينية القائم في ايران هو افضل نموذج يمكن تطبيقه في العراق، فيما عبر سبعة آخرون عن آراء متباينة الى جانب 15 آخرين ينتقدون بقوة نظام الحكم الايراني. ويقول عباس قاضي، الذي حلق شعر رأسه حديثا استعدادا لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، ان نظام الحكم الايراني لا يصلح. واضاف قائلا ان الحكومة الايرانية الحالية لا تصلح مطلقا وإنها تعج بالمشاكل وكل انواع الاخطاء ولا تفكر في الشباب، على حد وصفه. وتعزز الاجابات التي ادلى بها الاشخاص الذين استطلعت آراؤهم على نحو عشوائي بالقرب من جسر نهر زاينده رود، ما عبر عنه الايرانيون في صناديق الاقتراع مرارا. فمنذ عام 1996 شهدت الانتخابات التى اجريت على مختلف المستويات في ايران فوز المرشحين الذين قدموا وعودا بجعل الدولة اكثر تجاوبا مع رغبات سكان البلاد الذين يقدر عددهم بحوالي 68 مليون نسمة نصفهم من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 20 عاما. إلا ان الدستور في النظام السياسي الايراني ينص على وجود هيئة من رجال الدين تتمتع بسلطة اعلى من سلطة البرلمان المنتخب، كما ان مكتب «المرشد الأعلى» الايراني، على خامنئي، يملك سلطة اعلى من سلطة الرئيس المنتخب، محمد خاتمي. ويقول علي ترابي، ان الاهداف التي طرحت عند بدية الثورة كانت «جيدة جدا»، إلا ان الناس باتوا يتصرفون فيما بعد بما يتماشى مع مصالحهم الخاصة. ويعتقد ترابي ان الحكومة الايرانية لا تأخذ في الاعتبار العلاقات الدولية، كما يرى ان ايران فقدت الكثير وأن اعضاء النظام يحاولون استغلال الاسلام بغرض لحماية وضمان مصالحهم. ومنذ وفاة الخميني في عام 1989 اعتمد خليفته اية الله علي خامنئي، اعتمادا كبيرا، على طبقة حاكمة من رجال الدين الذين اصبح ينظر اليهم تدريجيا ولكن بصفة منتظمة، على انهم نخبة محدودة تسعى للحكم. وفي ايران، فإن الحكومة الدينية لا تحظى بدعم ايرادات النفط الضخمة، ولكن ايضا من «مؤسستين» ضخمتين تسيطران على معظم قطاعات الاقتصاد. واوضح مهدي صباغ، 25 سنة، الذي تخرج اخيرا من الجامعة بعد حصوله على شهادة في الهندسة المدنية، ولم يحصل على عمل بعد «ان الامور ليس كما يجب ان تكون عليه. توجد هوة اقتصادية كبيرة. ربما 5 في المائة فقط من الناس في وضع اقتصادي جيد. و10 في المائة يمثلون الطبقة المتوسطة و85 في المائة فقراء». من جهتها، اوضحت مينا حسيني البالغة من العمر 39 سنة «هناك الكثير من الاشياء السيئة هنا. يتحدثون عن الاسلام ولكنهم لا يطبقونه».

وبالرغم من ذلك فإن دولة قائمة على المبادئ الاسلامية لا تزال بالنسبة لكثير من الايرانيين، دولة مثالية ولا سيما في اصفهان. وتشتهر المدينة التي يقطنها 1.5 مليون نسمة منذ امد طويل بالتقوى، ومساجدها ذات اللون الفيروزي تنقل جمال الايمان الى السياح. وتقع المدينة على بعد 300 ميل جنوب طهران، وكانت مهد التأييد لثورة 1979 وللحرب المهلكة التي استغرقت 8 سنوات ضد العراق، حيث قيل انها قدمت ضحايا اكثر من اي اقليم آخر. واليوم فإن المدينة اصبحت مدينة اصلاحية. ويشير الايرانيون العاديون الى ان سبب ذلك يرجع الى رسالة العدالة الاجتماعية في الاسلام.

واوضحت زائرة من طهران في الثالثة والخمسين من عمرها التي قدمت اسمها الاول فقط وهو دوري «ان الجوهر الاسلامي الحقيقي هو جيد بسبب العدالة المتضمنة فيه. ولكن لا يتم ذلك الا اذا كان وفقا لأحاديث الرسول. ولا اعتقد ان النظام في ايران يتبع ذلك تماما». وقد كشفت الاستطلاعات ان رجال الدين يمكنهم دفع 15 في المائة فقط من السكان للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، وهو رقم ظل ثابتا لمدة سنوات. وقالت امرأة اخرى في الحادية والاربعين من عمرها التي رفضت ذكر اسمها «يوجد نظام جيد للغاية. وينتشر الامن. الوضع افضل بكثير من زمن الشاه».

وفي الناحية الاخرى استمعت شابة اسمها عاقلة مختاري باهتمام من رجل كبير في السن يطلعها على حظها. وقالت بعد انتهاء الرجل «لسوء الحظ فإن الاسلام الذي نتحدث عنه الآن قد قلب رأسا على عقب. ليس هو الاسلام الحقيقي. فليست لدى الشباب الحرية التي يستحقونها. والأمن ينكمش». وقاطعها رجل يرتدي سترة رياضية في التاسعة والاربعين من عمره ويعمل في مصنع للنسيج قائلا «الحرية التي تسعى اليها هو الفساد الاخلاقي».

وسأل مهدي طبطبائي، وهو شاب في التاسعة عشرة من عمره ويرتدي ملابس سوداء، مشيرا الى الحجاب الذي امر رجال الدين النساء باستخدامه «ما هي الحرية في تفكيرك. ان الحرية التي نسعى اليها ليست هي فقط خلع الحجاب». وبدأ الناس يتجمعون، ولكن قبل ان يزداد النقاش حضر شرطي. وقد حضر بعد تقارير بأن صحافيين اجانب يطرحون اسئلة سياسية، وقد اعتذر الضابط لاضطراره لاصطحابنا الى الكشك انتظارا لحضور ضابط من الاستخبارات.

وكانت تلك المرة الثانية التي يحدث فيها ذلك في يومين. فقبل ليلة، عندما كانت مهوش تتحدث عن مدى محبة العراقيين للنظام الايراني، قدم شاب رشيق تظهر عليه مظاهر التهديد نفسه على انه عضو في الحرس الثوري «الباسيج».. وعندما لم يهتم احد بتنفيذ طلبه بتقديم اوراق هوية، ابتعد وقال انه سيطلب الشرطة، وراقبه ترابي وهو يمضي وقال «هذا هو السبب وراء وقوع ثورة هنا».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»