إسرائيل تلمح إلى استعدادها للانضمام للهدنة ولكن من دون الالتزام باتفاق

أصوات في الليكود تطالب بإقالة أولمرت بسبب خطته للانسحاب من طرف واحد

TT

لمح وزير الخارجية الإسرائيلي، سلفان شالوم، أمس، إلى أن إسرائيل مستعدة للانضمام لهدنة مع الفلسطينيين والامتناع عن تنفيذ عمليات حربية أو اغتيالات ولكن ضمن اتفاق شفهي غير مكتوب. وهي ترفض الانضمام إلى اتفاق رسمي مكتوب لوقف إطلاق النار. ومع أن هذا الموقف ينطوي على نية مبيتة للعودة إلى العمليات الحربية بأية حجة، إلا أنه يشكل تغييرا في الموقف الإسرائيلي المتعنت. وفي هذه الأثناء، خرج القائم بأعمال رئيس الوزراء، إيهود أولمرت، بمشروع سياسي جديد للانسحاب من حوالي 80% من الضفة الغربية من طرف واحد بلا اتفاق. وأثار ضده أوساطا واسعة في اليمين، طالبت بإقالته من الحكومة.

وكشف شالوم، الذي يعتبر من خصوم أولمرت، أمس، أن إسرائيل تتابع ببالغ الاهتمام المحادثات الجارية بين الفصائل الفلسطينية المختلفة في القاهرة. فأشاد بالجهود المصرية لإحراز الهدنة. وقال إن السلطة الفلسطينية تطلع إسرائيل على تفاصيل تلك المحادثات. وسيلتقي لهذا الغرض كل من أمين سر رئاسة الحكومة الفلسطيني حسن أبو لبدة، للقاء مدير عام مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي، دوف فايسغلاس، بعد غد، في مدينة القدس الغربية.

وأوضح شالوم أن إسرائيل ليست طرفا في محادثات الهدنة وتعتبرها قضية فلسطينية داخلية. لكنه امتدحها. وقال: «سنكون مسرورين جدا إذا تحققت وصمدت. ولكن الهدنة لا تكفي. ويجب أن تقترن بها خطة واضحة لتفكيك التنظيمات المسلحة. ونريد أن يكون معروفا لنا ماذا ستفعل السلطة إزاء من يخرق الهدنة، فإذا تلقينا ردودا إيجابية على هذه الأسئلة، فلن تكون هناك أسباب لمهاجمة الفلسطينيين أو القيام بعمليات ضدهم».

وكالعادة، اهتم الناطقون بلسان المخابرات الإسرائيلية، بأن يصدروا حال سماع هذه التصريحات موقفهم المشكك من كل موضوع الهدنة. فقال أحدهم إن الهدنة في القاهرة ستأتي لخدمة غرض واحد هو تعزيز مكانة الرئيس ياسر عرفات تمهيدا لإعادته إلى مركز الأحداث السياسية «فهو أقام حكومة موالية له، ورئيسها، أحمد قريع (أبو علاء)، لا يقدم على خطوة واحدة في أي مجال إلا بعد موافقة عرفات. بينما قوى الإرهاب تستفيد من الهدنة لإعادة تنظيم صفوفها». وقال الناطق إن هناك جهة غير موجودة في مفاوضات القاهرة لكن لها حضور قوي في الشارع الفلسطيني، وهي إيران و«حزب الله» اللبناني «فهؤلاء لا يؤيدون الهدنة. ولا يلتزمون بها ولديهم مصلحة مباشرة في العمليات الإرهابية داخل إسرائيل. ولذلك لن يوقفوها».

وفي إطار الصراعات الدائرة داخل المجتمع الإسرائيلي بقوة شديدة حول مستقبل العلاقات مع الفلسطينيين، طرح إيهود أولمرت، رئيس بلدية القدس سابقا والقائم حاليا مقام رئيس الحكومة، مشروعا سياسيا جديدا لافتا للنظر، إذ أنه رغم الأسلوب العدائي الذي ينتهجه في التعامل مع الفلسطينيين، ولا يريد مفاوضات معهم أو اتفاق ويريد فرض الحل من طرف واحد، إلا أن مضمون طروحاته يعتبر ثورة داخل الليكود وغيره من أحزاب اليمين، لدرجة أن أصوات في الليكود اعتبرته يساريا، وطالبت رئيس الحكومة، ارييل شارون، بطرده من الحكومة «حتى يجلس في مكانه الطبيعي في أحزاب اليسار إلى جانب يوسي بيلين ويوسي سريد». وكشف مشروع أولمرت خلال مقابلة مطولة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، نشرت أمس، وقال فيها إنه لا يرى أي أمل في تفاوض ناجح مع الفلسطينيين. ليس فقط لأنه لا يؤمن بأن ياسر عرفات معني بالتسوية، بل أيضا لأن أي فلسطيني ستفاوضه اليوم سيتخذ أحد موقفين; فإما أنه يريد دولة فلسطينية عاصمتها القدس وحدودها على الخط الأخضر وإزالة جميع المستوطنات وإعادة اللاجئين، وهذا حل مستحيل، واما انه يريد مثل اليمين المتطرف في إسرائيل، دولة واحدة ما بين النهر والبحر يصبح فيها العرب أكثرية بعد عدة سنوات ويصبح حكم اليهود عليهم عنصريا ودكتاتوريا، وهذا ما لا يريده أولمرت. لذلك، يقترح أن تنسحب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية إلى حدود تقررها هي لنفسها بحيث تكون إسرائيل دولة 80% من سكانها يهود و20% عرب. ورفض أن يفصح عن هذه الحدود بدقة، لكن ضغط الصحافي عليه جعله يترك تلميحات تشير إلى أن إسرائيل ستنسحب من جميع أراضي قطاع غزة ومن 85% من الضفة الغربية. وستظل مسيطرة على القدس (باستثناء الأحياء الحربية الصرف المحيطة بها مثل العيساوية والسواحرة والعيزرية والرام وضاحية البريد وكفر عقب وأبوديس وكلها ستسلم حسب المشروع إلى الدولة الفلسطينية) وستظل مسيطرة على التجمعات الاستيطانية اليهودية الكبرى (مع الموافقة على إزالة عشرات المستوطنات المتفرقة في قلب الضفة الغربية) واستمرار السيطرة على المعابر الحدودية. وفي هذه المناطق، لا تمانع إسرائيل في أن تقوم دولة فلسطينية، ولا تمانع التعاون مع هذه الدولة سياسية واقتصادية. لكنها تشترط أن تظل منزوعة السلاح، ومحاطة بجدار أمني من جميع الجهات. ويشير المراقبون إلى أن أولمرت يطرح «حلا» مبنيا على مشروع شارون حول الدولة الفلسطينية المؤقتة. لكن الفرق هو أن شارون يريدها على 52% من الضفة الغربية، بينما أولمرت يريدها على 85% لكي تكون دولة ثابتة وليست مؤقتة. وسئل أولمرت عن هذا الانعطاف في موقفه. فهو من التيار اليميني تاريخيا، أبا عن جد (والده كان إلى جانب زئيف جابوتنسكي، قائد هذا الجناح في الحركة الصهيونية) وكان متمسكا بمبدأ «أرض إسرائيل الكاملة»، فأجاب: «كل ما هناك أنني أريد دولة إسرائيل بلا احتلال وبلا أكثرية عربية، وأريدها دولة ديمقراطية».