القوى السودانية تبارك اتفاق طه ـ الميرغني

الميرغني يخطط للعودة إلى الخرطوم مع ذكرى الاستقلال ونقد يستعد للخروج للعلن بعد توقيع اتفاق السلام

TT

اعتبرت قيادات سودانية معارضة الاتفاق الذي وقع بين الحكومة السودانية والتجمع الوطني الديمقراطي (تحالف المعارضة) في جدة بالمملكة العربية السعودية اول من امس، خطوة متقدمة وحاسمة جداً في اتجاه الحل السياسي الشامل للقضية السودانية.

وينص الاتفاق الاطاري الذي وقعه نائب الرئيس السوداني علي عثمان طه وزعيم التجمع الوطني المعارض محمد عثمان الميرغني في مدينة جدة بالسعودية، اول من امس، على قيام «نظام ديمقراطي تعددي جمهوري رئاسي يكفل التداول السلمي للسلطة». ويدعم هذا الاتفاق الذي حصلت «الشرق الاوسط» على نسخة منه، كل الاتفاقات التي تم وسيتم التوصل اليها في المفاوضات بين الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان، كما يؤكد ان الحكم في السودان «لامركزي فيدرالي في اطار وحدة ارض وشعب السودان» وينص الاتفاق الذي ساهمت في اخراجه جهات خليجية منذ 3 اشهر، على ان تقوم «لجنة مشتركة للحوار» بالتفاوض حول تطبيق الاتفاق.

وتعقد هيئة قيادة التجمع اليوم اجتماعاً موسعاً يضم كل أعضاء هيئة قيادته الموجودين في القاهرة بغرض تشكيل وفد التفاوض. وعلمت «الشرق الاوسط» انه تم الاتفاق بشكل نهائي على أن يقوم الفريق عبد الرحمن سعيد برئاسة الوفد للمفاوضات مع الحكومة للتباحث حول تفاصيل وتنفيذ وتوقيع اتفاق شامل بين الجانبين في اقرب وقت. وفيما وصف الحزب الشيوعي السوداني توقيع الاتفاق بانه خطوة مهمة وايجابية في مسار حل الأزمة السودانية، قال حاتم السر المتحدث الرسمي باسم تجمع المعارضة ان الاتفاق يجيء في مرحلة مهمة تتزامن مع بدء الجولة الحاسمة في المفاوضات القائمة بين الحكومة والحركة الشعبية، واذا تم تنفيذه بشفافية عالية وجدية كاملة يكون قد وضع حداً للمخاوف والمحاذير التي ظلت تصاحب مسيرة السلام التي كانت تقتصر على طرفين فقط عندما كانت الحكومة ترفض مشاركة التجمع وتعمل على إبعاده، وقال «هذا في حد ذاته كان يمثل تهديداً مباشراً على وحدة واستقرار السودان وبناء نظام ديمقراطي حقيقي في مرحلة ما بعد السلام».

وأكد السر جدية التجمع الوطني في التعامل مع هذه الخطوة وجاهزيته للدخول في حوار مباشر مع الحكومة لبحث تفاصيل الاتفاق الإطاري حتى يكون عام 2004 عام السلام والديمقراطية في السودان، واعتبر السر زيارة وفد الحركة الشعبية للخرطوم حالياً هي جزء من تجمع المعارضة السودانية، تؤكد ان الأطراف المعارضة ظلت تعمل من أجل هدف محدد وهو الوصول الى سودان ديمقراطي موحد ينعم بالسلام والاستقرار، وأكد ان الميرغني ظل يرفض منذ سنوات طويلة كل المحاولات التي تقوم بها الحكومة للتوقيع على اتفاق ثنائي بين الحزب الاتحادي وحزب المؤتمر الوطني، مشيراً الى ان الاتفاق يؤكد النظرة البعيدة لرئيس التجمع والتي أثمرت هذا الاتفاق وانتزاع اعتراف كامل بالتجمع من الحكومة.

من جانبه أكد الدكتور الشفيع خضر القيادي بالتجمع الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي السوداني ان حزبه كان على علم بكافة الخطوات التي سبقت توقيع الاتفاق والذي اعتبره أولى الخطوات نحو تحقيق الحل الشامل للأزمة وقال ان هيئة القيادة في اجتماعها الموسع المزمع انعقاده اليوم ستتدارس الاتفاق بشكل جيد مع كافة رؤساء الفصائل المنضوية تحت لواء التجمع للاتفاق على خطة عمل التجمع في الفترة المقبلة، مشيراً الى انها مرحلة حاسمة. وحول عودة التجمع للعمل من الداخل في اعقاب هذا التوقيع قال الشفيع ان مثل هذا الحديث يكون سابقاً لأوانه قبل الاجتماع بأعضاء الهيئة للتشاور والاتفاق على ما هي الخطوة التالية، مشيراً الى ان أمور عديدة ستخضع للدراسة واتخاذ القرار بشأنها في اجتماعات التجمع المقبلة لبرنامج المرحلة الجديدة.

وحظي الاتفاق الاطاري بتأييد واسع من قبل القوى السياسية في الخرطوم، ومن تحفظات حول مدى جدية الحكومة في تنفيذه، فيها اعتبر حزب المؤتمر الوطني الحاكم الاتفاقية بمثابة «تتويج لاتصالات سابقة جرت بين القيادات الفاعلة الحكومة والتجمع» وقال المهندس الحاج عطا المنان امين امانة المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم ان الاتفاق جاء بعد اتصالات سابقة جرت بين الرئيس السوداني عمر البشير ومحمد عثمان الميرغني، مشيراً الى ان الاتصالات التي جرت بين الطرفين اسفرت عن لجنة مشتركة عقدت سلسلة اجتماعات انتهت بالتوصل الى مسودة الاتفاق الذي جرى التوقيع عليه في جدة.

واعتبرت الحكومة السودانية الاتفاق «خطوة تاريخية مهمة لانهاء معاناة الشعب السوداني». وقال طه بعد توقيع الاتفاق ان «مسيرة السلام تتسع للجميع» مشددا على ان «مرحلة ما بعد السلام هي مرحلة انتقالية لتوحيد الصف وجمع الكلمة في السودان». وقال الميرغني من جانبه ان «كل فصائل التجمع الوطني الديمقراطي بما في ذلك الحركة الشعبية فوضتني لتحقيق هذا الاتفاق». وردا على سؤال حول موعد عودته للخرطوم قال الميرغني الذي غادر السودان قبل حوالي 13 عاما بعد بضعة اشهر من استيلاء الرئيس عمر البشير على السلطة بانقلاب عسكري عام 1989 «الآن بدأ طريق العودة الى السودان». لكن مصادر مقربة من الميرغني قالت لـ«الشرق الاوسط» ان الميرغني يخطط للاحتفال بالذكرى 48 لاستقلال السودان في مطلع يناير (كانون الثاني) المقبل في الخرطوم.

واعرب الامين العام لحزب الامة عبد النبي علي احمد عن «ترحيبه البالغ» بالاتفاق وهنأ «الحكومة والتجمع بالتوصل لهذه المرحلة المتقدمة في الحوار». وقال «ظللنا ننادي بمثل هذا الاتفاق منذ اربع سنوات» معتبرا ان «هذه الخطوة تتماشى مع مناخ التفاوض والحوار حول الاجندة الوطنية والتحول الديمقراطي». وناشد مسؤول حزب الامة كافة قيادات التجمع بالانتقال الفوري للداخل للمشاركة مع الشعب في تحقيق المقاصد من هذا الاتفاق. يذكر ان حزب الامة الذي يتزعمه الصادق المهدي ليس عضوا في التجمع الوطني الديمقراطي.

من جانبه قال الدكتور بشير آدم رحمة المسؤول السياسي في حزب المؤتمر الشعبي المعارض لـ«الشرق الاوسط» ان حزبه يرحب باي جهد من شأنه ان يقود الى السلام الشامل العادل وتطبيع الحياة السياسية بحيث تسود الحريات وقرار الشعب بعيداً عن التسلط، ولكن رحمة يشكك في جدية الحكومة في تنفيذ الاتفاق وقال في هذا الخصوص: «الخوف من ان الحكومة لا تذهب بهذا الاتفاق الى الامام» وتابع: «هي دائماً تنكث العهود مشيراً الى ان الحكومة نكثت اتفاقية الخرطوم للسلام الموقعة مع عدد من الفصائل الجنوبية في العام 1997 واتفاقية جبال النوبة واعترضت على مذكرة التفاهم بين المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية والتي كانت ستقود الى السلام». وقال المسؤول البارز في الحزب الشيوعي فاروق كادوده ان توقيع الاتفاق «اعتراف رسمي وعلني من الحكومة بالتجمع الوطني وقال انه يتفق مع مواقف القوى السياسية سواء داخل التجمع او خارجه». كما دعا الى اكمال الاتفاق عبر الحوار بين الجانبين لتنفيذه. وعلمت «الشرق الاوسط» من مصادر مقربة من زعيم الحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد المختفي في السودان منذ نحو 10 سنوات، ان هذا الاخير ربما يخرج من مخبئه ويعود للعلن مع توقيع اتفاق سلام بين الحكومة والحركة الشعبية، وليس قبل ذلك. وكان الميرغني الذي يعيش في المنفى متنقلا بين القاهرة واسمرة حذر في الفترة الاخيرة من استبعاد المعارضة التي يمثلها عن محادثات السلام الجارية في كينيا.

وعلمت «الشرق الاوسط» ان اللقاء الذي تم مساء أول من أمس في جدة لم يكن مفاجئاً لاعضاء هيئة قيادة التجمع الوطني الديمقراطي، ولكن المفاجأة ان يتم قبل ساعات من قيادة طه لوفد الحكومة الى كينيا، كما كان يفترض ان يتم اللقاء بين الميرغني والأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان. وترجع وقائع الترتيبات لهذا الاجتماع لأكثر من ثلاثة أشهر، وقالت مصادر مطلعة في التجمع ان الميرغني ابلغ اعضاء هيئة قيادة التجمع في احد اجتماعاتهم الاخيرة بالقاهرة مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بأن الحكومة كانت على اتصال به منذ ثلاثة أشهر كرئيس للحزب الاتحادي الديمقراطي وطلبوا منه توقيع اتفاق بين الحزب الاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الوطني الحاكم، لكن الميرغني رفض ذلك وأبلغهم بأنه يرفض أي اتفاق من الحكومة مع فصيل واحد داخل التجمع الوطني الديمقراطي، واذا أرادت الحكومة الحوار مع المعارضة لا بد أن يكون ذلك مع التجمع الذي يضم الاحزاب والتنظيمات والنقابات المهنية السودانية. وعلى ضوء ذلك قرر اجتماع هيئة القيادة تفويض الميرغني بالتحاور مع الحكومة نيابة عن التجمع، وأكد لهم الميرغني بأنه سيتحدث في هذا الأمر مع الدكتور ابراهيم احمد عمر الامين العام للحزب الحاكم في السودان، وقالت المصادر ان هذا اللقاء قام نتيجة وساطات عديدة عربية وخليجية وأجنبية استنادا لأهمية دور التجمع ووزنه السياسي والاجتماعي والذي ينعكس على مستقبل السلام في السودان بصورة مباشرة وان الوسطاء رأوا بالضرورة ان لا يضيع التجمع الوطني الفرصة في ظل مناخ السلام القائم والذي يدعمه التجمع بروح وطنية وحرصا على مستقبل السودان، ولذلك تمت خلال الفترة الماضية اعداد كامل لوجهة نظر التجمع ورؤيته للمرحلة المقبلة وعليه تم اللقاء.