أكاديميون يطرحون رؤاهم في مهرجان للجامعات السعودية في الأردن

TT

تخطو الجامعات السعودية خطوتها الرابعة في اتجاه الاردن هذا العام، لتحيي مهرجان «الايام الثقافية للجامعات السعودية» في رحاب الجامعات الاردنية، بعد ان نجحت مهرجاناتها الثلاثة السابقة في كل من سورية والمغرب، والامارات في توطيد وتوثيق الصلة بينها ورصيفاتها العربية. وفي المهرجان الرابع لهذا العام والذي سيقام في الفترة من 14- 18 ديسمبر(كانون الاول) الجاري تسعى الجامعات السعودية الى التعريف بما يتوفر لديها من امكانيات علمية وماتقوم به من انشطة ثقافية، وتقديم نماذج من الانتاج العلمي والفكري والادبي لاعضاء هيئة التدريس فيها، من خلال مشاركة كوكبة متميزة من الاكاديميين السعوديين ببحوث ودراسات اعدت خصيصا لهذه التظاهرة الثقافية، بالاضافة الى المشاركة في الندوات والامسيات الشعرية المقامة ضمن فعاليات المهرجان، بجانب اقامة تسعة معارض لابراز التطور العلمي والثقافي للجامعات السعودية.

وتتعدد اشكال ونوعيات الاحتفاليات السعودية في هذه التظاهرة ما بين العلم والشعر، الثقافة والعولمة، الحداثة والموروث، التقنية وبحوث العمليات، الاستثمار والمحاسبة، العمران والبيئة وغيرها من الموضوعات التي تتسابق المشاركات والفعاليات لتغطيتها.

وتبدأ الفعاليات بالمحاضرة الاولى المعونة بـ«الابعاد الثقافية والاجتماعية للسياحة» والتي يلقيها د. عبد الله محمد الفوزان وكيل كلية الاداب في جامعة الملك سعود حيث يشير الى ان للسياحة أبعاداً عدة لاتتوقف فقط عند الجانب الاقتصادي، فلها بعد تاريخي واجتماعي ونفسي وتعليمي، حضري وريفي، ديني وثقافي وعرقي ورياضي وصناعي، وكل هذه الابعاد لاتقل من حيث الاهمية عن الجانب الاقتصادي المنتظر من السياحة. ولذا فان الفوزان يعالج في ورقته المقدمة في المهرجان هذين البعدين الثقافي والاجتماعي للسياحة، ولعله يعني بذلك ان يرتقي بالسياحة الى المستوى الفعال الذي يجعلها اداة تواصل وتفاهم وتقارب ثقافي واجتماعي بين المجتمعات والشعوب حيث تساهم في نقل السمات الثقافية والاجتماعية من ثقافة لأخرى ومن مجتمع لآخر، ولعل المنظمون للتظاهرة الثقافية يعنون بالتركيز على هذا المفهوم بوضع هذه المحاضرة في قمة جدول الفعاليات وفي يوم المهرجان الاول.

ويرى الفوزان من خلال ورقته التي سوف تقدم في المهرجان ان السياحة تشكل مصدر ثراء من خلال التنوع الثقافي واحداث التفاعل المتواصل بين اساليب الحياة والتفكير والمنجزات الفكرية والمادية للمجتمعات والشعوب المختلفة، بل ان السياحة وسيلة مهمة في وقوع التفاعلات المحلية والاقليمية والعالمية وكسر حدة التنميطات (STEREOTYPES) والعنصرية والتحيز والاحكام المسبقة والتصورات الخاطئة وسوء الفهم بين الامم والشعوب والمجتمعات والثقافات.

وتأتي ورقة الدكتور عبد الله ابراهيم المعجل رئيس قسم هندسة الحاسب الالي بجامعة الملك فهد ـ وكيل وزارة التعليم العالي للعلاقات الثقافية المكلف ـ لتلقي الضوء على الاهتمام المتزايد من قبل الجامعات السعودية بنشر وتطوير الثقافة الرقمية باعتبارها نوعا من الوسائل والادوات الحديثة التي لابد من استخدامها حتى لاتتحول الثقافة العربية والاسلامية الى ثقافة هامشية غير قادرة على التأثير أو التفاعل مع الثقافات الاخرى، خاصة وان ثقافتنا العربية والاسلامية تعتبر انجازا انسانيا راقيا يحق له ويستطيع ان يضاهي بمكوناته الرفيعة ثقافات الامم الاخرى، وان يشغل بالتالي الحيز الذي يستحقه من الحضور العالمي، وان يقارن بغيره من الانجازات الحضارية للشعوب.

وفي نفس الاتجاه تأتي ورقة الدكتور سعد عبد العزيز الموسي عن التجارة الالكترونية باعتبارها سوقا واعدة للتجارة الالكترونية على المستوى الاقليمي لأهمية حصتها فيما يتعلق بسوق تقنية المعلومات وانتشار استعمالات شبكة الانترنت، كما تؤكد الورقة على اهمية وضع التجارة الالكترونية في الدول النامية بشكل عام .

وتستعرض الدكتورة اسماء محمد باهرمز استاذة بحوث العمليات المشاركة في جامعة الملك عبد العزيز في الورقة المقدمة بعنوان «تقنية القرار الاداري من اجل البقاء في عالم متغير» بعض المشاكل الادراية التي تقلق رجل الاعمال وكيف تعالجها تقنية القرار( علم بحوث العمليات) مثل التوزيع الامثل للموارد أو قياس كفاءة الاداء واختيار مواقع لفروع الشركة أو كيفية نقل بضائعها، او كيفية ادارة بنوك الدم في المستشفيات أو جدولة الاطباء في العيادات أو غرف العمليات أو كيف تفاضل بين مشاريعك الاستثمارية أو كيف يمكنك تمويلها بأقل تكلفة ممكنة كما تشير الى زيادة الحاجة الى علم بحوث العمليات في عالم التقنية مما يدعو الاكاديميين الى الاستفادة من هذه الطفرة واعادة النظر في كيفية تدريس المادة وتطبيقها في الحياة العملية.

وتناقش الورقة المقدمة من الدكتور ابو بكر احمد باقادر محورا هاما عن عولمة التعليم ومسألة الهوية الثقافية من خلال طرح العديد من التساؤلات التي تدور حول المحور الاساسي وهو: هل التعليم يساهم في تحديد وتشكيل الهوية الثقافية الوطنية؟ فعلى الرغم من ان هدف المنهج الدراسي والنظام المدرسي واهداف المؤسسة التعليمية ـ اجمالا ـ هو تشكيل شخصية وهوية الخريج أو الطالب الذي يخضع ولسنوات لتأثير افكار ويجد نفسه مطالبا بقبول مايعرض عليه من افكار، فانه يبدو للوهلة الاولى ان هناك ارتباطاً بين موضوع تشكيل وصياغة الهوية بالعملية المدرسية، ولكن السؤال يصبح اكثر اشكاليا عندما يعرض بصياغة اخرى ، كأن يكون: هل المؤسسات التعليمية تحدد وتشكل الهوية الثقافية الوطنية للدارسين فيها؟ وهنا يشير الى قضايا عدة وملامح تؤثر في طرح هذه القضية ويكثر حولها الجدل مثل التعريب وملامح النظام التعليمي، وكيفية تقديم صورة الهوية الثقافية المطلوبة بشكل واع، واساليب كتابة المنهج الدراسي.

وينطلق تساؤل حول الادب العربي وآفاقه العالمية من خلال الورقة التي يقدمها الدكتور عبد الله محمد الغذامي استاذ علم النظرية النقدية في كلية الاداب في جامعة الملك سعود الذي يقر ان هذا السؤال يجنح الى طرح امور تتعلق بعلاقات الامم مع بعضها البعض، خاصة ذلك النوع من العلاقات الذي يصدر عن صورة امة من الامم في ذهن امة أو أمم اخرى. فالادب العربي ليس مجرد ادب لأمة تاريخية كبيرة الشأن والعدد ولكنه صورة ذهنية عن فئة بشرية، صارت كلمة «عربي» لاتصفها بوصفها عرقا فحسب، ولكن الكلمة تحمل دلالات سياسية واجتماعية، وهي ليست دلالات محايدة ولا هي اكاديمية وادبية فحسب، ولكنها ذات شحنة أو بالاحرى شحنات اشبه ماتكون بالشحنات والايحاءات النفسية، ولا يمكن لأحد في العالم وخاصة الغربي منه ان يتحدث عن الادب العربي ولا ان يتعامل مع هذا الادب من دون ان تحضر صورة للعرب وللعربي، لها مالها وعليها ماعليها، وان كان لها اشياء كثيرة فان عليها تحميلات كثيرة ايضا. ان هذه الصورة محملة وتضمر شحنات دلالية عميقة وتحيل الى تصورات تتحكم في شروط الاستقبال وبالتالي في شروط التذوق، ولن يتلقى الناس في امريكا، مثلا أي نص ادبي عربي من دون ان يسبق هذا النص صورة او صور تتحكم في كيفية تلقي هذا النص وكيفية التعامل معه مما يحول هذا النص في كثير من الاحيان الى (وثيقة) اكثر من نص ادبي، ولذا يتعامل الغربيون مع نصوصنا الادبية بوصفها وثائق تعطي قارئها ما يبتغيه المرء من الوثيقة والشهادة اكثر مما يبتغيه طالب المتعة الادبية.