أثرياء روس يرشحون أنفسهم تحت راية الحزب الشيوعي وصولا إلى البرلمان

مصلحة مشتركة بين الطرفين في هذا «الزواج» الغريب في الوقت الراهن لكن الحزب وزعيمه قد يدفعان الثمن غاليا في ما بعد

TT

ظل الحزب الشيوعي دائما يقدم نفسه على انه حزب العمال. لكن حالة سيرغي مورافلينكو، الذي يتطلع لتمثيل الشيوعيين في البرلمان تستوجب بعض التوضيح. فهذا الرجل، الذي شغل موقع رئيس مجلس ادارة شركة يوكوس، حتى يونيو (حزيران)، يتقاضى 10 ملايين دولار سنويا ويمتلك عربات فاخرة من نوع «بورشه» و«بي ام دبليو» و«مرسيدس».

وهناك ايضا اليكسي كوندوروف، الذي يخوض حملة لانتخابه في البرلمان رافعا شعار الشيوعية. فهو يعمل خمسة ايام في الاسبوع مديرا لشركة «يوكوس» النفطية ويتقاضى اجرا سنويا مقداره 629556 دولارا اميركيا، اي قرابة ثلثي المليون دولار. كلا الرجلين يمثل حزبا ينادي في برنامجه الانتخابي الرسمي باعادة تأميم شركات النفط لكي يتقاسموا ممتلكاتهم مع جميع الروس البالغ عددهم 145 مليون نسمة. فما هو الخطأ في هذه الصورة؟

يبدو ان الحزب الشيوعي الروسي يمر بعملية تجميل، اذا صح التعبير. ذلك ان الحزب، وهو يواجه احتمال الفوز بأقل عدد من مقاعد البرلمان التي شغلها طوال مراحل تاريخه، قرر تبني نهج مثير لاستقطاب الناخبين الشباب وحشد تأييد مجتمع المال الذي قد يؤتي ثماره.

* مصلحة مشتركة

* قد يكون من الصعب تخيل اشخاص يمكنهم سلب ألباب الناخبين الشيوعيين غير اولئك الذين ينتمون للطبقة الحاكمة، ممن يعدون على الارجح أبغض الشخصيات في روسيا. لكن مع ذلك، ها هم رجال اعمال مثل كوندوروف يعتبرون بلا ريب ان الشيوعيين وشعبيتهم المتواصلة تعد افضل خيول يمكنهم ركوبها ضد حزب «وحدة روسيا» ذي النفوذ القوي المستند مباشرة الى الكرملين والذي يدعم حملة الرئيس فلاديمير بوتين للقضاء على افراد الطغمة الاثرياء ذوي النفوذ ممن هيمنوا على الحياة الروسية منذ انهيار الشيوعية. اي ان المصلحة مشتركة.

* الحدود الغائبة

* في الواقع، يبدو ان ما يزيد على ربع مرشحي الحزب الشيوعي للانتخابات البرلمانية، المقرر اجراؤها في السابع من شهر ديسمبر (كانون الاول)، هم رجال اعمال، والبعض منهم مليونيرات. وهناك حديث ما حول احتمال ترشيح اثرى رجل في البلاد، وهو الرئيس السابق لشركة يوكوس، السجين ميخائيل خودوركوفسكي، للرئاسة ممثلا للحزب الشيوعي.

كوندوروف قال من جهته: «العالم الآن بات مهيأ لتقارب الافكار. ومن الصعوبة بمكان القول ان هذا يمثل اليمين المطلق وان ذاك يمثل اليسار التام. والرؤى التي يحق لها ان توجد هي تلك التي يمكنها توفير افضل الضمانات لعمل جميع المؤسسات العامة، ولافضل مستوى معيشة للمواطنين».

وقد ظل الحزب الشيوعي، والذي استمر طوال ما يربو على 70 عاما رديفا للحكومة ايام الاتحاد السوفياتي السابق، يمثل قوى المعارضة الهائلة خلال السنوات التي اعقبت الانهيار السوفياتي. فالزعيم الشيوعي غينادي زيوغانوف كان على وشك الحاق الهزيمة بالرئيس السابق بوريس يلتسين عام 1996. وها هو الحزب وحلفاؤه يحتفظون بـ132 مقعدا في برلمان الدوما الذي يضم 450 عضوا، ويشغلون اكبر تكتل معارض لسياسة الحكومة.

* حزب المتقاعدين

* لكن الظروف تبدلت. فخلال الاعوام الاخيرة تمكن بوتين من حشد تأييد الناخبين الذين تشغلهم قضايا الهيمنة الدولية ومسألة فرض النظام والقانون في الداخل. وهي القضايا التي ظل الشيوعيون يطرحونها في برامجهم. وفي الوقت نفسه، بات الناس ينظرون الى الشيوعيين باعتبارهم «حزب المتقاعدين وملجأ المحاربين القدامي والبابوشكاس الذين ما يزالون يرفعون شعارات المطرقة والمنجل التي عفى عليها الزمن، متى ما حلت ذكرى الثورة».

على ان الاحصاءات تشير الى ان ملايين الروس يعانون من الفقر، والاحباط من وقع الحال، وانهم قد يقعون ضحية للوعود ـ من امثال تلك التي يطرحها الشيوعيون ـ المتعلقة برفع مستوى الاجور وتحمل الشركات الكبرى المزيد من المسؤوليات، والعمل على تحقيق مبدأ «العدالة الاجتماعية» الغامض والمطروح دائما.

وهكذا فقد تقرر ضم الرأسماليين الى القائمة. ويقول المحللون ان وجود كوندوروف وغيره من «الاثرياء الشيوعيين» ضمن قائمة المرشحين، قد يوفر تلك الجيوب العميقة والتحالفات الواقعية المطلوبة لمنع تدهور الحزب الشيوعي، ثم وبالتحالف مع القوى الاخرى للمعارضة، تشكيل تحد يمكن الوثوق به لمواجهة الكرملين.

ويقول ديمتري فورمان، الخبير في معهد اوروبا: «لب ادارة شؤوننا يكمن في حقيقة انه لا اليسار ولا اليمين يمكنه الاحتفاظ بالاغلبية». وبالنظر الى العقلية الروسية يتبين ان تلك مسألة صعبة للغاية، لكن حقيقة تبني شخص من الاثرياء لا تحيط به افكار ايديولوجية ضيقة، لفكرة تشكيل مثل هذا التكتل، تعد طبيعية للغاية واعتيادية. فهؤلاء قرروا وضع قواعد جديدة للعبة».

* أيصوتون ضد مصالحهم؟

* ثمة حدث سياسي غير مألوف كان قد وقع خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما كشف ليونيد مايفسكي، الذي كان عضوا في الكتلة الشيوعية حتى طرده مؤخرا، النقاب عن انه مهد الاجواء لعقد لقاء بين زعيم الحزب الشيوعي والثري المنفي بوريس بيريزوفسكي، احد معارضي بوتين الاشداء. وكانت المفاجأة، كما قال، ان الملياردير الذي يتمركز في بريطانيا بدأ توفير الاموال السرية للحزب. لكن بيريزوفسكي وقيادة الحزب نفيا ذلك.

ومن جانبه يقول زعيم الشيوعيين زيوغانوف ان وجود رجال الاعمال الاثرياء ضمن قائمة الحزب الشيوعي يعد زواجا له صدى. فقد تساءل امام الصحافيين الشهر الماضي: «هل تظنون ان علينا الا نضم رجل اعمال اثبت نجاحه لقائمة مرشحينا؟ دعوا دموع التماسيح التي تتحدث عن نقاء حزبنا واطروحاته النظرية، فتلك باتت ببساطة مثيرة للسخرية».

على ان البعض مايزالوا يندبون فكرة تحالف الحزب الشيوعي مع طبقة يعتقد انها هي التي عبثت بثروة البلاد وفتحت الباب على مصراعيه لعلاقات استغلالية مع الغرب. فقد قال مافيسكي خلال مقابلة صحافية: «لقد احتل الاثرياء الرسميين قرابة ثلث قائمة مرشحي الحزب. فهل هذا هو طابع حزبنا؟ هل هذا هو بالفعل؟ السؤال الطبيعي هنا: اذا وصل هؤلاء الى البرلمان، هل سيصوتون لصالح اجراءات كإعادة تأميم احتكار الموارد الطبيعية، وهي مسألة يزعم الحزب الشيوعي انه يناضل من اجلها؟».

ويضيف: «عندما تتامل قائمة الحزب، لا يمكنك سوى استنتاج انه بعد تخصيص مواردنا الطبيعية وصناعاتنا ومعظم مجمعاتنا الصناعية العسكرية، قرر هؤلاء الاثرياء تخصيص اكبر حزب معارض في البلاد».

* الشباب لا يمانعون

* وثمة مجموعة اخرى مهمة تبدو اقل حماسة في توجيه النقد السريع، الا وهي معظم انصار الحزب الجدد الذين تقل اعمارهم عن 25 عاما. فالنتائج، بالنسبة للعديد منهم، اكثر اهمية من الطرح الايديولوجي. ويقول اليكسي فيودوروف، طالب الجامعة ذو الـ20 عاما: «جميع الاثرياء لديهم مواقف ورؤى مختلفة. ونحن لا نستطيع صد اولئك الذين يرغبون في مساعدتنا».

اما فيشاسلاف كوزينتسوف، استاذ الجامعة وعضو الحزب منذ عام 1971، فيتساءل عن سبب عدم التفاؤل ازاء اتجاه رجال الاعمال نحو اليسار؟ ويقول: «يبدو ان كبار رجال الأعمال ادركوا اخيرا ان الحصول على المال السريع والسهل ليس الغاية القصوى في الحياة».

ويعتقد كوزينتسوف ان العديد من رجال الاعمال، كغيرهم من الناس، لديهم قناعة بأن الشيوعيين هم التنظيم الوحيد الذي يمكنه القضاء على البطالة وانتشار الادمان على الكحول وهجرة العقول و«المأزق» الذي وقعت فيه البلاد خلال السنوات العشر الماضية.

ويمضي قائلا: «حتى الأحزاب الموالية للكرملين تعترف الآن بأن 40 مليون روسي يعيشون تحت خط الفقر الرسمي. وكل الناس تقريبا باتوا متفقين على ان الاقتصاد محطم الى حد كبير وأن الشيء الوحيد الذي يمنعه من الانهيار التام هو اننا ما زلنا قادرين على بيع بعض النفط والغاز الطبيعي والأخشاب والمعادن».

* مغامرة في آخر المطاف

* وحتى الأصوات الداعية لتأميم شركات مثل يوكوس تتحدث ايضا عن «شرائها» وليس «مصادرتها». وهذه فكرة لا يرفضها تماما حتى كوندوروف نفسه. فهو يقول: «لا ارى شيئا مقيتا في تلك الدعوة حتى عندما يتعلق الامر بيوكوس. اذا قرروا اعادة تأميم هذا القطاع وقدموا السعر الصحيح، فليكن»! ويقول بعض المحللين ان المغامرة التي يدخل فيها الحزب الشيوعي هي ان الأثرياء الذين يدخلون البرلمان تحت رايته قد يقررون انتهاج مساراتهم الخاصة في ما بعد. ويقول بوريس كغارليتسي من مدير «معهد دراسات العولمة» الروسي: «اذا اصبح هذا اتجاها سائدا فقد يصل امر الشيوعيين حد الاقتراب من ألا يكون لديهم اعضاء في البرلمان. وسيكون زعيمهم زيغانوف في وضع لا يحسد عليه عندما يواجه عضوية الحزب الحقيقية الغاضبة التي ستطالبه بدفع الثمن». ويقول فيكتور بيشكوف، أبرز استراتيجيي الحزب: «اولئك الذين يخشون الحزب اكثر من غيرهم هم الذين يتنبأون بموته السريع والفجائي. ثمة عدد معين من الروس يتمنون ان يذهبوا الى السرير ليلا وأن يصبحوا على خبر يقول ان الحزب تلاشى فجأة.. مرة والى الأبد. والواقع ان جل هؤلاء مقربون من الكرملين».

* أمل في البقاء

* قد لا يكون «الاباراتشيك» و«الاوليغارك» هم الضامنين لاستمرار الحزب على قيد الحياة وإنما عضوية جديدة من الشباب ـ من امثال اليكسي فيودروف ـ الذين يعتقدون ان الحزب هو الوحيد القادر على إحلال العدالة الاجتماعية واعادة توزيع الثروة الضخمة التي «استولى» عليها الاوليغارك واسترجاع «الاحساس بالفخر» الذي كان سائدا ايام الاتحاد السوفياتي.

ارمين بيامينوف، 31 عاما، يحضر لدكتوراه في الاقتصاد وينوي خوض الانتخابات تحت راية الشيوعيين، يخضع للعلاج في المستشفى منذ السابع من الشهر الماضي بعد معاملة سيئة وجدها من افراد الأمن الذين اعتقلوه لأنه رفع العلم السوفياتي على اعلى مبنى البرلمان. وهو يقول انه قام بما قام به «احتجاجا على حل الاتحاد والانهيار الذي اعقب ذلك».

ويمضي قائلا: «الشباب يتقاطرون على الحزب لأنهم يفهمون انك يجب ان تكون على نهج واضح وان لك تاريخا ثرا. دعني اقول لك هذا: لقد شاهدت الفيلم الأميركي «ارماغيدون» (المعركة الفاصلة). الفيلم يصور رجل فضاء روسياً ـ كان ضمن اول فريق بشري يرسل الى الفضاء ـ ثملا غير حليق ويتصرف كالحيوان. اعلم ان الامر محض خيال. لكن هوليوود ما كانت لتستطيع انتاج فيلم مثل هذا ايام الاتحاد السوفياتي. بالنسبة لنا فإن الحزب الشيوعي هو الأمل الوحيد في استعادة مجدنا السابق.. ولهذا ننضوي تحت لوائه».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»