أوساط عسكرية في إسرائيل تعترف بالخطأ في التعامل مع عرفات

TT

بدأت ترتفع أصوات جديدة في قيادة الجيش الاسرائيلي تعترف بأن الخطة لعزل الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، والتخلص منه قد فشلت. وانها كانت مبنية على تقويم خاطئ. وينبغي تغييرها بالعودة الى التفاوض المباشر معه. ومع ان هذه الاصوات لم تنجح في اقناع القيادة السياسية بموقفها، باستثناء بعض كبار موظفي وزارة الخارجية الاسرائيليين الذين سبق واعربوا عن موقف مشابه قبل بضعة اسابيع، الا انها بدأت تتغلغل الى ذهنية عدد من القادة السياسيين وتؤثر في توجه هؤلاء القادة باتجاه تأييد الهدنة.

وتتحدث هذه الاصوات عن ضرورة الاستفادة من دروس الماضي وعدم تكرار الخطأ تجاه عرفات او تكرار الخطأ الذي وقع مع حكومة محمود عباس (ابو مازن) في التعامل الآن مع حكومة احمد قريع (ابو علاء). ونقل على لسان احد الجنرالات البارزين في الجيش انه يرى ضرورة اعطاء دعم كامل لحكومة ابو علاء حتى تظهر امام الشعب الفلسطيني بانجازات حقيقية بالاضافة الى الاقتراحات حول الانسحاب من المدن الفلسطينية تماما وازالة كل الحصارات والاغلاقات، واقترح ان يلغى تماما الحصار على عرفات وان يتاح له التجول بحرية كاملة، لكن بقية رفاق هذا الجنرال في الموقف العام من عرفات تحفظوا على هذا الاقتراح، وقالوا: يجب الامتناع عن المبالغة ويكفي ان يزال الحصار عن عرفات في رام الله والتعهد له بحرية التنقل داخل اراضي حكمه فقط (أي الضفة الغربية وقطاع غزة).

وكشفت مصادر سياسية عليا في اسرائيل امس، ان التوصل الى اتفاق هدنة في القاهرة بين الفصائل الفلسطينية، سيكون بمثابة انطلاقة جديدة في العلاقات الاسرائيلية ـ الفلسطينية اذ ان الادارة الاميركية من جهة والقيادة المصرية من جهة ثانية، كانتا قد حصلتا على موافقة اسرائيلية صريحة بان تحترم حكومة ارييل شارون والجيش والمخابرات اتفاق الهدنة هذه المرة احتراما كاملا، وليس كما حصل في زمن حكومة ابو مازن، ففي حال الاتفاق على الهدنة ونجاحها ميدانيا ستوقف اسرائيل كل نشاطاتها الحربية ضد المدن والقرى ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين وستتوقف الاغتيالات تماما. وحتى في حال وصول معلومات عن قدوم فدائي فلسطيني ينوي تفجير نفسه، فان اسرائيل تبدأ بمعالجة الموضوع من دون اغتيال، بالتعاون مع اجهزة الأمن الفلسطينية وفقط في حالة انطلاقه المباشر لتنفيذ عملية وضبطه يمكنها التصرف معه بالسلاح.واكدت هذه المصادر ان رئيس المخابرات العامة المصرية، عمر سليمان، تلقى تعهدا بهذا الخصوص من رئيس المخابرات الاسرائيلية الخارجية «الموساد» مئير دجان، خلال لقائهما الاخير في القدس اواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

من جهتها، استمعت مستشارة الامن القومي في البيت الابيض كوندوليزا رايس، الى تعهد كهذا من دوف فايسغلاس رئيس مكتب شارون، واوضحت ان الاميركيين يبدون اهتماما واضحا في الآونة الاخيرة للخروج باتفاق لوقف اطلاق النار تماما في الاراضي الفلسطينية والاسرائيلية، لانهم باتوا يربطون بين ما يدور هنا وما يدور في العراق من اصابات قاسية للجيش الاميركي.

وفي هذه الاجواء سوف يخرج الى النور اللقاء المرتقب بين رئيسي الحكومتين الفلسطينية، أبو علاء، والاسرائيلية، شارون، حالما تعلن نتائج ايجابية عن لقاءات القاهرة في غضون ايام قليلة وسيلتقي فايسغلاس مع نظيره الفلسطيني، الدكتور حسن ابو لبدة، وربما مع صائب عريقات، وزير شؤون المفاوضات، لترتيب آخر شؤون هذا اللقاء. وحسب مصادر مقربة من الطرفين فان اللقاء سيكون كما طلب الفلسطينيون «ليس مجرد احتفال للكاميرات بل ذا مغزى ومضمون»، خصوصا بعد ان تراجع الفلسطينيون عن وضع قضية وقف بناء الجدار الفاصل كشرط للقاء.

وكان مصدر اسرائيلي رفيع قد كشف نهاية الاسبوع، بعض جوانب الحوار الذي اداره الاميركيون بين وفدين تفاوضيين من الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني، في 28 نوفمبر الماضي.

فقد حضر من الطرف الاميركي كل من مساعد وزير الخارجية، وليم بيرنز، والسفير في تل أبيب، دان كريتزر، ومن الجانب الاسرائيلي، فايسغلاس، ومن الجانب الفلسطيني، عريقات وابو لبدة. وفي البداية عقد الاميركيون لقاءهما مع الفلسطينيين على حدة، ثم مع الاسرائيليين ثم جمعاهم معا. وحاول فايسغلاس التهرب من لقاء عريقات بدعوى انه «رجل عرفات وكل اجتماع يحضره ينتهي الى لا شيء»، الا ان المسؤولين الاميركيين رفضا موقفه وابلغاه ان عريقات احد القادة الفلسطينيين البارزين الرافضين للارهاب. وفي المرحلة الاولى من اللقاءات طرح الاميركيون على الطرفين 3 اسئلة طلبوا عليها الاجابات مفصلة وصريحة وصادقة، وهي:

ـ اولا: ماذا سيأخذ كل طرف على عاتقه الشخصي وبتنفيذ فوري من اجل العودة الى طاولة المفاوضات؟

ـ ثانيا: ماذا يحتاج من الطرف الآخر ان يفعل فورا حتى يستطيع العودة الى طاولة المفاوضات؟

ـ وثالثا: ماذا بإمكاننا ان نفعل معا من اجل التوصل الى خطة عمل سياسية للسنة او لنصف السنة القادمة؟

وعندما سمع بيرنز وكريتزر اجابات الطرفين جمعاهما وقالا: نحن نريد ان نعبر عن دهشتنا وذهولنا من مستوى التقارب في وجهات النظر بينكما، فانتما قريبان جدا ولم يعد هناك اي مبرر لأن يتأخر استئناف المحادثات. وتبين ان الفلسطينيين ابدوا استعدادهم لوقف النار فورا في اسرائيل وفي المناطق الفلسطينية المحتلة ايضا وكذلك فعل الاسرائيليون. وطلب الفلسطينيون من اسرائيل ان توقف عملياتها الحربية وهدم البيوت والاغتيالات والانسحاب من المدن واطلاق سراح الاسرى وتحرير الاموال المستحقة لها، وطلبت اسرائيل من الفلسطينيين وقف العمليات واعتقال منفذيها.

والاهم من ذلك ان اسرائيل تفهمت قول الفلسطينيين انهم لا يستطيعون فورا تفكيك التنظيمات المسلحة لان ذلك يشعل حربا اهلية والفلسطينيون تفهموا ان هدم ما بني من الجدار الفاصل غير ممكن ووقف العمل في بنائه غير ممكن فورا.

واتخذ الاميركيون موقفا مؤيدا للفلسطينيين في مطلبهم بهدم الجدار ووقف اي عمل فيه، واتفقوا على ان يواصلوا الحوار في هذا الموضوع بشكل سري حسب طلب اسرائيل. وتعهم الاميركيون مطلب اسرائيل بأن لا توضع شروط مسبقة للقاء بين شارون وابو علاء وبأن لا يتم الانسحاب من جميع المدن، اذ انها لا تستطيع الانسحاب حاليا من جنين وطولكرم ونابلس «لان المعارضة الفلسطينية قوية هناك وترفض الهدنة».

واتفقت الاطراف الثلاثة على ضرورة استئناف التنسيق الامني بين الاسرائيليين والفلسطينيين.