مؤتمر «الفكر العربي» يختتم أعماله بمناقشة صريحة للعلاقات العربية ـ الأوروبية

TT

كانت العلاقات العربية الخارجية محور جلسات اليوم الثالث لاعمال مؤتمر «مؤسسة الفكر العربي» الثاني في بيروت، واذا كانت العلاقات مع آسيا وافريقيا هي من المحاور المهمة فإن العلاقات مع اوروبا اثارت حواراً لم يخل من العتب والمحاسبة، خصوصاً ان هذه الجلسة التي توسطت النهار افتتحت بكلمة متلفزة وجهها الرئيس الفرنسي جاك شيراك الى المجتمعين غمز فيها من قناة سياسة القوة التي تستخدمها الولايات المتحدة وغازل العرب معتبراً ان اموراً كثيرة تجمعهم الى الاوروبيين.

وقال شيراك: «ان النموذج الاوروبي يوفق بين الازدهار والتضامن ويمكنه ان يلهم المجتمعات العربية التي تتوق الى التنمية مع الوفاء لثقافتها. لان اوروبا لا تطمح لا للسيطرة ولا لقول ما هو الجيد من الرديء. انما تبغي النهوض بتقدم الانسان مع احترام هويته».

وهكذا بعد مقارنة بين النموذجين الاوروبي والاميركي بدا شيراك حريصاً على علاقات عربية ـ اوروبية وثيقة وهو يقول: «اريد ان اؤكد امامكم في شكل علني ورسمي اولوية المتوسط بالنسبة لاوروبا.. وستسهر فرنسا على ان تبقى البلدان العربية التي تربطنا بها علاقات مميزة، امتدت على مدى قرون وقرون، في قلب الاهتمامات الاوروبية».

ولفت شيراك الى تفهمه لتعلق الشعوب العربية بتقاليدها ورغبتها في الوقت نفسه بالانفتاح والمشاركة في العولمة مع الخوف على ضياع الهوية، معتبراً ان الحوار هو الوسيلة لاكتشاف المستقبل المشترك وتحديد عوالمه.

لكن الجلسة المخصصة للعلاقات العربية ـ الاوروبية جاءت اكثر صراحة وكشفاً للخلافات العميقة والتاريخية بين الطرفين من حديث شيراك. وبدأت الجلسة ببحث قدمه ناصيف حتي رئيس بعثة جامعة الدول العربية في باريس وناقشه وزير الخارجية الفرنسي سابق هوبير فيدرين وسفير المملكة العربية السعودية في لندن الامير تركي الفيصل وسفير هولندا في السعودية بول لافيديك، والمتخصص الفرنسي في شؤون الحركات الاسلامية جيل كيبيل والاكاديمية التونسية سامية الفاسي ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الامة الجزائري محيي الدين عميمور ونسق الجلسة صالح بكر الطيار رئيس مركز الدراسات العربي ـ الاوروبي في باريس.

واكد حتي على نقاط جوهرية تفرّق بين ضفتي المتوسط منها اندماج اوروبا وفرقة العرب في المقابل، وتبلور مفهوم الهوية على ضفة وضبابيتها على الضفة الاخرى. وفيما تجاوز الاوروبيون مفهوم الدولة الوطنية ما يزال هذا المفهوم في طور التشكل عند العرب. ودعا فيدرين من ناحيته الى عدم اتباع سياسة النعامة، وعدم انتظار المعجزات من اوروبا، المشغولة حالياً بترتيب البيت الاوروبي. فأوروبا فوقية ايضاً وليست بأفضل كثيراً في بعض النواحي من اميركا، الا ان ثمة من يستخدم القنابل وهناك من لا يستخدمها. لذلك فعلى العرب ان يعتمدوا على انفسهم للبحث عن حلول.

واخذ سليمان حداد رئيس لجنة العلاقات العربية والخارجية بمجلس الشعب السوري على العرب «فشلهم في استقطاب الشعوب الافريقية ليكونوا الى جانب قضاياهم المصيرية وذلك لاسباب اهمها الانقسام العربي، مما فسح مجالاً لاسرائيل كي تتغلغل في العمق الافريقي».

وقد حمل المشاركون في جلستي العلاقات العربية ـ الافريقية والعربية ـ الاوروبية، تشقق العرب، مسؤولية اهتزاز التعاون مع الجهتين. وقد قال الباحث الفرنسي المتخصص في قضايا الحركات الاسلامية جيل كيبيل: «نحن نتحدث هنا كاصدقاء، وعلينا ان نقول بأن العرب لم يفهموا شيئاً، ولم يدركوا ان الوجود العربي في اوروبا مهم جداً، وان اندماج هؤلاء لا سيما الجالية الكبيرة الموجودة في فرنسا، يؤمن جسراً حقيقياً بين اوروبا والعالم العربي». وقد رد الامير تركي الفيصل معقباً: «ان اوروبا بدأت باجراءات احترازية ضد هجرة العرب اليها، على رغم انها في حاجة لاستيراد البشر، وهذا ينعكس سلباً على مشاعر العرب الموجودين هناك. وهل يعقل ان دولة مثل فرنسا شعارها الحرية والديمقراطية تفرض على طائفة بعينها ارتداء او عدم ارتداء الحجاب. ارى ان ثمة حجاباً آخر هو حجاب اللاتينية الذي يجب ان ينسى بعد مرور 200 سنة. لكل اخطاء وعلى كل جانب ان يعيد النظر في ما عنده».

ورداً على سؤال طرحته وزيرة الثقافة الجزائرية حول ما اذا كان الغرب الاستعماري باستفزازيته مسؤولاً عن تشكل الحركات الاسلامية لا سيما ان عمرها يعود الى عشرينات القرن الماضي. اجاب هوبير فيدرين قائلاً: «نعم الغرب مسؤول عن ولادة هذه الحركات بدرجة او باخرى. ولكن التفكير يجب ان ينصب اليوم على سبل الاصلاح للخروج من المأزق». واضاف: «يجب ان لا ننكر بان القومية الاوروبية تتسبب في قوقعة تجعلنا غير قادرين على رؤية الآخر. والحل هو في خروجنا من قوقعتنا، وهذا صعب ويتطلب جهوداً طويلة يشارك فيها المجتمع المدني».

وكان محيي الدين عميمور رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الامة الجزائري قد وجه كلامه لفيدرين وكيبيل قائلاً: اذا كنا ندفن احقادنا اليوم فان على القبور الجزائرية ان تبقى شامخة كل لا ننسى. والجدير ذكره ان جلسة خاصة كانت قد خصصت للعلاقات العربية ـ الآسيوية قدم خلالها استاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة محمد عبد الفيصل بحثاً تناول دور اليابان على مسرح السياسة الدولية، والصعود التاريخي للصين كقوة عظمى وسبل تطوير العلاقات الآسيوية ـ العربية.

واختتم المؤتمر الذي دام ثلاثة ايام اتسمت بالمصارحة بجلسة خصصت لطلاب الجامعات تحدثوا فيها عن وجهات نظرهم وتصورهم للحلول. وكان اللقاء المفتوح مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة هو مسك الختام.