خبراء عرب يتوقعون أن يكون الوضع المغاربي في دائرة الأضواء في المرحلة المقبلة بسبب قضية الصحراء والخلافات الحدودية

TT

توقع خبراء عرب يشاركون في ندوة استراتيجية متخصصة بالرباط، أن تكون منطقة المغرب العربي تحت مزيد من الأضواء والضغوط الدولية في المرحلة المقبلة بسبب تنامي العوامل الداخلية والخارجية المسببة لمشاكلها، والتي تبدو حاليا في درجات خطورة أقل مما تشهده منطقة الشرق الأوسط بسبب حدة الصراع العربي الإسرائيلي ومنطقة الخليج بحكم ثقلها الاستراتيجي والحجم الخطير للمشاكل القائمة بها مثل حرب العراق وقضايا الطاقة والأمن.

ووضع الخبراء ترتيبا للمشاكل والتحديات التي تواجهها المنطقة المغاربية، وما تزال حتى الآن عقبة أساسية في سبيل اندماج المنطقة واستقرارها، وفي مقدمتها مشكلة الصحراء الغربية والخلافات المغربية الجزائرية وعدم انسجام السياسات الخارجية لعدد من دول المنطقة، وتنامي التنافس الأوروبي الأميركي على المنطقة، إضافة للمشاكل القائمة بين دول ضفتي المتوسط مثل قضايا الهجرة والنزاعات التاريخية بين المغرب واسبانيا وفي مقدمتها أزمة جزيرة ليلي.

وخلال ندوة عقدت اخيرا في الرباط، بالتعاون بين مؤسسة خالد الحسن للدراسات والأبحاث (مقره الرباط) ومركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية (القاهرة) وجامعة محمد الخامس بالرباط، ناقش الخبراء سيناريوهات متعددة لمستقبل المنطقة المغاربية انطلاقا من أحدث تقرير لمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية. وبرأي الدكتور عبد الله ساعف رئيس مركز الدراسات في العلوم الاجتماعية والاقتصادية المغربي الذي يشرف على «التقرير الاستراتيجي المغربي»، فإن عودة الاهتمام بمنطقة المغرب العربي، مردها الى تنامي التحديات والمخاطر المحدقة بهذه المنطقة رغم الانشغال الدولي حاليا بأوضاع الخليج لأسباب تتعلق بتداعيات الحرب في العراق وثقل حركة رؤوس الأموال في المنطقة وكونها تشكل حقل مواجهات إقليمية وعالمية.

وقال الدكتور ساعف ان هنالك متغيرات جديدة ستكون لها انعكاساتها على أوضاع المنطقة المغاربية والعالم العربي، وضمنها عملية اعادة هيكلة حلف شمال الاطلسي (ناتو) الجارية حاليا وهي عملية ستكون لها تبعات مباشرة على المنطقة، مضيفا ان ترتيب العلاقة بين أزمات المناطق في المنظور الأميركي، تشير الى محاولة للخروج من نطاق المفهوم الضيق لمنطقة الشرق الأوسط وعودة الى المفهوم التقليدي للشرق الأوسط الذي يمتد من مراكش الى بنغلاديش، وهي محاولة الهدف منها تخفيف الضغط القائم والصعوبات التي تواجهها الاستراتيجية الأميركية في هذه المناطق، وربما يشكل الخروج من «الفخ العراقي» الهدف الأساسي من ورائها.

وبرأي محمد بوستة وزير الخارجية المغربي الأسبق، فإن الخروج من دائرة المأزق بمنطقة المغرب العربي ورفع التحديات التي تواجهها في علاقاتها مع دول شمال الضفة المتوسطية والتكتلات الكبرى، يقتضيان التفكير في صيغ تجمعات جديدة وتجاوز الوضعية الراهنة. وقال ان مؤسسة علال الفاسي للأبحاث والدراسات التابعة لحزب الاستقلال، تدرس صيغة اندماجية جديدة تشمل دول الشمال الأفريقي برمتها بدءا من الساحل السنغالي وصولا الى نهر النيل، وتضم هذه المجموعة السنغال وموريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان.

وأوضح بوستة ان فكرة إقامة «اتحاد شمال افريقي» ستمكن من قيام مجموعة لها حيوية اقتصادية وذات حجم جيواستراتيجي كبير، وستكون نموذجا مقابلا لوحدة الدول الأوروبية في شمال الضفة المتوسطية، وتشكل مجموعة متوازنة معها بحكم الموارد والطاقات التي تتوفر عليها وقدراتها على لعب دور استراتيجي ويكون لها شأن في القضايا العربية والمتوسطية واقترح بوستة ان يكون التفكير في اقامة اتحاد لشمال افريقيا سبيلا لإنهاء الخلافات الحدودية بين دول المنطقة. وفي ما يتعلق بملف الصحراء، قال بوستة انه «مشكل مصطنع، يتعين وضع حد له، أولا مغربيا عن طريق تفعيل نظام جهوي فعال داخل المغرب بشكل يستجيب لمقترحات الأمم المتحدة الداعية لإقامة حكم ذاتي في اطار السيادة المغربية». وأضاف وزير الخارجية المغربي الأسبق، ان «مشاكل الحدود الشرقية للمغرب مع الجزائر، وتشمل مناطق تيندوف وتوات والصاورة وغيرها، لا يمكن ان تجد حلها الا في اطار اتحادي مغاربي او شمال افريقي، لأن المغرب تاريخيا وقانونيا له مسائل حدودية لم تحل، ولن تحل الا بقيام اتحاد شمال افريقي أو مغاربي على الأقل». واعتبر ان «المغرب لا يمكنه التنازل عن حقوقه التاريخية الا اذا كانت هنالك مجموعة أساسية مندمجة تذوب داخل الحدود».

وبرأي الدكتور محمد سعيد قدري المسؤول عن تحرير الجانب العسكري للتقرير الاستراتيجي العربي، فإن التوقعات في المستقبل القريب لا تؤشر على وقوع احداث كبيرة على غرار ما يحدث في العراق وفلسطين، معللا رأيه بأن مستوى الصراع في المنطقة مستوى منخفض ويتم التعامل معه في اطار علاقات عربية عربية أو عربية أوروبية، اعتمادا على آليات الحوار والدبلوماسية، وهي آليات عادة لا تحدث دويا كبيرا وتكون نتائجها بطيئة وتكون على امتدادات زمنية كبيرة. وقال الدكتور قدري ان ملفي الصحراء والهجرة، مجالان يحدث من خلالهما تفاعلات يومية ومستمرة، وتشير تفاعلات ملف الصحراء الى أنه ملف قديم ويمكن انهاؤه انطلاقا من توجهات غير صراعية بين المغرب والجزائر، بل توجه لإقامة عمل مشترك بين البلدين وحل مشكل الصحراء من خلال الاتحاد المغاربي وان يكون وضع اقاليم الصحراء، في اطار حكم ذاتي ضمن سيادة الدولة المغربية. وناقش الخبراء التقرير الاستراتيجي العربي لمركز الأهرام، الذي تضمن تحليلا لأوضاع منطقة المغرب العربي، ولأسباب جمود الاتحاد المغاربي، وعزاها الى عوامل بنيوية أوضحها في ضعف المبادلات التجارية والمصالح المشتركة بين الدول المكونة للاتحاد. وأبرز التقرير أن الأزمات الإقليمية التي واجهتها المنطقة خلال السنوات الأخيرة وخصوصا منها ملف الصحراء وأزمة لوكربي، عمقت المشاكل البنيوية بين دول الاتحاد وجعلت دولاً تسير في سياقات اقليمية منفردة ومتضاربة أحيانا، مثل توجه ليبيا نحو الفضاء الأفريقي وتوجه دول المغرب والجزائر وتونس نحو الاتحاد الأوروبي في اتفاقيات منفردة وكنموذج على تضارب السياسات الخارجية لدول المنطقة المغاربية لاحظ التقرير أن ليبيا أشعلت الخلاف داخل المنطقة عندما طالبت باتخاذ موقف ضد تطبيع موريتانيا علاقاتها مع اسرائيل.

وبشأن تطورات ملف الصحراء، سجل التقرير ان السنتين الأخيرتين شهدتا «نشاطا جزائريا مغربيا محموما» على مستوى الأمم المتحدة والدول الأعضاء بمجلس الأمن الدولي في سياق صراعي تمحور حول مبادرات متلاحقة ومتضاربة بشأن تسوية ملف الصحراء. بدءا بالاتفاق الإطار لإقامة حكم ذاتي في الصحراء في اطار سيادة المغرب، الذي قدمه الوسيط الدولي جيمس بيكر، وأيده المغرب ورفضته الجزائر وجبهة البوليساريو. ثم اقتراح «تقسيم أقاليم الصحراء» الذي كانت الجزائر وراء تقديمه، بهدف سحب التأييد الدولي الذي حظيت به المبادرة الأولى، ولاحظ التقرير ان الجزائر لم تكن مصرة على استفتاء تقرير المصير، وكانت مستعدة للقبول بأي حل لا يضمن بقاء الأقاليم الصحراوية تحت السيادة المغربية بأي حال من الأحوال. وأضاف التقرير أن المغرب رفض من جهته اقتراح التقسيم واعتبره برهانا على ان مشكل الصحراء مرده الى صراع جيواستراتيجي بين المغرب والجزائر، وحذر المغرب من مخاطره على تقسيم المنطقة المغاربية والإفريقية برمتها.

وأشار التقرير الى ظهور الدور الإسباني في مسرح الأحداث بمنطقة المغرب العربي، بدءا بمؤشرات تحول في موقف مدريد من ملف الصحراء باتجاه تقارب أكثر مع الجزائر. واضاف ان الأزمة التي شهدتها العلاقات المغربية الإسبانية، كانت عامل تقارب بين الجزائر ومدريد، وهو ما اعتبرته الرباط «محورا معاديا للمغرب، واعتبر التقرير ان أزمة جزيرة ليلي التي تفجرت في صائفة سنة 2002، كانت بمثابة ذروة للأزمة التي شهدتها علاقات البلدين حول قضايا الصحراء والصيد البحري والهجرة ، بيد أن التقرير يشير الى قضية ستة ومليلية المحتلتين من قبل اسبانيا ، كعنصر مهم وتاريخي في خلفية العلاقات بين المغرب واسبانيا وسجل التقرير ان أزمة جزيرة ليلي وإن أدت الى اعادة ترتيب الأوراق على صعيد العلاقات المغربية الإسبانية، فقد أدت الى مزيد من التدهور في العلاقات المغربية الجزائرية بسبب موقف الجزائر «المنحاز» لإسبانيا.

وفي تحليله لأدوار الأوروبية والأميركية في أزمة جزيرة ليلي، اعتبر التقرير ان الدور الأميركي كان حاسما في اتجاه «متوازن» بين البلدين اللذين سعت واشنطن للحفاظ على علاقات الصداقة التي تربطهما، كما أشار الى الدور الفرنسي في هذا الملف على الصعيد الأوروبي، واستنتج التقرير أن أزمة جزيرة ليلي كانت قضية جديدة دخلت على مسرح أحداث المنطقة، وكانت بمثابة «تصعيد محسوب من قبل المغرب» ولم تكن «مغامرة أو عملا متهورا»، وأوضح التقرير ان المغرب من خلال تحريكه لملف جزيرة ليلي، حقق مكاسب هامة رغم ان الاتفاق الذي تم التوصل اليه برعاية أميركية، أعاد وضع الجزيرة الى ما كان عليه قبل ظهور الأزمة. وضمن المكاسب التي حققها المغرب، حسب التقرير، انه دفع مدريد الى اعادة تنظيم علاقاتها مع المغرب على أسس أكثر توافقا مع الرغبات المغربية. كما حقق المغرب التزاما من قبل حكومة اليميني خوسيه ماريا أثنار، بالتزامها تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين في مرحلة سابقة خلال عهد حكومة الاشتراكي فيليبي غونثاليث. وأضاف التقرير ان تسوية أزمة جزيرة ليلي أعقبه اتفاق على تطبيع العلاقات وفق خطوات تدريجية.