رئيس اللجنة الحكومية المعنية بملف «اقتسام الثروة»: اتفقنا على «الهيكل العام» لاتفاق «الثروة» وبقي إضافة اللحم إلى العظم

تاج السر محجوب لـ«الشرق الأوسط»: استعنا بخبراء دوليين في التفاوض ومستعدون لأية مفاجآت

TT

مع استئناف الجولة الجديدة والحاسمة من مفاوضات السلام السودانية بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، رسم تاج السر محجوب رئيس اللجنة الحكومية المعنية بملف «اقتسام الثروة» في المفاوضات لـ«الشرق الأوسط» بورتريه عام حول استعدادات الحكومة للتفاوض بشأن هذا الموضوع الشائك الذي يعتبره اكثر من مراقب في الخرطوم من اهم القضايا المدرجة في اعمال الجولة. وكان المسؤول حذراً، بما فيه الكفاية، حيال الخوض في «فقرات هذا الملف»، لكنه اكد التوصل الى اتفاق على «الهيكل العام» للثروة «وبقى اضافة اللحم الى العظم»، مشيرا الى ان «ذلك لا يشكل عقدة».

وقال الدكتور محجوب ان الحكومة «وضعت كل اللمسات الفنية للدخول في الجولة»، وأكد انهم «مستعدون للمفاجآت» وابدى تفاؤلا كبيرا بامكانية الوصول الى اتفاق في هذه الجولة، واعتبر انها ستكون اسهل من الجولة التى حسمت موضوع الترتيبات الامنية. ومع ذلك ترك محجوب وهو زير الدولة بوزارة العمل الباب مواربا بقوله «لا يمكن التنبؤ بكل التنائج». وهذا نص الحوار:

* ما هي «الديباجة» التى ترتكز عليها الحكومة في مفاوضات اقتسام الثروة؟

ـ نحن نعتقد ان السلطة والثروة من المحاور الرئيسة في عملية السلام لأن النزاع دائما ما يكون اما على سلطة او مال. وقد وضعت مفاوضات «ماشاكوس» العام الماضي شكل الاتفاق النهائي الذي يمكن ان يقوم على 3 محاور هي: اقتسام السلطة، والثروة، والترتيبات العسكرية والامنية ثم اضيفت اليهم المناطق الثلاث. وقد حسمت ماشاكوس القضايا المصيرية ودعت الى ان يعمل الاطراف من اجل سودان موحد وهي مسألة لا تتأتى الا بوضع رؤية مستقبلية حول كيفية تقسيم الموارد والسلطة بعدالة لنتعايش مع بعضنا البعض ونتداخل اجتماعياً وصولا لامة سودانية موحدة، تلتقى فيها العرقيات والجهويات. كما اننا نسعى الى حل مرض في موضوع اقتسام «السلطة والثروة»، مع وجود ارضية تمتن البناء الذي تشكله هذه المسائل، دون اغفال لسرعة ايقاع الحياة ومتغيراتها.

* السؤال نفسه في قالب آخر: ما هي المفردات التي تستخدمها الحكومة لتعريف معنى الثروة التى تسعون الى اقتسامها في المفاوضات، ماذا تعنون بها؟

ـ نحن نتحدث عن عائدات الثروة وتوزيعها لان الثروة لا تقسم لكن العائدات توزع ولان القسمة تعني ان هناك اشياء تقسم ووحدات لا رابط بينها ولكن التوزيع يفيد موضوع تأطير السودان الذي نتطلع اليه، وللاجابة عن محاور التوزيع يجب ان نسأل: ماذا لدينا من موارد ـ ضرائب، جمارك وعائدات بترولية ـ نحن نود ان نصل الى معادلة للتوزيع ترضي الجميع وترعى مصالحهم.

* نحتاج الى امثلة في هذا الخصوص، لمزيد من التوضيح؟

ـ مثلا لا بد ان يكون الحديث عن مراجعة سلطات الضرائب على كل المستويات التي تشكل المواد، والحديث عن كيف يمكن ان توضع في اناء يتم توزيعه على السودان وفق الخطة الاستراتيجية التي تراعي الاحتياجات الفعلية لخلق التوزان في المجتمع، نحن نتحدث عن العائدات من دون تجزئة وكيف يمكن التعامل معها وصولا للسودان الموحد. اذا تركنا ذلك يمكن ان نصل لمعادلات تحمل في باطنها تجزئة وتفتيت البلد، فقسمة الموارد يمكن ان تؤدي الى ربط حقيقي للشمال والجنوب، اما السلطة فتعني توزيع الحقائب لا يمكن التعويل عليها لوحدة حقيقية على غير الموارد التي يمكن ان تؤدي الى عمل البنية الاقتصادية التنموية وتوفر الخدمات الاساسية التي تربط المجتمع ويمكن ان تؤدي الى وحدة حقيقية.

* ولكن على مستوى التفاوض يبدو الامر وكأنه تفاوض لاقتسام الثروة بين الحكومة والحركة؟

ـ لا، هذا غير صحيح، الحكومة لا تتحاور على الارقام بقدر ما يهمنا ماذا يمكن ان نقدم للجنوب من موارد لتسيير اموره ولتأسيس حكومة الجنوب وثانيا لاعادة تعمير الجنوب مما لحق به جراء الحرب في اطار الخطة الكلية للدولة، هذا مع مراعاة خصوصية الوضع في الجنوب. ونحن نبحث عن المعادلة التي يمكنها معالجة الامر.

* هناك من يلح على التفصيل باعتبار انه آفة الاتفاقات السابقة التى اكتفت بالعموميات؟

ـ نحن لا نتحدث عن نسبة كل شخص لأنها قد تفتح ابواب الجحيم ولكن نبحث عن كيفية العمل في اطار استقرار السودان والوصول لوحدة حقيقية، الحديث يتمحور حول السؤال: كيف يمكننا التعامل مع هذه الموارد للايفاء بالاحتياجات اللازمة بأوليات مختلفة فللتعمير اولوية مثلا، ولكن لا يعني ان يكون بمعزل من الرؤية الكلية ولذلك فانه يتم الاعداد للمؤتمر القومي للتنمية والخدمات ليضع الاساس لخدامات متوازنة في كل السودان وهو السبيل الوحيد للخروج من المأزق.

* هذا المؤتمر أليس خطوة استباقية لشيء اكبر وهو الاتفاق النهائي الذي يشكل حجر الاساس للسودان الجديد؟

ـ لا، لا بد من وضع الخريطة التنموية التي تؤدي الى انصهار السودانيين في امة واحدة، المؤتمر في حد ذاته اعداد لمرحلة مقبلة تنشد الوحدة الدائمة.

* لم يبق سوى ايام لاستئناف الجولة الجديدة ولكن هناك اجتماعات متصلة نرصدها في اضابير مستشارية السلام بما يوحي بأن الملفات لم تكتمل بعد لدى الحكومة، هل هذا صحيح؟

ـ الملفات مكتملة تماما، ورؤى الحكومة والوفد المفاوض واضحة حيال القضايا كافة، ولكن كيف يمكن التداول حولها والتفاوض، وقد تطرأ مفاجآت التي لا بد من التعامل معها وصولا الى نتيجة ايجابية، وعليه لا بد من التدقيق والتحسب لكل شيء.

* هذا الملف تم تناوله بلطف في الجولات السابقة، وتحدثت انباء عن اتفاقات تمت فيه، ما هي التفاصيل؟

ـ هناك الكثير الذي جرى الاتفاق عليه، وملف الثروة كان الوحيد الذي تم التوقيع عليه بالاحرف الاولى وتم الاتفاق على المبادئ العامة وعلى المؤسسات والشكل العام والمنهجية في القسمة وعالجت جزءا كبيرا منها وتبقى القليل واعتقد انه تم قطع مشوار طويل.

* ماذا تبقى اذن؟

ـ بعض القضايا الفنية تجاه البنك المركزي ومنهجية التوزيع وهناك خبراء دوليون يشاركون في التفاوض حول الملف.

* لحركة الشعبية استعانت في الفترة السابقة بخبراء من اجل ادارة شأنها التفاوضي بعلمية، هل فعلتم ذلك انتم ايضا؟

ـ بالتأكيد، هناك خبراء من شركاء «ايقاد» يقدمون التصورات والمقترحات.. وقد استعنا بهم.

* في مسألة الثروة يتخوف الناس من ان يسبب البترول مشاكل قد تصل بالمفاوضات الى طريق مسدود، هل تمت معالجات في هذا الشأن؟ وما هي استعداداتكم لتقديم ما يوصل الى الحل في هذا البند؟

ـ البترول يشكل اهم مصادر الموارد ونحن نستند لآراء الخبراء في الامر ونعمل على اقناع الطرف الآخر بأن السودان يحتاج الى تنمية ولذلك لا بد من توزيع عادل للموارد وكلها مضمنة في المبادئ العامة التي تم الاتفاق عليها من دون اخلال بالخصوصية التي يتمتع بها الجنوب وتتم معالجتها في الاطار الكلي.

* وهل ثمة اية معالجات؟

ـ هناك اتفاق عام على الهياكل في ملف الثروة وتبقى ان نضيف اللحم للعظم، ولا اعتقد ان ذلك سيشكل عقدة وسيتجاوزها الطرفان من اجل السودان الذي ستوجد فيه حكومة مركزية وولايات، ويعملان لتمكين الاجهزة من الايفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين من اجل سلام مستدام.

* الى أي مستوى تفصيلي كنتم تتفاوضون في الجولات السابقة في هذا الملف؟ مثلا هل تحدثتم عن الطرق وتوزيعها؟

ـ لا ابداً التفاوض يتم حول الكليات بدون تفصيل فمثلاً نتحدث عن التعمير بدون تفصيل وهناك آلية منوط بها وضع البرامج ذات الريع والمشروعات التي يمكن ان تنفذ وكلها تعمل في تزامن وتوافق واذا تم الاتفاق حول الكليات فان التفصيلات سهلة.

* تتفاوضون عن اقتسام الثروة بهذه الكيفية، ولكن كيف يتم التوزيع في وقت لم تحسم بعد مسألة المناطق الثلاث وهو موضوع تنطوي عليه تعقيدات الثروة والسلطة؟

ـ نحن نتعامل مع المناطق الثلاث على انها تقع في اطار شمال السودان ونحن نتعامل مع كل الولايات بمعايير معينة ولا ننسى ان المناطق الثلاث تحتاج لنظرة خاصة في التنمية وسيقوم مؤتمر التنمية والخدمات سيضع معايير معينة للعائدات ونستطيع ان نصل لشيء ولكن المهم اننا سنتعامل مع الملف بتوزيع العائدات بمعايير معينة ولكننا لا نربط بين الوضع في الجنوب والمناطق الثلاث.

* الى أي حد أنتم متحسبون الى مفاجآت قد تحدثها قرارات سياسية في الجولة الجديدة من المفاوضات؟

ـ القرارات السياسية لا يتم اتخاذها بمعزل عن هذه المفاجآت والمتغيرات ونحن ايضا نغطيها والقرار السياسي ينبع من معطيات القرار الفني بالنسبة لمتغيرات معينة يتعامل معها ويمكن قياس الايجابيات والسلبيات وعليها القرار ينبني على المعطيات ولا يكون بالنسبة لنا مفاجأة.

* هل حدثت خلال الفترة بين الجولتين أية مفاوضات مع الحركة حول الموضوع؟

لم تتم أية مفاوضات فقد تم قفل الملف في مرحلة معينة ونعود لنبدأ من النقطة ذاتها.

* قس لنا ما تم انجازه في ملف اقتسام الثروة حتى الآن؟

ـ من الصعب قياس ذلك ولكن نحن نقول اننا معا تجاوزنا اشياء كثيرة توصلنا لاتفاق حول قضايا معينة وهذا هو طبيعة التفاوض الذي لا يمكن التنبؤ بأية نتائج قبل وصول خط النهاية.