الحقوق الوظيفية للمرأة تتحول إلى ساحة جدل في السعودية

* قانونيون: لا بد من تطوير الأنظمة * مجلس الشورى: نتعامل مع الموضوع وفق منظومة إسلامية

TT

الحديث عن الحقوق الوظيفية للمرأة السعودية شائك نوعاً ما ويتداخل فيه الاجتماعي مع الثقافي والديني بشكل لافت. والالتفات إلى هذه الجوانب يبدو ملحاً مع النقلة التي تعيشها السعودية في ما يخص خطاب المرأة. فبعد كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في مجلس الشورى، في دورته الثالثة، التي دعا فيها إلى فتح آفاق أوسع أمام المرأة والاعتماد عليها كشريك في المستقبل، جاءت تصريحات الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية، المعلنة عن عزم السعودية تعيين دبلوماسيات، وتبعتها خطوة عملية تمثلت في تنصيب الدكتورة مها أركوبي مديرة للجامعة المفتوحة في جدة وهو منصب رفيع لم تتقلده امرأة سعودية من قبل. وعلى الرغم من الخطاب السياسي عن المرأة، إلا أن الخطوات النظامية تحتاج إلى كثير من العمل لتوازي الخطاب السياسي الجديد. فالتحديث في الخطاب المتعلق بعمل المرأة ودورها الاجتماعي الوظيفي لم ترافقه نقلة على مستوى الحقوق. فالالتباسات غير المفهومة من جهة الحقوق والواجبات ما زالت مسيطرة على علاقة المرأة بوظيفتها. وتخضع الصلاحيات الممنوحة لها إلى تدخل ولي أمرها «الرجل» بشكل حاسم في كل القرارات، فضلاً عن غيابها في المراكز القيادية.

والقصة التالية تبين الإشكالية، فالسيدة هناء، تحتفظ الصحيفة باسمها كاملاً، وهي في العقد الرابع من العمر، اختلفت مع زوجها حول أهمية العمل بالنسبة لها وبعد شد ورد احتدم الخلاف بينهما. وفوجئت بعد أيام بتقدم زوجها لإدارة عملها بطلب يطوي فيها قيدها. وتم القرار من دون حتى استشارتها، بصفته ولي أمرها. وهي الآن عند عائلتها في حالة خصام ولو تم الطلاق فهي غير قادرة على الالتحاق بعملها مرة أخرى بنفس الميزات، ويجب عليها تحقيق شروط معينة من جديد. و«هناء» ليست القصة الوحيدة، فهناك مواقف مختلفة وأشكال متعددة، فأخرى يجبرها والدها على عدم فتح حساب بنكي ليتمكن من تسلم راتبها كاملا، وسيدة يرفض شقيقها السماح لها بالسفر إلا بعد دفع مبلغ مالي، فيما لا تستطيع المعلمات حتى تقديم طلب بتحويلهن من معلمات إلى مساعدات إداريات في نفس المدرسة إلا بعد موافقة ولي الأمر. والحال أن ثقافة «ولي الأمر»، وهي تعني المسؤول (الذكر) عن المرأة في جميع شؤونها، تبدو مسيطرة بشكل واضح على علاقة المرأة بحياتها العملية. وهو (ولي الأمر) صاحب صلاحيات لا تتداخل فقط مع صلاحيات وقرارات المرأة، بل وتتعداها في حالات كثيرة. والقائمة تطول حيث تبدأ من قدرته على حرمانها من العمل وتمر بوجوب استئذانه في فتح حساب بنكي أو الحصول على بطاقة شخصية وتنتهي باشتراط شركة الاتصالات الحصول على موافقته لحصولها على هاتف جوال.

يقول المستشار القانوني فيصل يماني لـ«الشرق الأوسط» انه «ليس منطقياً أن امرأة في الأربعين تكون دكتورة جامعية أو خلافه بحاجة إلى إذن ولي أمرها، وهو من الممكن أن يكون ابنها الذي في العشرين من العمر لتغادر البلاد في مهمة عمل أو لإلقاء محاضرة أو حتى لزيارة. ومن القصص المؤسفة التي نعايشها أن بعض الأشقاء الذين هم في مقام أولياء الأمور يطالبون شقيقاتهم بمبالغ مالية مقابل الموافقة».

من جهته يقول الدكتور محمد الغامدي، عضو مجلس الشورى في اللجنة الثقافية لـ«الشرق الأوسط»، انه «لا بد من أن نقرر في البداية أننا نتعامل مع عمل المرأة والصلاحيات الوظيفية من خلال منظومة القيم والتعاليم الإسلامية وهو لا يمنعها من أن تكون منتجة في مجتمعها في معظم المجالات». وأضاف «اما موضوع ولي الأمر فهذا حق شرعي لا نعترض عليه. واعتقد أن طموح المرأة وقدرتها على العمل المنتج وكفايتها الذاتية ستحد من تأثير بعض القيود الاجتماعية. هذا إذا ما أضفنا إلى هذه الخصائص حميمية العلاقة الأسرية والمودة التي تربط بين الزوجين».

وإذا تذكرنا أن كلمة خادم الحرمين التي تحدث فيها عن المرأة وتوسيع آفاق عملها آنفة الذكر، ألقيت في مجلس الشورى يصبح من الجدير في هذا السياق الإشارة إلى أن نفس المجلس مُنح اخيرا صلاحيات تكفل له إجراء كافة الدراسات بصيغتها النهائية والتصويت عليها وإرسالها للملك، الذي يحق له اتخاذ ما يراه حيال ذلك النظام أو التعديل أو إحالته مرة أخرى لمجلس الشورى. والسؤال: هل سيلتفت المجلس إلى تطوير الضوابط القانونية التي تحافظ على حقوق المرأة الموظفة في اتخاذ قرارتها من دون وصاية؟ ويقول الغامدي بهذا الشأن «في الحقيقة أن الأنظمة التي تقرر الحقوق والواجبات كما هي للرجل بدون تمييز. أما موضوع الصلاحيات فمرجعها الجهة التي تعمل فيها المرأة. وقد كفل النظام الوظيفي للمرأة كامل الحقوق المعطاة للرجل من حيث المراتب والمرتب الشهري وقواعد الترقية والعلاوة والسن القانوني للتقاعد».

لكن على نفس النسق، يرى يماني أن هناك تمييزاً واضحاً، قائلا: لنضرب مثالا يخص عمل المرأة في نظام المحاماة. فالمعمول به قانونياً أن يتدرب الراغب (رجلا أو امرأة) على العمل لمدة ثلاث سنوات ومن ثم يصبح قادراً على الحصول على ترخيص، ولكن عند توجه المرأة لوزارة العدل لتحصل على ترخيص يكفل لها مزاولة المهنة تفاجأ بأنها ممنوعة. واضاف «على الرغم من أن المرأة في هذه الحالة تتساوى مع الرجل تماماً من الناحية العلمية والتدريبية، إلا أنه عند توقيع العقد تكون للرجل صفة المستشار أو المحامي، لأنه يملك ترخيص ممارسة المهنة بينما المرأة في عقدها تعتبر متدربة. والسبب أنها لم تحصل على الترخيص.

والقضية تبدو أعقد من ذلك في جوانبها الأخرى. وتقول ناهد باشطح رئيسة مركز المرأة الإعلامي ومقره الرياض لـ«الشرق الأوسط»: أعتقد أن مشكلات المرأة تتركز في محورين، أحدهما خاص ويتعلق بدعم الرجل لها وموافقته الأكيدة وليس الشكلية على التزامها الوظيفي. والآخر محور عام هو كل ما يتعلق بالتمييز الذي تعانيه الموظفة في العمل، إذ لا توجد مساواة في الحقوق والواجبات المهنية. وكمثال في العالم العربي تعطى المرأة إجازة أمومة لمدة سنتين، ويمكن أن تمدد إلى خمس سنوات. ونحن هنا نعطي المرأة إجازة أمومة شهرين فقط. وحتى في ما يتعلق بنظام الخدمة المدنية فضمن بنوده ما لا يناسب المرأة ووضع منذ بداية التعليم في المملكة وتضيف: انظر إلى القانون الذي وضع عام 1379 انه يعطي المرأة أربعين سنة من الخدمة حتى تحصل على التقاعد وهو مختلف في كل بقاع الأرض ووضع يوم كان الرجل في السعودية يلتحق بوظيفة حكومية بعد المرحلة الابتدائية.

وحول كيفية استثمار النقلة النوعية في الخطاب السعودي نحو المرأة، رأت باشطح أن هذا يتوقف على اجتهادات الكتاب والمثقفين. كما اعتبرت أن مفهوم ولي الأمر وضع لتزويج المرأة، لكنه استغل كثيراً من قبل بعض الرجال، ولذلك ضاعت حقوق النساء وأموالهن. على أنني أعتقد أن القانون وسيلة والاهم من ذلك وعي المرأة بذاتها حتى تستطيع المحافظة على الحقوق التي منحها لها الإسلام.