مسؤولون مغاربة: قمة مراكش ستعطي العلاقات مع إسبانيا انطلاقة جديدة

منع مظاهرة في تطوان للمطالبة بالتحقيق في استخدام الجيش الإسباني غازات سامة ضد سكان الريف في الثلاثينات

TT

انطلقت أمس في مراكش أعمال قمة رئيسي حكومتي المغرب وإسبانيا التي تتصدرها قضايا التعاون في مكافحة الإرهاب والهجرة السرية والاستثمار والتبادل التجاري ويوقع خلالها الجانبان اتفاقيات ومذكرات للتعاون. واكد مسؤولون مغاربة تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» ان القمة الاسبانية المغربية، التي ستتوج اليوم باستقبال العاهل المغربي الملك محمد السادس لرئيس الحكومة الإسبانية خوسي ماريا أثنار، ستعطي انطلاقة جديدة للتعاون الاقتصادي وتعميق الابعاد الاستراتيجية لعلاقات البلدين.

من جهتها قالت مصادر اسبانية لـ«الشرق الأوسط» ان أثنار يسعى من خلال زيارته للمغرب الى فتح صفحة جديدة في العلاقات التي أثقلتها الازمات والتوترات، من خلال رسم أجندة لمستقبل هذه العلاقات في مختلف الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، واعتماد آليات للتشاور والحوار والتعاون الدائم من أجل مستقبل مشترك للبلدين الجارين. وقال نبيل بنعبد الله وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية ان «محادثات القمة المغربية الإسبانية تكتسي طابعا شاملا للقضايا السياسية والاستراتيجية وخصوصا المرتبطة منها بالأوضاع الإقليمية وملف الصحراء المغربية وسبل تسويته».

وقال بنعبد الله لـ«الشرق الأوسط» ان محادثات اللجنة العليا المشتركة تشمل ميادين مكافحة الإرهاب والهجرة السرية، منوها الى المبادرات التي ناقشتها البلدان في الآونة الأخيرة لمعالجة مشكلة الهجرة السرية وضمنها على الخصوص مبادرة العاهل المغربي الملك محمد السادس التي تهدف للإنكباب على معالجة الظاهرة، مشيرا الى ان اسبانيا من جهتها أبدت استعدادا لتحديد اطار مشترك للتعاون في هذا الميدان، واضاف المسؤول المغربي ان حكومتي البلدين تسعيان لتعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية وجعلها في مستوى معطيات القرب والجوار وعمق العلاقات بين البلدين، مشيرا الى ان الجانبين يوقعان اليوم اتفاقيات التعاون المالي والاقتصادي.

وفي رده على سؤال حول قضايا الإعلام والمجتمع المدني والصورة السلبية لدى المجتمع الإسباني عن المغرب، أوضح بنعبد الله ان المجتمع الاسباني لا يعرف المجتمع المغربي بشكل جيد وهنالك نقائص في الصورة المرتسمة لديه حول أوضاع المغرب، مضيفا ان دور وسائل الإعلام والمجتمع المدني أساسي، ومن الصعب بالنسبة للحكومات ان تقوم مقام وسائل الإعلام والمجتمع المدني، ولكن بإمكانها (الحكومة) المساهمة في التقريب بينهما وتوفير ظروف تعاونهما من أجل التفاهم ومزيد من التقارب، مؤكدا ان الصحافة في البلدين حرة ومستقلة، ولا يمكن للحكومة تأطير توجهاتها. وقال بنعبد الله ان زيارته الأخيرة الى مدريد أثمرت اتفاقا بين الجانبين على فتح آفاق جديدة للتعاون في ميادين الإعلام والسينما والمجال السمعي البصري، وسيجري تعميق المحادثات خلال أعمال القمة الحالية بمراكش، من خلال تحديد مجالات دقيقة للتعاون، وسيدرس الجانبان احداث لجنة مشتركة مختصة بهذا المجال وبالنسبة للمجال السمعي البصري قال المسؤول المغربي ان اسبانيا مهتمة بالاستثمار في هذا القطاع الذي يشهد انفتاحا، والمغرب مستعد لتشجيع الاستثمارات الإسبانية، مضيفا ان تحرير المجال السمعي البصري بالمغرب يتطلب كفاءات وخبرات وموارد بشرية واسبانيا يمكنها المساهمة في هذا المجال.

من جهته قال حسن البرنوصي مديرعام إدارة الاستثمارات الخارجية بالمغرب لـ«الشرق الأوسط» ان فرص التعاون والاستثمار بين المغرب واسبانيا واعدة وان اللجنة العليا المشتركة ستفتح الطريق لانطلاقتها بوتيرة جديدة وقوية ولاحظ البرنوصي ان اسبانيا استثمرت كثيرا في منطقة أميركا الجنوبية وأولت اهتماما كبيرا لعلاقاتها في القارة الأميركية، ولكن الاسبان يجدون أنفسهم مضطرين لتقييم حصيلة ما قاموا بها هناك، وأن النتائج ليست في مستوى التطلعات والطموحات التي رسموها لجهودهم في اميركا الجنوبية.

وأوضح البرنوصي ان وراء التقارب الثقافي والتاريخي بين اسبانيا وبلدان اميركا الجنوبية، حقائق ومعطيات حول البعد الجغرافي والمخاطر المالية التي تتسم بها أوضاع منطقة غير مستقرة اقتصاديا، مشيرا على الخصوص الى أوضاع الأرجنتين وانعكاساتها السلبية على الشركات الإسبانية التي منيت بخسائر كبيرة، وقال المسؤول المغربي ان الاقتراحات والأفكار التي نقدمها لجيراننا الإسبان، تتلخص في توجيه اهتمامهم للسوق المغربي الذي ينفتح بشكل مكثف لاستقبال استثماراتهم وهنالك قطاعات واعدة يمكنهم المساهمة فيها، وسوق لا تبعد مسافته مسيرة ساعة واحدة من الزمن.

ودعا البرنوصي المستثمرين الإسبان الى اعادة تقييم مكانة السوق المغربي في استراتيجيتهم الاستثمارية، منوها الى مؤشرات مشجعة في هذا الإتجاه، واشار الى ان القطاع السياحي سيكون مجال تعاون واعد للجانبين، ولاسيما بعد أن تمت تسوية المشاكل التي كانت قائمة في السابق وتغيير منظورهم للتعاون مع المغرب في هذا القطاع الذي كانوا ينظرون اليه من منظور منافس لهم، متوقعا ان تستقطب منطقة السعيدية السياحية (شمال البلاد) استثمارات اسبانية مهمة واقبالا من السياح الإسبان في المرحلة المقبلة، ضمن مشروع سياحي كبير يطلق عليه «مخطط أزير».

على صعيد آخر ذي صلة، قالت مصادر محلية في مدينة تطوان شمال المغرب ان السلطات المغربية منعت مظاهرة دعت جمعية مغربية للدفاع عن ضحايا الغازات السامة التي استخدمها الجيش الإسباني في الثلاثينات ضد سكان الريف المغربي في شمال البلاد. وقالت المصادر ان السلطات الأمنية طوقت مساء اول من أمس محاور مدينة تطوان ومنعت مئات الأشخاص والنشطاء اليساريين والحقوقيين من تسيير مظاهرة سلمية، مما اضطرهم الى التوجه الى مقر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (المشارك في الحكومة) لتلاوة بيانهم والتنديد بتصرفات السلطات. وطالب البيان بالتحقيق في استخدام الغازات السامة من قبل الجيش الإسباني ابان مطلع الثلاثينات في منطقة شمال المغرب التي كانت تحتلها اسبانيا، وأدت آنذاك الى مصرع مئات الأشخاص وانتشار أمراض السرطان في المنطقة لحد الآن، ولفت البيان أنظار المتتبعين لأعمال القمة الى الانتقادات الحادة التي وجهتها احدى الصحف المغربية الناطقة باللغة الفرنسية لأثنار. فقد وصفته صحيفة «أوجوردوي لوماروك» المقربة من بعض دوائر القرار في الرباط بأنه شخص «يحقد على المغرب». وكتب خليل الهاشمي الادريسي رئيس تحرير اليومية في افتتاحيته «أثنار»، أنت لست محل ترحيبنا.