اللجنة العلمانية بفرنسا تقترح في تقريرها لشيراك حظر الحجاب اليهودي والصلبان المسيحية الكبيرة بالمدارس

TT

دعا تقرير لجنة «تطبيق مبدأ العلمنة في الجمهورية» الفرنسية الذي رفع صباح أمس الى الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الى سن قانون يشدد على علمانية المدارس وحيادها ويمنع كل الشارات الدينية البينة في المدارس والدوائر الحكومية والبلدية والمستشفيات العامة بما في ذلك الحجاب والقلنسوة اليهودية والصلبان الكبيرة والألبسة وكل ما يمكن أن يدلل على انتماء ديني أو سياسي. وفي مسعى للعمل بمبدأ المساواة بين الأديان، دعت اللجنة المؤلفة من عشرين عضوا بينهم اثنان من اصول عربية واسلامية الى جعل عيد الاضحى الإسلامي ويوم الغفران اليهودي يومي عطلة في المدارس على غرار عيد الميلاد أو الأعياد المسيحية الأخرى. وبحسب الأرقام التي ذكرها رئيس اللجنة برنار ستازي، فإن المسلمين في فرنسا يشكلون من ستة الى سبعة في المائة من السكان، فيما يشكل اليهود واحد في المائة من إجمالي سكان فرنسا. وبحسب ريمي شوارتز، مقرر اللجنة، فإن اعتماد عيد الاضحى يوم عطلة في فرنسا سيجعل منها الدولة غير الإسلامية الوحيدة في الغرب التي تقر مثل هذا الإجراء، كذلك فإن اعتماد يوم الغفران اليهودي يوم عطلة سيجعل فرنسا البلد الثاني بعد اسرائيل الذي يقر ذلك. وبالمقابل، فإن اللجنة تقترح السماح بحمل الشارات الدينية الصغيرة والخفية في العنق والتي لا يمكن تفسيرها على أنها تأكيد لانتماء أو مسعى للتمايز عن الآخرين. ومن ذلك الصليب الصغير أو نجمة داود أو يد فاطمة أو مجسم صغير للقرآن الكريم. وتنطبق التدابير التي قصد بها المدارس اساسا على قطاع الصحة والعمل في الدوائر الرسمية بشكل عام. ويوصي التقرير بالسماح للعاملين باختيار أحد الأعياد الدينية كيوم عطلة ويحتسب ذلك من مجموع أيام عطلهم. وبعد رفع التقرير المؤلف من مقدمة وخلاصة وأربعة فصول تقع في 67 صفحة إضافة الى مجموعة من الملاحق، سيقوم الرئيس شيراك بدراسته قبل إلقاء خطاب مرتقب حول علمانية الدولة يوم الأربعاء القادم في قصر الأليزيه والمفترض أن يحدد فيه خياراته وخيارات الحكومة والخطوات العملية المرتقبة لجهة اقتراح مشروع قانون حول العلمنة في مجلسي النواب والشيوخ. ورغم أن التقرير المرفوع لا يتعدى كونه توصيات يمكن للرئيس وللحكومة الأخذ بها أو تجاهلها، إلا أن الواضح أن شيراك ينوي الدفع باتجاه استصدار قانون يمنع الشارات الدينية ويؤكد على احترام مبدأ العلمنة.

وكان الرئيس الفرنسي قد اعلن عقب تقرير اللجنة أن الهدف الذي يسعى إليه هو «ضمان حرية كل فرنسي، بحيث يكون جوهرها هو احترام القواعد المشتركة وضمان تكافؤ الفرص لجميع الفرنسيين مهما تكن أصولهم أو أديانهم أو أجناسهم».

وأكد الرئيس الفرنسي أن موقفه يقوم على «احترام مبادئ الجمهورية والوحدة الوطنية وصيانة اندماج الفرنسيين». ويفهم تأكيد اللجنة على منع كل الشارات الدينية المسيحية، اليهودية والإسلامية على أنه رغبة من اللجنة في تحاشي اعتبار القانون المقترح موجها ضد المسلمين علما أن الضجة التي أثيرت حول الحجاب الاسلامي في المدارس وأماكن العمل هي التي حركت السلطات الفرنسية ودفعتها الى انشاء هذه اللجنة وإنشاء هيئات أخرى تقترح حلولا لمشكلة تهدد، كما قال رئيس اللجنة في مؤتمر صحافي بحضور أكثرية أعضائها، «التعايش الوطني والسلم الأهلي».

وشدد ستازي الذي استمعت لجنته الى المئات من الشهادات من السياسيين والحزبيين والنقابيين والمربين والطلبة والتلامذة والنقابيين في فرنسا وخارجها على أن «العلمنة تعني احترام الأديان وليس الإساءة إليها» واعتبر ستازي أن الغرض من القانون حول العلمنة الذي دعت اليه اللجنة بإجماع أعضائها باستثناء امتناع عضو واحد فقط عن التصويت هو «رسم الحدود التي تتيح لكل الأديان في فرنسا أن تعيش بوئام وسلام، متمتعة بالحقوق نفسها ومحترمة الواجبات عينها». ولأن الإسلام في فرنسا، لأسباب تاريخية واجتماعية يبدو متأخرا لجهة الحقوق عن الديانات الأخرى وابتغاء للعدالة والمساواة، فقد اقترحت اللجنة إنشاء معهد وطني للدراسات الإسلامية. كما تدعو اللجنة الى تمكين المسلمين من بناء أماكن العبادة وتوسيع تعليم اللغة العربية في المدارس وتوفير مرشدين مسلمين بما في ذلك في السجون ومحاربة الممارسات التمييزية والمساواة في فرص العمل وما الى ذلك من تدابير اجتماعية واقتصادية.

وبأي حال، فإن أعضاء اللجنة حرصوا جميعا على التأكيد أن التقرير لا يستهدف الحجاب، إنما غرضه إعادة التركيز على العلمانية وجعلها المرتكز الرئيسي للمجتمع الفرنسي الذي يضمن المساواة والسلم الأهلي ويوفر الإطار المطلوب للتعايش بين الجميع. ولاقى التقرير الاستحسان بشكل عام مع بعض التحفظات من هنا وهناك. والمعروف أن ممثلي الأديان واحزاب اليسار المتشدد والخضر وبعض الشخصيات يمينا ويسارا يعارضون سن القانون، فيما تؤيده النقابات وأحزاب اليمين والوسط والحزب الاشتراكي. ووفق ما قالته عضو اللجنة حنيفة شريفي، وهي مفتشة في التعليم الرسمي ووزارة التربية، فإن القانون الخاص بالشارات الدينية « ليس غرضه المعاقبة والإبعاد وإنما وضع الأطر لما هو مقبول وغير مقبول وتخفيف الضغوط التي تمارس على النساء والفتيات المسلمات لحملهن على ارتداء الحجاب». وأعرب جيل كيبل وهو كاتب متخصص في الشؤون الإسلامية عن دهشته من أن الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) موصدة الأبواب بوجه المهاجرين وأبنائهم ورأى في ذلك ظاهرة غير طبيعية منددا بالأحزاب الكبرى التي لا تفتح لوائحها أمامهم. وفى اول رد فعل على التقرير، اعلن رئيس «حركة مكافحة العنصرية والصداقة بين الشعوب» مولود عونيت ان القانون الذي اوصت به لجنة ستازي بمنع الرموز الدينية «الظاهرة» في المدرسة سيكون «غير مفيد وغير مجد». وقال عونيت «اؤكد واقول ان لاشيء اليوم يبرر تبني قانون لنحو عشر حالات «للحجاب الاسلامي» بينما تجري تسوية معظم الحالات بالحوار» معتبرا ان قانونا حول المدرسة سيكون «غير منسجم وغير مفيد». وقال من الواضح من خلال نتائج لجنة ستازي «ان الدين المستهدف هو الاسلام» واعرب عن «قلقه الكبير لما قد يتسبب فيه» قانون جديد. واضاف «اخشى ان تتغلب النزعة الى الاقصاء على الحوار وذلك في ظروف متوترة اصلا ولن يمكن قانون مثل هذا من تحسين العلاقات».

واعرب عونيت في المقابل عن ارتياحه لاقتراح اللجنة ادراج عيدي الغفران اليهودي والاضحى الاسلامي في اطار العطل في المدارس الحكومية.

وقد اعلن رئيس المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية دليل ابو بكر انه سيحترم قانونا يمنع الحجاب في المدارس شرط «ألا يطبق بشكل فظ». وقال ابو بكر مسؤول مسجد باريس «اذا كان هناك قانون، فسنطلب من فتياتنا احترامه لكننا سنطالب بمهلة» اي «بفترة زمنية يدرك خلالها الكل ان الامور قد تغيرت» موضحا ان الفترة قد تستغرق «عدة اشهر». واضاف «اتخذت موفقا معارضا لسن قانون محدد بالنسبة للمظاهر الدينية في المدارس لكن لا يمكنني ان استبعد صدوره آخذا في الاعتبار الرأي العام». واشاد من جهة اخرى بالاقتراح القاضي بمنح عطلة دراسية بمناسبة عيد الاضحى. وختم ابو بكر قائلا انه ينتظر «بكل ثقة» قرار رئيس الجمهورية الذي سيعلن الاربعاء المقبل حول مقترحات لجنة الحكماء حول العلمانية.