الملك محمد السادس: الإرهاب شكل من أشكال الهذيان يتغذى من الجهالة والحقد

العاهل المغربي يؤكد أن التعصب ليس حكرا على دين معين والداعون له انتهازيون

TT

قال العاهل المغربي الملك محمد السادس امس إن «التعصب ليس حكرا على دين معين» والداعون إليه يهدفون لتعميق الهوة بين الحضارات لأغراض انتهازية، الامر الذي يحتم «علينا أن نقطع الطريق أمام هؤلاء الذين يحنون إلى عهود غابرة». واعتبر العاهل المغربي أن الإرهاب الدولي الذي مس المغرب ودولاً اخرى يستمد جذوره من المتعصبين. وقال إنه «ليس سوى شكل من أشكال الهذيان الذي يتغذى بالجهالة والحقد والنقمة على السلم والديمقراطية والتضامن بين الشعوب». وأكد العاهل المغربي في رسالة وجهها الى المشاركين في ندوة «حوار الثقافات: هل هو ممكن» التي افتتحت في الرباط، أنه إذا كان من الواجب محاربة الإرهاب «بكافة الوسائل المشروعة، فإنه يتعين علينا كذلك الوقوف على كافة جذوره لاجتثاثها، لا سيما منها الناجمة عن القصور الثقافي الذي يعزى إلى النزعة المادية السائدة».

وأضاف العاهل المغربي، في الرسالة التي تلاها حسن اوريد الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، أن المغرب حريص على سد هذا العجز ببناء مجتمع منفتح على الحداثة، وذلك بتفعيل النهج الديمقراطي وثقافة حقوق الإنسان مما يتيح لكل التيارات الفكرية أن تعبر عن توجهاتها من دون أن تفرض عليها قيود أو إكراهات. واضاف أنه «أصبح من المحتم علينا أن نرد للكونية مدلولها الحق، الذي يتجلى في تساوي الجميع أمام نفس القواعد القانونية، علما بأن الكونية بمفهومها الإيجابي لا يمكن أن تتحقق إلا عبر الإقرار بالاختلاف المتمثل في الخصوصيات الثقافية التي تقوم عليها».

وقال العاهل المغربي إن الكونية تعني في الحقيقة التشبث بالقيم المشتركة بين الشعوب، بغض النظر عن خصوصيات كل منها وأن الهدف منها ليس هو إذابة الفوارق في قالب تنميطي للفكر الوحيد، وإنما هو تحسين المستقبل البشري بتمكين هذه الاختلافات من التلاقح فيما بينها، تحقيقا للوحدة من دون الإخلال بالتنوع.

ومن جهته، قال حارث سيلايجيتش وزير الخارجية البوسني السابق ان حوار الحضارات لا ينبغي ان يقتصر على حضارات التوحيد، ودعا الى «عودة الحضارات الآسيوية الى مسرح التاريخ». واعتبر سيلايجيتش ان السياسة الاميركية هي المسؤولة عن تشوه صورة الحضارة الاميركية لانها تشكل في نظره «رجوعاً الى الوراء» مادامت تؤمن بان رسالتها هي ان «الحرب تبقى وسيلة حل النزاعات الى الابد وهذا ينفي مقدرة الانسانية على التطور». وقال سيلايجيتش ان الحرب «تشكل خطورة الى الوراء لانها تمثل نفيا لقدرات التطور الانساني، انها مؤشر على اننا وصلنا قمة فشلنا في معالجة الخلاف والتباين بيننا وان الحرب تبقى هي الخيار الوحيد». وبحسب سيلايجيتش فان اوروبا هي القادرة على ان تلعب دورا رئيسيا في التقريب بين اميركا والعالم الاسلامي، واضاف ان «احترام مشاعر المسلمين ومقدساتهم وتحقيق الحد الادنى من العدالة في قضاياهم، كما هو الحال في قضية فلسطين، سيؤدي حتما الى مساهمة الاغلبية الساحقة من المسلمين في تكوين مقومات عالم جديد متكافئ» اما «تشويه صورة الاسلام وعزل المسلمين فسيؤديان الى رفض للحداثة وتبرير التطرف». وخلص سيلايجيتش الى القول ان «الصراع عموما من اجل المصالح يقوم عندما تتناقض تلك المصالح التي تترجم الى قرارات سياسية خطيرة تهدد بقاء الانسانية».

وبدوره، قال محمد الاشعري وزير الثقافة المغربي ان حوار الثقافات مازال ممكنا «اذا لم نجعل منه مجرد تعبير دفاعي تجاه العنف الذي يحمله كل يوم انسداد الآفاق، انه ممكن وضروري للخروج من منطق حماية الهوية الخالصة الى منطق صياغة حوارات متعددة الهوية». ودعا الاشعري الى «بلورة تيار ثقافي عام للدفاع عن المسلم والتضامن لمواجهة دعاوى التطرف والارهاب ومناصرة نظام ثقافي دولي يحفظ تعددنا الثقافي ويسعى الى حمايته».

وحذر الاشعري من ان استمرار الصراعات الاقليمية بدون حلول، واستفحال الفوارق الاجتماعية داخل الدول وفيما بينها، قد تؤدي الى الرفض المتبادل و«تجعل مجتمعات باكملها مغلقة في وجه اي حوار منتج، وفي خضم ذلك تترعرع التيارات العدمية والمتطرفة ويعلو صوت العنف على كل الاصوات».

وتدخل في نفس الجلسة الافتتاحية اندري ازولاي مستشارة العاهل المغربي بموضوع تحت عنوان «صدمة الجهالات في مواجهة صدمة الحضارات، قراءة مختلفة للحوار بين الثقافات: نظرة من المغرب». كما القى فيدريكو مايور، وهو مدير عام سابق في اليونيسكو، كلمة جاء فيها ان التنوع الثقافي يبدو بمثابة «حجر الزاوية بالنسبة لعالم آخر ممكن قادر على ايجاد سبل جديدة وخلق المستقبل الذي تستحقه والذي ستكتبه الاجيال الصاعدة المتعاقبة»