صورة في العراق تكشف هوية جندي أميركي أبوه لبناني وأمه سعودية مرشحة لمنصب نائب في كاليفورنيا

محمد عمر المصري المولود بلوس أنجليس يستغرب لماذا هدده عراقيون بالقتل حين علموا بأنه مسلم من أصل عربي

TT

قبل شهر، أي تقريبا في منتصف رمضان الماضي، نشرت «الشرق الأوسط» وغيرها من صحف العراق، صورة لجندي أميركي وهو يقف معتمدا على سلاحه عند جدار في بغداد، كتب هو نفسه عليه بخط يده عبارة بالعربية تحث العراق على التقدم، وتحت الصورة وردت كلمات من وكالة الأنباء تشرحها، فأثارت الكلمات غيظ بعض العراقيين، ممن طالعوا معها اسمه الكاشف هويته العربية ودينه الاسلامي تماما، لذلك لم تمض أيام الا وتسلم محمد عمر المصري معلومات من دائرة أمنية بالجيش تراقب وضع الجنود في العراق، من أنه أصبح على لائحة المبشرين بجحيم القتل على الطريقة الأصولية، لأنه عربي الأصل ومسلم يقاتل مع جيش أجنبي، هو في نظر قلة من العراقيين محتل للبلاد. أما لمحمد عمر المصري فهو جيش وصل ليؤدي مهمة وسيعود من بعدها الى حيث جاء بالتأكيد كما قال.

ولأن المصري استغرب التهديد، فقد لجأ الى طرق عدة لتفسيره، ومنها رسالة بثها بالبريد الألكتروني الى «الشرق الأوسط» يشكو فيها قبل يومين استغرابه، شارحا أنه شاب أبصر النور قبل 24 سنة في لوس أنجليس، بولاية كاليفورنيا، ثم حملته الأقدار من بعدها الى بلاد لم يكن يهتم حتى بمعرفة موقعها على خريطة العالم، لأنه ولد وترعرع بمدينة بعيدة، لذلك اتصلت به «الشرق الأوسط» عبر الهاتف، بعد صعوبات تقنية، لتعرف حكايته، فاذا بالمصري يضيف ويقول إن والده لبناني من بيروت وأمه سعودية من مكة المكرمة.

وشرح عمر بالهاتف من بغداد مع «الشرق الأوسط» أمس، أن عراقيين يعملان معه في وحدة الخدمات الاجتماعية بالجيش الأميركي هناك، حذراه من أن بعضهم يستهدف قتله بعد أن اكتشفوا من كلام الصورة هويته ودينه وبأنه يخدم في الجيش الأميركي بالعراق «ومع أني قلق، لكني سعيد بهذا التهديد الذي لا يخيفني، والسبب أنه يوحي بشجاعة العراقيين، فهم مسلمون مثلي ويرونني أصلي كل يوم وصمت رمضان معهم، لكنني أميركي وأخدم منذ 6 سنوات في جيش البلاد التي ولدت فيها، ومتأكد أن هذا الجيش جاء للمساعدة، لذلك فأنا سعيد بالمساهمة في تحرير اخوتي المسلمين من صدام، وسعيد أكثر لأني علمت أن شخصين فقط وجها لي التهديد بالقتل من بين 25 مليون عراقي» كما قال.

وذكر محمد، الذي وصل مع طلائع الجيش الأميركي في ابريل (نيسان) الماضي الى بغداد، أنه أحب العراقيين بسرعة، ووصفهم بأنهم شعب مضياف، وأنه لا يمانع أبدا في الزواج من عراقية، واصفا نفسه بأنه نتاج كوكتيل من هويات وجنسيات مختلفة «فأبي مثلا هو لبناني مولود بنيجيريا وعاش في لندن، وأمي سعودية مولودة بمكة، حيث كان والدها. ثم عاشت في القاهرة وبريطانيا، وبقية حياتها منذ ولادتي أمضتها بكاليفورنيا، حيث ولد شقيقان لي هناك أيضا، لذلك لا نعرف من نحن تماما وما هي هويتنا.. نشعر بأننا أبناء عرب، لكننا أميركيون مسلمون بجذور عربية، وأعتقد أنها هوية كافية» بحسب تعبيره بانجليزية تخللتها بعض الكلمات العربية.

ومن الجندي القلق على حياته من التهديد حصلت «الشرق الأوسط» على رقم هاتف والدته، السعودية المقيمة في لوس أنجليس فريال كريم، فقالت إنها قلقة طبعا على ابنها عمر «لكني فخورة بالولد، فهو ذكي يعرف ما يفعل، وهو لا يحارب هناك بل يخدم مع الوحدات المدنية فقط» بحسب تعبيرها.

وقالت فريال، التي كان والدها محمود أمين بيت المال مطوفا للحجاج بمكة قبل وفاته، إنها مرشحة العام المقبل في انتخابات المجلس النيابي عن ولاية كاليفورنيا «واذا فزت، وأنا متفائلة بذلك فعلا، فسأكون أول سعودية تدخل مجلس نواب أميركي، وأول عربية عضو في مجلس نواب كاليفورنيا». وشرحت أنها لم تزر السعودية منذ 28 سنة «لأني أصبحت أسيرة حياتي الجديدة هنا في أميركا، حيث اضطررت للحصول على الجنسية الأميركية كي لا أفقد امتيازات كثيرة بعد القوانين الجديدة التي سنوها هنا».

وتحدثت «الشرق الأوسط» أيضا الى زوجها اللبناني وليد المصري، المقيم معها وولديه منها ليلى وسامر (22 و21 سنة) في لوس أنجليس، حيث يعمل هناك مهندسا مدنيا، وسألته عن ابنه البكر، فقال وليد البالغ من العمر 48 عاما، أي عمر زوجته تماما: «بصراحة، نحن لم نكن نؤيد التحاق عمر بالجيش في العراق، لأننا ضد أي حرب اجمالا، ومسالمون لا نميل للعنف، لكنه ذكي وصاحب مبادرات، لذلك قرر الالتحاق بالجيش وأتمنى له التوفيق» وفق تعبيره.

وروى وليد المصري، وهو أصلا من بيروت وولد بنيجيريا، حيث كان يقيم أبواه اللبنانيان ويملكان قبل وفاتهما مصنعا للنسيج وآخر للبلاط ومواد البناء، أنه لا يعرف هويته تماما «فأنا ولدت بلاغوس، ومعظم حياتي أمضيتها في الدراسة بشكل خاص ببريطانيا، وهناك تعرفت الى فريال التي درست الصحافة قبل سفرها الى لندن بجامعة القاهرة، فتزوجنا وهاجرنا منذ 24 سنة الى كاليفورنيا، وما أن وصلنا حتى ولد ابني عمر بعد شهر.. كلنا حصلنا على الجنسية الأميركية. وكما ترى فان عربيتي ليست على ما يرام، لذلك لا أعيش هويتي تماما، ويمكنك أن تكتب أني أميركي ابن عرب» كما قال.

وشرح وليد المصري، الذي كان يعاني من بحة في الصوت لم تسمح له بالاسترسال في الكلام أكثر، أن زوجته فريال العاملة الآن معلمة في احدى الكليات بلوس أنجليس، هي من مكة المكرمة بالسعودية «وما زالت أمها واثنان من أخوتها يقيمان في لندن، ونحن نتصل ببعضنا أحيانا، لكنها لم تزر السعودية منذ زمن طويل، ولا أنا زرت لبنان أيضا الا مرتين أو 3 مرات، وحلمنا هو تأدية الحج معا». وقال إن ابنه عمر زار لبنان مرة واحدة في حياته، وذلك عندما كان طفلا صغيرا.

أما ابنته ليلى، فذكرت أنها تدرس التاريخ بجامعة لوس أنجليس، ولا تعرف مثله أيضا كيف تعبر عن هويتها الوطنية «فأحيانا أشعر أني لبنانية، وأحيانا أميركية، ومعظم الأحيان لا أشعر بالانتماء لأي وطن. يعني، أنا لا أميّز بين الأوطان والقوميات، ولا أدري كيف أشرح ما أقول، لكني أشعر بأني مسلمة. كذلك أخي سامر، الذي يعمل في حقل الكومبيوتر باحدى الشركات، فقد أخبرني مرة أنه يحتار مثلي بالتعرف الى هويته، ويتساءل دائما عما اذا كان من لبنان أو السعودية أو أميركا.. كل ما نعرفه هو أن تاريخ العرب والبلدان العربية يجذبنا بشيء ما، لكننا لا نعرف طبيعة هذا الشيء حقيقة» بحسب تعبيرها.

=