مشكلة البطالة في السعودية تختلف عن دول أخرى وتتعلق بشروط طالب العمل

TT

تجرى الاستعدادات في القطاعات العسكرية الثلاثة «الحرس الوطني، الدفاع، الداخلية» مع مؤسسة التعليم الفني والتدريب المهني، لتنفيذ القرارات التي صدرت مؤخراً ووافق عليها ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز في سبل تدريب وتوظيف الشباب.

وأكدت القرارات على انشاء 20 كلية تقنية جديدة بطاقة استيعابية 60 ألف متدرب، و30 معهداً تقنياً بطاقة استيعابية 40 ألف متدرب مع تطبيق برنامج التدريب العسكري المهني بطاقة استيعابية 10 آلاف متدرب سنوياً، وبتكلفة ضخمة تتجاوز 3 مليارات و700 مليون ريال، على ان يمنح المتدرب مكافأة 700 ريال شهرياً، وبعد نهاية الدورة يقبل 2500 متدرب في القطاعات العسكرية، و2500 مدرب يواصلون التعليم عبر الكليات التقنية المتخصصة، و5 آلاف متدرب يتوجهون الى سوق العمل مباشرة.

واعتبر عبد المجيد الفايز وهو باحث اقتصادي ومهتم بشؤون التوظيف والبطالة، ان البرنامج التدريبي المشترك «خطوة جريئة وشجاعة» من قبل المسؤولين لمواجهة مشكلة البطالة بين أوساط الشباب، متوقعاً بان «يكون مكملاً لبرامج أخرى بادرت بها الحكومة لعلاج القضية في السنوات الماضية، مثل انشاء صندوق تنمية الموارد البشرية، ومشاريع وبرامج التوظيف التابعة لامارات المناطق».

ويصف الدكتور أحمد محمد العيسى عميد كلية اليمامة الجامعية في الرياض، المشروع بانه «من أهم الخطوات التي تحاول من خلالها الدولة حل عدة قضايا واجهتها خلال العقد الحالي، ومنها مشكلة القبول لخريجي المرحلة الثانوية، ومشكلة البطالة من خلال توجيه الشباب نحو المجالات الأكثر حاجة في سوق العمل، وبخاصة المجالات الفنية والتقنية». وما زالت الغيوم تخيم على النسب الحقيقية لمعدل البطالة في السعودية، على الرغم من الاحصائية الصادرة من مؤسسة النقد العربي السعودي «البنك المركزي» التي تحدثت عن الرقم 7.31 في المائة، نجد ان بنوكا تجارية في السعودية تتحدث عن نسب مضاعفة لذلك الرقم، فقد قدم البنك السعودي ـ الأميركي في أحدث احصائية صادرة منه الرقم 14 في المائة كنسبة لمعدل البطالة في السعودية مستندة الى دراسات ومعلومات ميدانية. لكن وزير العمل والشؤون الاجتماعية الدكتور علي النملة، اكد في تصريحات صحافية ان معدل البطالة لا يصل الى 9 في المائة.

وهنا يقول الباحث الفايز «رغم عدم معرفة النسبة الحقيقية للبطالة في المملكة، وتضارب رقمها بين الباحثين من جهة والجهات الرسمية من جهة أخرى، الا انهم متفقون على الجهود التي ينبغي ان تبذل لعلاجها، ولذا فينبغي ان يأخذ المسؤولون في الاعتبار ان البطالة في المملكة تختلف في طبيعتها عن البطالة في البلدان الأخرى، لانها ترتبط في الغالب باشتراطات حول نوعية الوظيفة والمزايا ومكان العمل من قبل العاطلين».

وفي استطلاع عام على واقع المهن التي تتركز بها العمالة الأجنبية، يتبين انها موجودة بشكل أولي في سوق الخدمات والمنشآت الصغيرة، الا ان جهود «السعودة» منصبة على المنشآت الكبيرة، وهو ما يعلق عليه الفايز بانه «سيساهم في احجام بعض المستثمرين في الداخل والخارج عن الاستثمار في مشروعات جديدة تساهم بدورها في خلق آلاف الوظائف للشباب اذا ما فرضت السعودة على القطاع الخاص بشكل أو بآخر»، متوقعاً بانه «ستنتج عن ذلك أزمة أكبر وأخطر من أزمة البطالة الحالية».

ويرى الفايز في ذلك ان الأزمة هي «أزمة احلال، أما الأزمة التي ينبغي من الآن تجنبها فهي أزمة وظائف جديدة أو مستحدثة، لان هذا الأمر لن يتحقق الا بتحقيق نسبة نمو في الناتج الوطني الاجمالي أكبر من نسبة النمو السكاني المرتفعة في الوقت الراهن».

ويشير الدكتور أحمد العيسى الذي عمل في مؤسسة التعليم الفني على مدى سنوات، عبر مجالي التعليم الفني والكليات التقنية، وعميداً لكلية التقنية في الرياض سابقاً، الى ان المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني «لا تستطيع من خلال بنيتها الادارية والتخطيطية الحالية ان تقدم مؤسسات تقنية متميزة وقادرة على امداد سوق العمل بالكفاءات الوطنية التي تستطيع ان تصمد في بيئة عمل متغيرة وشديدة التنافس».

وفي حديثه عن المؤسسة، قال: «انها لم تكن لها مشكلة في يوم من الأيام في المخصصات المالية»، واضاف بانها «نالت من الدعم الشيء الكثير ولا تزال تحصل على ميزانية معقولة ودعم اضافي في أوقات متفاوتة، ولكنها حقيقة تفتقد الى قيادة وتخطيط استراتيجي، وتفتقد الى مجلس ادارة فعال مطلع على أبرز التجارب والخبرات في مجال التعليم الفني والمهني، ويعرف واقع المؤسسات التي يشرف عليها ويخطط لها، كما ان المؤسسة تفتقد الى الكفاءات الادارية والفنية وفي التخطيط للمناهج والبرامج التي تستطيع ان تنهض بمستوى التعليم والتدريب في كلياتها، ومعاهدها الفنية، ومراكز التدريب المهني».

وفي هذا الجانب، فمنذ ربع قرن تقريباً لم تستوعب مؤسسة التعليم الفني سوى أقل من 75 ألف طالب ومتدرب يلتحقون بأكثر من 86 وحدة تعليمية وتدريبية. وهنا، يتساءل الدكتور العيسى «هل يمكن اختصار هذا التاريخ ونقول ان المؤسسة تستطيع ان تستوعب 100 ألف متدرب جديد خلال سنة أو سنتين أو 5 سنوات في 59 مؤسسة جديدة ؟». ويوضح الدكتور العيسى ان «هذا العدد الكبير يحتاج الى كفاءات ادارية وتعليمية حقيقية تستطيع ان تعمل في الكليات والمعاهد الجديدة وترتقي بهذا النوع من التعليم وتستطيع بذلك توفير القوى البشرية المناسبة لسوق العمل».

ودعا الباحث الفايز الى «تحويل جزء من الثانويات العامة لمعاهد تدريب متخصصة لتدريب الشباب على مهن مطلوبة من قبل قطاع الأعمال»، معللاً بان «هذا الأمر سيساهم في توفير جزء من تكاليف اعادة التدريب لخريجي المرحلة الثانوية». وحسب أحد العاملين في المؤسسة أبلغ «الشرق الأوسط» انه في حالة حدث عطل في الكهرباء أو السباكة، أو أي شأن فني، فان الادارة لا تحضر لهم الشباب الذي يتدرب في معاهدها لتصليح العطب، بل «تستعين بالعمالة الوافدة». وفي شأن آخر يذهب الفايز الى ان من يعتقد بان «السعودة» ستتحقق في جميع المهن فهو «يبتعد عن الحقيقة»، موضحاً بان بعض المهن والوظائف لن تتم سعودتها فعلياً الا «بعد سنوات طويلة لانها ببساطة مهن غير مقبولة من قبل السعوديين وعوائدها متدنية قياساً مع متوسط تكاليف المعيشة»، مقترحاً بان يبدأ في «سعودة » المهن المقبولة من قبل السعوديين أولاً التي تحقق عوائد مادية مقبولة، ومن ثم الشروع في وظائف أخرى مثل الموجودة في القطاع الصحي الذي سيحتاج الى «حوالي 200 ألف وظيفة خلال السنوات القادمة من غير فئة وظائف الأطباء»، معتقداً بان «الطريق طويل».