مفكرون: نزعات الهيمنة الأحادية هي المعوق لحوار إيجابي بين الحضارات

TT

تختتم اليوم في الرباط أعمال ندوة «حوار الثقافات..هل هو ممكن» التي يشارك فيها باحثون ومفكرون من مختلف انحاء العالم.

وركزت غالبية المداخلات التي القيت خلال اليومين الماضين على اهمية الحوار المتعدد الثقافات والحساسيات كفعل أساسي في احتواء المشاكل الكبرى التي يواجهها العالم. واعتبر متدخلون أنه لا يمكن الحديث عن حوار بين الثقافات بدون ارساء أسس استراتيجية واضحة لهذا الحوار وتفكيك معوقاته والصعوبات التي تشوش عليه وتكتنف اجراءه.

وتطرق المشاركون الى أهمية هذا الحوار باعتباره ضروريا لاحلال السلام والعدل بين الشعوب بدل منطق الحرب والهيمنة والسيطرة. واتفقوا على ان الاختلالات السياسية والاقتصادية ونزعات الهيمنة الأحادية تشكل المعوق الأساسي لحوار وتلاقح ايجابيين بين الحضارات.

واعتبر الباحث والمفكر المصري السيد ياسين انه لا وجود لنظرية ابستمولوجية لممارسة الحوار أو معايير متفق بشأنها لاختيار مواضيع الحوار، مؤكدا في مقابل ذلك ان حوار الثقافات ليس ممكنا فقط بل هو ضروري في عالم يعيش في سياق ثقافات وحضارات متعددة الاتجاهات.

وأشار الى ان موضوع صراع الحضارات برز منذ سنة 1990 بعد سقوط الاتحاد السوفياتي حيث انهار نظام القطبية الثنائية الذي تميز بالصراع الآيديولوجي الحاد بين الرأسمالية والشيوعية، مشيرا الى ان هذا التحول أفرز صراعا فكريا سياسيا بين اتجاهين; الأول يزعم ان صراع الحضارات سيكون هو البديل للصراع الآيديولوجي الذي ساد على امتداد القرن العشرين، والثاني يدعم حوار الحضارات في ضوء العولمة التي غيرت من شروط هذا الحوار وطريقة تنفيذه.

وخلص الى تأكيد ضرورة قيام حوار بين الاسلام والغرب، معتبرا ان ذلك لن يتأتى في غياب نقد ذاتي وتكتل المثقفين في العالم لخلق جبهة قوية لمواجهة الارتدادات.

ودعا الأكاديمي والأديب المغربي بنسالم حميش في مداخلة بعنوان «حوار الثقافات وصعوبات التأسيس» الى تكييف الحوار مع روح العصر واصلاح شروط امكانه وانجازه بما انه ضروري لمشروع السلام العالمي وأمر الزامي وممارسة لا محيد عنها ولو تكاثرت التيارات والرياح المعاكسة. كما دعا الى حوار من أجل السلم وانسنة الانسانية مع تدريس كل المشارب العلمية واقامة اقتصاد معولم، ولكنه انساني تتقاطع فيه المعارف من دون تمييز. ورأى حميش ان الحوار ليس ممكنا مع ذهنيات وتكتلات، من قبيل هنري برنار ليفي والمحافظين الجدد في الادارة الأميركية، تنضح بالعنصرية والاحتقار للآخر و«تثمل بالقوة والروح المتعجرفة» وتصنف العالم الى «محور الشر» و«الدول المارقة» وتعد له «حروبا وقائية».

وفي مداخلته أكد الباحث آلن جوكس ان الحقبة الحالية تتميز برغبة معلنة من الولايات المتحدة لفرض زعامة عالمية يمكن ان نطلق عليها «امبراطورية» شاملة، خاصة منذ تولي جورج بوش الرئاسة، لأن القوة العسكرية الأميركية خرجت الى الواجهة بعد تفجيرات11 سبتمبر (ايلول). وأوضح جوكس صاحب كتابي «أميركا المرتزقة (1992)» و«امبراطورية الفوضى(2002) » ان ملامح التعارض النسبي بين الثقافة الاستراتيجية الأميركية والثقافة السياسية الأوروبية بدأت ترتسم بكل وضوح منذ نهاية الحرب الباردة، مستبعدا ان يتحول هذا التعارض الى حرب، لكنه يجزم بأنه سيتحول الى نزاع داخل أوروبا والولايات المتحدة حول السلم واستعمال القوة.

وأشار جوكس الى انه في فلسطين تهدف معركة اسرائيل ضد القومية العربية وضد السلطة الفلسطينية والاسلاميين في حركة المقاومة الاسلامية (حماس) الى تأجيج حرب بدون نهاية فيما ليس هناك حرب دينية في كولومبيا ولكن هناك مواجهات بين مفاهيم سياسية واجتماعية مختلفة.

أما ايف فارغاس فرأى انه عندما تم استحضار الديانة الاسلامية في فلسفة عصر التنوير لم تسمح الحملات الفكرية التي ألصقت بها واعتبرتها معادية للمسيحية بالقيام بتحليل حقيقي لمضمونها وذلك على الرغم من محاولات أولئك الذين سعوا الى ربطها بأنماط عيش للسكان. وأكد فارغاس مؤسس جمعية «النداء الفرنسي ـ العربي» سنة 1990 التي تستهدف تشجيع وتسهيل اللقاءات والتبادل بين المثقفين العرب والفرنسيين ان حوارا جديدا من شأنه تفادي اعادة انتاج هفوات الماضي من خلال الالتفاف على القضية الدينية للتفكير بطريقة لائيكية (علمانية) أو سوسيولوجية بشأن قيم الحضارات والأفكار المسبقة حولها.

من جهته، شدد الباحث الفرنسي الخبير بشؤون العالم الاسلامي فرنسوا بورغا على ضرورة ان يتجه الحوار أساسا الى معالجة الاختلالات السياسية والاقتصادية التي تهدد السلام والاستقرار العالمي من أشكال الاستبداد والاحتلال والاستغلال. ورأى بورغا ان تنوع الثقافات معطى ايجابي في العلاقات الدولية، غير ان الدفع بالخصوصية لا يعني انتهاك القيم المتعارف عليها كونيا، معتبرا ان الحوار بين الثقافات لا ينبغي ان يتحول الى حوار بين الأديان بصفتها مرجعيات ثابتة وكلية لا تقبل التجزؤ.

وبدوره، انتقد سعيد بنسعيد العلوي عميد كلية الآداب والعلوم الانسانية في الرباط الخطاب السياسي الأميركي الراهن بوصفه «خطابا تبشيريا» يوظف مقولات دينية تضع الغرب ممثلا لـ«الخير» نقيضا للآخر ممثلا لـ«الشر». واعتبر العلوي ان سوء الفهم الحضاري بين الاسلام والغرب ينجم من جهة عن الخلط بين الاسلام والتطرف الديني باسم الاسلام في الغرب، ومن جهة أخرى عن انتشار الأحكام المعيارية ازاء الغرب الذي يختزل في «غرب الميوعة والتحامل على المسلمين»، داعيا الى العمل المشترك على مستوى العالمين لمحاربة هذه الأفكار التبسيطية.

وقدم المفكر المصري مراد وهبة قراءة مقارنة في تاريخية مفهوم التنوير وجدلية علاقته مع التراث في المجالين الثقافيين العربي والغربي. واعتبر مؤسس الجمعية الفلسفية الأفرو ـ آسيوية ان التقدم العلمي هو المقياس الراهن للتقدم الحضاري.

ومن جهته، ذكر الكاتب المغربي ادمون عمران المالح ان الحوار بين الثقافات كان دائما موجودا في العلاقات بين الكتل الحضارية، متسائلا عن السبب في تعثر وجمود هذا الحوار الآن في عصر الانفجار الكبير في وسائل التواصل الذي أضحى معه من المستحيل الفصل بين الثقافات والمجتمعات. ونبه الى ان الارهاب لا يتحقق فقط من خلال الفعل المادي للتدمير، بل أيضا وأساسا من خلال الفكر المنبت للارهاب، متوقفا عند «ارهاب الدولة» الذي تمارسه اسرائيل يوميا ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.